لم تعكس مقابلة السبت والتي ستجمع المنتخبين العربيين الشقيقين مصر والجزائر مدى الاصطفاف الوطني الذي يسكن العاطفة الجماعية والفردية للمواطن العربي فقط بل زادت عنه أن عكست وأجلت في ذلك الولاء والاصطفاف الإقليمي، حيث أبدت الدول العربية المشرقية عبر وسائل إعلامها وفنانيها ومثقفيها الثقيلة منها والخفيفة دعمها المستور منه والمجهور للفريق المصري متمنية رؤيته في المونديال بينما لاحظ الجميع الدعم القوي والكامل لأقطار المغرب العربي للجزائر وهو الأمر الذي تفطن له الاتحاد المصري ودفعه لرفض إجراء المقابلة الفاصلة بإحدى دوله في حال انتهت موقعة القاهرة بالتعادل في كل شيء. لكن السؤال المطروح هنا هو: ما الذي يخلق هذا الاصطفاف الإقليمي داخل الأمة الواحدة؟ وهل هو انعكاس ظاهري فقط لما هو أعمق منه ويمس جوانبا كبرى في الوعي القومي أم ماذا؟ لا يختلف اثنان على أن ثمة عقدة كبيرة تسكن إخوانا المشارقة حيال نظرتهم للمغرب العربي وحسبانه طرفا تابعا للمشرق في كل ما له صلة بالوعي القومي كون حركة الاندماج والتوحد الثقافي وتأسيسات الهوية إنما انطلقت من المشرق، لذا ينبغي الحفاظ على هاته الأسبقية التأسيسية بل وترسيخها في الوعي وتفعيلها في شتى مناحي الحياة القومية ليدرك دوما أنه ليس كذلك (عربي أم مسلم) سوى لكونه نتاج الثقافة المشرقية الوافدة مع الفتح الاسلامي التعريبي لذا فالواجب عليه التقيد بتلك اللحظة التأسيسية والتحرك والإبداع داخل نطاق الوعي الدائم بها. من جانبهم، يرفض المغاربة هذه النظرة التقزيمية الاستصغارية لحضورهم في المسار التاريخي للحضارة العربية التي كانوا أهم بناتها وأكبر المضحين من أجلها مذ وطأت أقدام الفاتحين الأوائل أراضي أجدادهم، إلى أن استقلت معظم أقطاره من الاستعمار الحديث بعد تضحيات جسام عز نظيرها في الضفة الأخرى من الوطن العربي الكبير أي في المشرق. ووجود المغرب على مقربة من الفاعل الحضاري الكبير (الغرب الأوروبي)، جعله الأقرب إلى أي تطور معرفي وعلمي وحضاري وثقافي يبدع للبشرية انطلاقا من هذا الفضاء الأوروبي الرائد اليوم في تاريخ البشرية، وكان من جملة ما سبق المغاربة المشارقة اكتسابه من الحضارة الغربية الرياضة عموما وكرة القدم على وجه الخصوص وذلك بفعل حركة الاستعمار التي طالت في بعديها الزماني والمكاني بالمغرب العربي، وما سلسلة النجوم الكبيرة التي أنجبتها تلكم الأقطار على مدار التاريخ والتي كتبت أسماؤها بأحرف من ذهب لخير دليل على ذلك ك بامبارك والمجحوب وفراس وتيمومي وبدربالة وكريمو من المغرب ومخلوفي وزيتوني وبن طيفور ولالماس وهدفي وبلومي وماجر وعصاد ودلحب من الجزائر وطارق دياب وتميم وعتوقة والكعبي من تونس والعياسوي وجرانا من ليبيا وغيرها من العناصر التي استحال على المشارقة انجاب مثلها فضلا عن نكران موهبتها. وانطلاقا من هذا العوز التاريخي للمشارقة المهووسين بعقدة المركز، راحت صحافتهم وجيوش فنانيهم على ما هو عليه مصطلح الفن اليوم من تحفظ كما نقل عن مغنية وراقصة الإغراء اللبنانية نناسي عجرم تدعم وبلا تردد فوز مصر على الجزائر واقتطاع تأشيرة التاهل للمونديال متجاهلة أسبقية منتخب الجزائر على شقيقه المصري في الترتيب والنقاط وفارق الأهداف. عقدة المركز المشرقية أدت ببعض مثقفيهم إلى السقوط في أتون الإسفاف التاريخي والانحدار إلى عمق المطبات المعرفية التي لم يتوقع أحد أن يؤول إليها أشباه المثقفين والاعلاميين العرب. فعمرو أديب الذي لست أدري إن كان صحفيا أم شئا آخر على حد شكوك المهاجم المصري محمد زيدان به في إحدى مواجهاته له عقب ما عرف بفضيحة لاعبي مصر مع فتيات من جنوب إفريقيا أيام كأس القارات، راح يتفاخر ويمن على الجزائريين أن درس بعض المصريين أبنائهم اللغة العربية، متناسيا أنه في الوقت الذي كان هؤلاء المدرسون يستمتعون بدروسهم على مقاعد الدراسة بالمدارس المصرية الآمنة في ظروف طبيعية، كان شباب الجزائر يضحون في الجبال من أجل ماذا؟ من أجل أن تظل الجزائر جزءا لا يتجزأ من جغرافية وتاريخ الوطن العربي بعدما أوقعه الاستعمار تحت طاحونته الثقافية بمحاولة فرنسته لغويا وبضمه للتراب الفرنسي سياسيا، حيث كان دستوره ينص على أن الجزائر قطعة طبيعية من التراب الفرنسي بينما عبد الحميد أبن باديس بالقول شعرا شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب أو رام إدماجا له رام المحال من الطلب وبعد كل هذه التضحيات من أجل وحدة وسلامة أرض العروبة من الاغتصاب، كانت ضريبتها باهظة من الدم والروح، قوافل من الشهداء نافت أعدداها عن الثمانية مليون شهيد على مدار قرن ونصف من التاريخ يأتي عمرو أديب ليستكثر على الجزائريين دروسا في اللغة الغربية قدمها لهم معلمين مصريين متعاقدين وبأجور مريحة إلى حين قامت قومة الجزائريين الثقافية التي تجلى اليوم كبرى وأكبر من شعوب رفعت شعار التعريب منذ قرون ولم تقدم له غير التخلف والنكسات. فمباراة واحدة في كرة القدم كانت كفيلة بأن تكشف عن هشاشة الوعي القومي العربي المؤسس على خلفيات نفسية وتاريخية جد هينة تسهم في الزيادة من إضعافها في كل مناسبة صغرت أم كبرت كمناسبة لقاء الكرة بين الجزائر ومصر آليات تحريك الوعي من فن وإعلام هي الآن تحت سيطرة أشباه المثقفين المتمعشين والمرتزقين بدنانير ودولارات من يحكمون القطرية المشرقية المهووسة بعقدة المركز والأستاذية على المغرب العرب مغرب الجهاد والكفاح عبر كبريات المحافل والمحطات الملحمية التاريخية للبشرية.