لأن الثورة ليست ملك الشباب ولا حظ لهم فيها، ولأن الثورة في عرف الشيوخ الذين لم يغادروا المسؤولية منذ فتحوا أعينهم على الاستقلال، وفتح الشباب أعينهم على العتمة، فإن الشيوخ الذين انتهت صلاحيتهم الزمنية ويعيشون في الوقت الإضافي من الحياة، لا يؤمنون لا بثورة التكنولوجيا ولا بثورة العلم، ولا أي ثورة من الثورات سوى ثورة واحدة حدثت في 1954، وبعدها جفت الأقلام ورفعت الصحف ولا يهم بعدها حتى إن كشطت السماء، ولهذا فهم لا يؤمنون حتى بثورات أخرى حدثت في بداية الإستعمار الفرنسي، سواء أكانت ثورة المقراني أو ثورة الزعاطشة أو ثورة الحداد، أو أي ثورة أخرى ولا تعدو أن تكون تلك الثورات في التاريخ مجرد بهارات لثورة واحدة وحيدة موحدة، لهذا فالشيوخ الجاثمون على هذا البلد والذين بلّدوا فكر البلد، لا يمكن أن يستوعبوا استمرار الثورة بعد الاستقلال لتتحوّل إلى ثورة تقدم وعلم وتكنولوجيا يؤديها الشباب ويسلموا المشعل من السلف، لأن اعتقاد السلف أن الثورة المباركة توقفت عندهم وفقط. ولأن الأمور تعقدت ومصر تحررت وتونس كذلك، فإن الشباب اليوم الذي يتحدث بعض الشيوخ على أن بطالتهم تساوي 10 بالمائة، بينما لا تجد في مصالح البريد إلا قلة أقل من عشرة بالمائة من الشباب تزاحم الشيوخ من أجل قبض الراتب، صارت تبحث عن ثورة تحررها من جديد، لا يهم كيف ستكون ولا كيف ستنتهي. ورغم ذلك، حين هبت نسائم التحرير في مصر وتونس، وجد شباب الجزائر شيوخا مثل سعدي وبن بيتور وعلي يحيى عبد النور يريدون أن يقودوا ثورة. ولأن الثورة اليوم صارت موضة وأبناء الشيوخ الذين شابوا وشبوا في المناصب يبحثون دوما عن الموضة، فالأكيد أنهم سيطلبون من الآباء أن يشتروا لهم ثورة، وهكذا تورث الثورة "المبيوعة" من الجيل القديم إلى الجيل الجديد، لتتكرر مأساة الشعب من جديد بجيل ثورة جديد اشترى الثورة من الآباء الذين استوصوا بالشعب شرا، ولن تستغربوا إن سمعتم يوما إبن سي فلان الثوري يقول إن والده الذي اشترى له "هامر"، اشترى له أيضا "ثورة" ببعض الثروة.