''عمي عبد القادر'' يروي ل''النهار'' تفاصيل لقائه ب''سي عبد القادر'': بوتفليقة زار الخراربة في 1958، حاملا في يده رشاشا، تناول الكسكسي وقضى ''عمي عبد القادر'' يروي ل''النهار'' تفاصيل لقائه ب''سي عبد القادر'': بوتفليقة زار الخراربة في 1958، حاملا في يده رشاشا، تناول الكسكسي وقضى الليلة عندنا وتعهد بتحرير الجزائر من الاستعمار رغم مرور 12 سنة على مجزرة أولاد مصطفى والخرارب بدائرة الرمكة التي راح ضحيتها أزيد من 1000 قتيلا في ليلة واحدة، إلا أن سكان المنطقة التي تبعد عن مقر الولاية غليزان بحوالي 80 كيلومترا، لا يزالون تحت وقع الصدمة ويتذكرون جيدا ما حدث في تلك الليلة المشؤومة من الفاتح من رمضان، ليلتها فقدوا أعز ما يملكون، فهجروا قراهم، لكنهم ظلوا صامدين في وجه الجماعات الإرهابية.. فمنهم من عاد إلى دواره بعد غياب طويل دام سنين.. وهم ينتظرون اليوم فقط دعم الدولة لينطلقوا في حياة جديدة.. والبعض الآخر هم في طريق العودة. بتاريخ 31 ديسمبر من سنة 1997، نفذ إرهابيون جريمة نكراء بارتكابهم مجزرة رهيبة راح ضحيتها في ليلة واحدة أزيد من 1040 ضحية من مواطنين أبرياء عزل. ومنذ تلك الليلة التي فاقت ما نراه في أفلام الرعب وقصص الجحيم، أصبح دوار أولاد مصطفى والخرارب التابعتين إداريا لدائرة الرمكة، منطقتان محرمتان، حين اضطرت العائلات التي نجت بأعجوبة من الموت إلى الهروب من هناك بحثا عن الأمان والإستقرار في مناطق أخرى، فتعددت وجهاتهم.. لكن فكرة العودة إلى مسقط الرأس ظلت تراودهم طيلة تلك السنوات التي مرت، إلى غاية أن تحسنت الأوضاع الأمنية واستقرت من جديد، كيف وقد أصبح المواطن الغليزاني يتنقل ويسافر ليلا ونهارا عابرا المناطق التي كانت في عز سنوات الأزمة محرمة على الجميع حتى على الجيش، غير أن الجدير بالذكر أن منطقتا الخرارب وأولاد مصطفى تعدان عينتان فقط من مناطق عديدة تضررت كثيرا إبان العشرية السوداء وعلى رأسها دوار الخراربة بدائرة عين الطريق التي تبعد عن عاصمة الولاية ب70 كيلومترا. ''النهار'' بعد 12 سنة على وقوع المجزرة، تعود إلى دواوير أولاد بوزيد، بوخبزة، أولاد مصطفى وواد حدو.. البداية كانت من دوار ''الخراربة'' أين التقينا هناك بالعديد من العائلات التي أبت إلا أن تعود للاستقرار بمسقط رأسها، لتبدأ حياة جديدة في عهد جديد. وفيما التقينا أيضا بعائلات أخرى تعهدت بالعودة.. التقينا أيضا ب''عمي مشوط'' الذي حدثنا كثيرا عن الرئيس بوتفليقة، وسرد لنا حكايات عن هذا الأخير عندما زار المنطقة إبان الثورة التحريرية وبالتحديد في سنة 1958، كما قص لنا الخطاب الذي ألقاه ''سي عبد القادر'' آنذاك أمام الثوار وأمام سكان الدوار... خلال العشرية السوداء، هاجر ''عمي مشوط'' منزله وترك دواره متجها إلى سيڤ، لكنه عاد من جديد ليستقر بقريته، معلقا