لم تعرف وسائل الإعلام الجزائرية أزمة معقّدة بقدر جائحة "كورونا" التي غيّرت الموازين ووضعت وسائل الاعلام في تحدٍ كبير، بين توخي الدّقة والموضوعية وتحقيق السبق الصحافي، وبين مواجهة منصات التواصل الاجتماعي التي عملت على تضخيم الأزمة والتهويل . وسائل الإعلام الجزائرية مثل زميلاتها في كل دول العالم، كانت أمام تحدٍ في المستطاع، وهو تقديم معلومة صحيحة بعيدة عن التهويل، ومساعدة المواطنين والشعوب على فهم تركيبة "الفيروس" وطريقة الوقاية منه، من خلال الحملات الإشهارية التي كانت تقوم بها، وكذا "البلاطوهات" التي تمّ فيها استقبال متخصصين في المجال وملمّين بالموضوع. الإعلان عن أول إصابة في الجزائر.. تاريخ مفصلي لوسائل الإعلام الجزائرية إختيار وزير الصحة والسكان، عبد الرحمن بن بوزيد، لعقد ندوة صحافية، جمعت مختلف الوسائل الإعلامية السمعية والبصرية، للإعلان عن تسجيل أول حالة، كان حدثا مفصليا للإعلام الجزائري، وفي ذات الوقت، كان رسالة لكل الإعلاميين بضرورة التجنّد للوقوف جنبا إلى جنب لإيصال المعلومة الصحيحة والدقيقة للمواطن، وتجنّب التهويل والأخبار الكاذبة التي من شأنها أن تهدم مجتمعا بأكمله. وبعد إعلان الوزير عن تلك الحالة، انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بين خائف من المسقبل وآخر مستهتر ومستهزئ، حتى أن البعض لم يصدّق تلك المعلومات التي أدلى بها وزير الصحة، وهنا جاء دور وسائل الإعلام التي كانت أمام تحدٍ كبير هو الأول من نوعه في تاريخها. ومنذ ذلك اليوم وإلى غاية كتابة هذه الأسطر، لم تخرج الجزائر من دائرة الأزمة الصحية الخطيرة، وتخبّطت فيها مثل باقي الدول، حيث ازدادت أعداد الإصابة، وتم الإعلان بأن ولاية البليدة أصبحت بؤرة ل"الفيروس"، هذا الأخير الذي سرعان ما انتشر بالتدرج إلى بعض الولايات، كبداية، لتُعلن السلطات مبكرا عن حجر جزئي وبعدها كلي، كانت ولاية البليدة مهده الأول. المنحنى التصاعدي والتنازلي للحالات يوميا على شاشات التلفزيون حرصت وزارة الصحة والسكان واصلاح المستشفيات، على تقديم حصيلة يومية حول عدد الاصابات، والوفيات والحالات التي شفيت ،عبر شاشات التلفزيون بلسان" جمال فورار"الناطق الرسمي للهيئة الوطنية لرصد ومتابعة فيروس كورونا ، باللغات الثلاث العربية الفرنسية والأمازيغية . وقد قامت الوزارة بهذه الخطوة لتكذيب الشائعات، التي سيطرت على منصات التواصل الاجتماعي على غرار "وجود وفيات أكثر من الأرقام المُصرح بها "، ، و"عدم وجود أسرة كافية لاستقبال المرضى في المستشفيات".. والعديد من الأخبار التي كانت تؤثر بالسلب على المواطنين الذين وجدوا انفسهم بين مطرقة الأخبار والشائعات على منصات التواصل الاجتماعي ،وسندان تصديق الارقام والاخبار التي كانت تُبث عبر وسائل الإعلام ،ضف إلى ذلك الأرقام المرعبة التي كانت تصدر من وسائل إعلام أجنبية ، على غرار فرنسا وإيطاليا حول عدد الوفيات التي وصلت إلى مئات الآلاف يوميا . السلطة الرابعة في مواجهة الأخبار الكاذبة لوسائط التواصل الاجتماعي حرصت منصات التواصل الاجتماعي في العديد من المرات، على نقل أخبار غير صحيحة، فيها الكثير من المغالطات والتضليل، حيث شكّلت بعض الأخبار الكاذبة التي نقلتها وسائط التواصل الاجتماعي مهمة أخرى لوسائل الإعلام، حيث وجدت نفسها في مواجهة تلك الأخبار بتكذيبها ونشر الصحيحة فقط على المواقع الإلكترونية الإخبارية وفي تقاريرها لمختلف القنوات، وهذا تفاديا للتهويل الذي نجحت في صنعه بعض وسائط التواصل الاجتماعي، من خلال نشر أرقام خيالية عن عدد الوفايات، إضافة إلى نشر معلومات عن امتلاء المستشفيات بالمصابين وعدم وجودة أسِرة. وكانت لتلك الشائعات أثرا سلبيا على نفسية المواطنين التي كانت في الحضيض، خاصة أيام الحجر الصحي،وفي هذا الصدد، قالت الدكتورة" أنيسة ابراهيم الرحماني "المتخصصة في علم الاجتماع، على مستوى جامعة "الجزائر 2" إن شبكات التواصل الإجتماعي كانت آنية وسريعة في تداول الأخبار، بالرغم من أن نسبة كبيرة من تلك الأخبار كانت غير صحيحة، حيث أن هدف ناشريها كان التحصل على عدد كبير من التعليقات ومحاولة حصد أكبر عدد من المشتركين في الصفحات، إذ أن أزمة "كورونا" تحولت إلى "تجارة" عند