خلافات جوهرية في مسائل الحريات ما يزال مشروع دستور تونس المرتقب محلّ خلاف بين القوى السياسية داخل المجلس التأسيسي بشأن مسائل تتعلّق أساسا بالنظام السياسي والحقوق والحريات، وهو ما قد يفضي إلى تنظيم استفتاء شعبي للمصادقة على الدستور، إذا لم يحصل التوافق اللازم بين الفرقاء. وينصّ قانون صاغه المجلس التأسيسي على إجراء استفتاء إذا لم يقع الاتفاق على الدستور بأغلبية الثلثين في قراءة أولى أو ثانية، وهو ما يراه البعض فشلا في مهمّة المجلس الذي يواجه انتقادات بسبب تباطؤه. ولتسريع عمله، حدّد المجلس، الذي يضم 217 عضوا، روزنامة عمل تقضي بمناقشة مشروع الدستور في قراءة أولى مطلع يوليو القادم، على أمل أن تنظّم الانتخابات نهاية هذا العام، لكنّ الخلافات حول بنود دستورية قد لا تسمح بذلك. ويقول علي بلشريفة عضو لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما داخل المجلس التأسيسي إنّ هناك "خلافات جوهرية" حول طبيعة النظام السياسي، وإن هناك "تباينا كبيرا" حول تحديد مسؤوليات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وخلافا لبقية الأحزاب تسعى حركة النهضة التي تمتلك أغلبية المقاعد بالمجلس التأسيسي 89 مقعدا للحدّ من سلطات رئيس الجمهورية، ومنح سلطات أكبر لرئيس الحكومة في مجالات تتعلق بالأمن والسياسة الخارجية والتعيينات بالوظائف العليا وغيرها. وتتبنى الحركة نظاما يميل للنظام البرلماني، وترى فيه أكثر الأنظمة تمثيلية للشعب، لكن بقية الأحزاب تتبنى نظاما مختلطا فيه توازن بين سلطات رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وترى أن النظام البرلماني يسمح بتغوّل حزب واحد لديه أغلبية المقاعد. ويحذّر بلشريفة المنتمي سابقا لحزب التكتل من إمكانية الاستفتاء على الدستور، وتأخير الانتخابات إذا استمرّ الخلاف حول النظام السياسي، مؤكدا أنّه لا حلّ سوى تقريب وجهات النظر بين الفرقاء. بدورها، تقول سامية عبّو عضوة لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما للجزيرة نت إن هناك "احتمالا كبيرا جدّا" للاستفتاء لتباين الآراء حول النظام السياسي القادم. وترى عبو المنتمية سابقا لحزب المؤتمر أنّ تمسك حركة النهضة بتمرير نظام برلماني "سيقضي على" فرص المصادقة على الدستور، وسيفضي إلى تنظيم استفتاء وتأجيل موعد الانتخابات. وعبرت عن قلقها من الذهاب للاستفتاء دون توفير حدّ أدنى من الضمانات في الدستور لاستقرار البلاد، وسدّ الثغرات التي تسمح بالاستفراد بالسلطة، محذرة من إمكانية شراء أصوات الناخبين. ويقرّ الحبيب خضر المقرر العام للدستور بالمجلس التأسيسي بوجود اختلافات حول تحديد سلطات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بشأن الأمن، والسياسة الخارجية، والتعيينات، وإصدار المراسيم، وسنّ مشاريع قوانين. ويرى أنه يمكن تجاوز الخلافات بالحوار ومزيد الانفتاح، مشددا على أنّ الأهم من تقاسم الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة هو "تبني نظام متوازن قادر على أن يعمل بنجاعة ولا يخلق أزمات". كما أشار إلى أنّ رئيس الجمهورية بالدستور الجديد سيكون منتخبا من الشعب، وسينفرد بصلاحيات كبيرة منها حلّ مجلس الشعب "البرلمان" إذا فشل في تشكيل الحكومة، وإعلان حالة الطوارئ والحرب والسلم، والقيام بالتعيينات العسكرية. ولا يرى حبيب خضر أيّ إشكال في اللّجوء إلى الاستفتاء كآلية ديمقراطية إذا لم تحظ المصادقة على الدستور الجديد بأغلبية الثلثين من قبل أعضاء المجلس التأسيسي بإحدى القراءتين "الأولى أو الثانية". وبشأن الخطوات التالية إذا صوت الشعب بالرفض، قال خضر إن ذلك سيكون بمثابة "فشل" للمجلس التأسيسي، لكنه قال إن المجلس سيتحسب لذلك الأمر، ويسن قانونا ينظم الاستفتاء وما بعده. وليس النظام السياسي هو جوهر الخلاف الوحيد بالدستور، فهناك أيضا خلاف على مسائل تتعلق بمدنية الدولة والحقوق والحريات، رغم أنّ أغلب النواب أجمعوا على تضمين مشروع الدستور أبرز أهداف الثورة ومبادئ الديمقراطية. ويتحفظ نواب على وجود مفاهيم دينية في توطئة الدستور، يرون أنها تهدد مدنية الدولة. كما يعارضون استثناءات في باب الحقوق والحريات، تقيّد حرية التعبير والإبداع بواجب احترام حقوق الآخرين والآداب العامّة.