بعض الأشخاص. وتضيف المتحدثة بأن مواقع التواصل الاجتماعي، على غرار "الفايسبوك"، ساهمت نوعا ما في تخفيف الضغط عن المواطنين من خلال بعض المناشير التوعوية وتعليقات تحمل الجانب الفكاهي، مما ساهم في إنقاص الخوف والرعب الذي كان يتملك بعض الناس حيال جائحة "كورونا". وزارة الإتصال تُصدر تعليمات لوسائل الإعلام بضرورة التاكد من مصادر الأخبار وجّهت وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، تعليمة إلى المؤسسات الإعلامية، أمرتهم من خلالها بأخذ المعلومة الصحيحة من البيانات والتدخلات التي تقدّمها الوزارة، كما وضعت الوزارة، تحت تصرف كل وسائل الإعلام، المتخصصين الذين يحق لهم التكلم حول هذا الموضوع، باعتبارهم ملمّين بعلم "الفيروسات" والأوبئة. ووضعت وزارة الصحة هذا الإجراء، بناءً على تعليمات من رئاسة الجمهورية لتفادي التهويل والعمل على طمأنة المواطنين وجعلهم يتعايشون مع "الفيروس"، من خلال الاحتياطات والوقاية التي تعدّ السبيل الوحيد للقضاء على الجائحة. وسائل الإعلام الجزائرية تأخذ على عاتقها التخفيف من هول الأخبار الكاذبة ومن أجل التخفيف من ثقل تلك الأخبار، وجدت وسائل الاعلام الجزئرية نفسها تلعب دور" الطبيب النفسي " للتخفيف على المواطنين من هول الأخبار والشائعات التي كانت تُنشرعلى منصات التواصل الإجتماعي ،و الأرقام المخيفة التي كانت تصدر من الدول الأوروبية والآسيوية حول عدد الوفايات ، أين اجتمع رؤساءالتحرير بمختلف الوسائل الإعلامية لوضع خُطة محكمة لارضاء القارئ والمُستمع والمشاهد في آن واحد . وقد عمدت وسائل الاعلام الثقيلة " إذاعة وتلفزيون" على بث برامج ترفيهية على غرار ما قامت به القناة الأولى بالتلفزيون الجزئري حيث تم بث أقدم الأفلام الشهيرة التي شارك فيها قامة من الفنانين الجزئ ريين على غرار " المفتش الطاهر "، الطاكسي المخفي " ، عايلة كي الناس " ،" امرأتان "، " كرنفال في دشرة " والعديد من الأفلام التي لا زالت راسخة في ذاكرة الجزائريين والتي تُساهم في إدخال البهجة لهم كلما قاموا بمشاهدتها. كما تم عرض، أهم المباريات التي أجراها المنتخب الوطني الجزائري في مسيرته الكُروية، خاصة أثناء البُطولة الإفريقية التي أُقيمت في العاصمة المصرية" القاهرة" ،والتي توج فيها أشبال المدرب " بلماضي" بالتاج الإفريقي للمرة الثانية في تاريخ الجزائر . القنوات الخاصة هي الأخرى ، كان لها الدور الفعَال أيضا في التخفيف من وطأة جائحة كورونا من خلال البلاطوهات التي كانت في كل مرة تستقبل مختصين في مجال محاربة الفيروسات وعلم الاوبئة، أين تحدثوا بإسهاب و بموضوعية عن " الفيروس " وركزوا في مداخلاتهم على الوقاية التي أعتبرت الحل الوحيد للقضاء عليه. وفي هذا الصدد قال "مروان بوعبدلي " أستاذ محاضر تخصص" إعلام واتصال" في جامعة" وهران "، أن تفكير وسائل الإعلام الجزائرية خاصة الثقيلة منها في عرض برامج ترفيهية وأفلام قديمة، دليل على نضج الإعلام الجزائري وتطوره في معالجة الأزمات . واضاف المتحدث ،أن وسائل الإعلام الجزائرية لعبت دور"الطبيب النفسي" على عكس منصات التواصل الاجتماعي التي كان يبحث مُروجو الأخبار فيها على الشهرة وكسب أكبر عدد من المشتركين . أعضاء هيئة متابعة وباء "كورونا" يقرّون بتخطي وسائل الإعلام الأزمة بنجاح أثنى عدد كبير من أعضاء الهيئة العلمية لرصد ومتابعة وباء "كورونا"، على الدور الكبير الذي لعبته وسائل الإعلام الجزائرية في تسيير الأزمة لأكثر من سنة، حيث اتسمت بالمصداقية ونقل المعلومات الصحيحة، وهو ما ساهم مساهمة كبيرة في نجاح الجزائر في المحافظة على حياة مواطنيها. وفي هذا الصدد، قال الناطق الرسمي للهيئة الوطنية لرصد ومتابعة فيروس كورونا، جمال فورار :"الإعلام هو السلاح الأول لمحاربة الفيروس، من خلال الحملات التحسيسية والتوعوية، وحتى بعض الاستشارات التي قدّمها أطباء متخصصون في المجال"، مشيرا إلى أن الجزائر نجحت بنسبة كبيرة في تسيير الأزمة ولم تدخل الموجة الثالثة، وإذا قارناها بالدول المجاورة، فإن الاستراتيجية الجزائرية في تسيير الأزمة كانت الأنجع، والفضل يعود للإعلام الذي كان دوره كبيرا، حيث اتحد الإعلام العام والخاص وساهم في نشر التوعية للمواطنين.