آمالا كبيرة على ما بعد 9 أفريل المقبل، تاريخ الانتخابات الرئاسية. بداية رحلتنا من العاصمة إلى غليزان كانت في حدود الساعة الرابعة صباحا، المهمة كانت إجراء روبورتاج حول المناطق التي تضررت كثيرا خلال العشرية السوداء.. وبعد سير بالسيارة قارب 5 ساعات تقريبا وصلنا إلى وسط مدينة غليزان، وبعدما تحصلنا على التسهيلات اللازمة من قبل السلطات الولائية، توجهنا إلى دائرة الرمكة، البداية كانت بعين الطريق خاصة وأن سكانها قد هجروها مجبرين لا مخيرين في سنوات التسعينيات. بعد أقل من ساعة وصلنا إلى مقر الدائرة أين وجدنا الرئيس في استقبالنا والذي ساعدنا كثيرا للتوغل إلى قبل تلك القرى التي أصبحت في يوم من الأيام مناطق محرمة، فأخذنا الطريق باتجاه دوار النسايس الذي يبعد عن الدائرة ببضع كيلومترات، غير أن الوصول إليه لم يكن سهلا على الإطلاق، لكن ما شد انتباهنا في تلك اللحظات وفي يوم ربيعي، هو المشهد الرائع لتلك المناظر الطبيعية الخلابة وذلك الاخضرار الذي كان يكسو تلك المساحات الشاسعة من الأراضي، وما زاد في ارتياحنا هو التواجد القوي لقوات الأمن من أفراد الجيش، الدرك الوطني والحرس البلدي بأعالي الجبال وبالمناطق المعزولة والتي كانت تنتمي في زمن غير بعيد ضمن قائمة المناطق المحرمة... وصلنا إلى دوار النسايس الذي يبعد بحوالي 5 كيلومترات عن عين الطريق وهناك التقينا بعمي، بوريشة أحمد، الذي سجن لعدة سنوات، لتجد زوجته نفسها وحيدة وسط الوحوش، فاضطرت للهرب إلى خارج غليزان خوفا من الإرهاب وحفاظا على أبنائها ال11، خاصة البنات. سجنت 5 سنوات وبعد الإفراج عني وجدت ابني مفقودا ومنزلي مهدما ما شد انتباهنا في دوار النسايس هو أن الحياة قد بدأت تعود إلى هناك تدريجيا خاصة بعدما تم تعبيد الطريق. لما التقينا بعمي بن عدة الجيلالي الذي راح يحدثنا مباشرة عن إنعدام الدعم الفلاحي وعن عودته إلى قريته وعن إبنه المفقود، لتلحق بنا زوجته التي تبدو أنها قد تجاوزت العقد الخامس بكثير، بحكم التجاعيد التي ارتسمت على وجهها، وخطواتها الثقيلة التي تقدمت بها نحونا، ومن دون أن تسألنا عن هويتنا إلى درجة أنها لم تمنع المصور من أن يلتقط لها صورا، راحت تسرد لنا تلك الظروف الصعبة التي مرت بها خلال العشرية السوداء وأثناء تواجد زوجها بالسجن. تركنا زوجة ''عمي الجيلالي'' تكمل حديثها قبل أن نسألها بعدها عن سبب دخول زوجها السجن، فأخبرتنا أنه قضى 5 سنوات بالسجن حين وجهت له تهمة دعم الجماعات الإرهابية، ليستفيد في الأخير من حكم البراءة.. لتضيف قائلة: ''تركني لوحدي من دون مال، فوجدت نفسي مسؤولة عن11 فردا، وبعد المجزرة الرهيبة التي ذبح فيها جيراني وأقاربي، وجدت نفسي مجبرة على الهروب بأولادي، فتوجهت إلى وهران وأقمت بناء فوضويا مكثت فيه طيلة 12 سنة.. أنا عدت، لكن أولادي يرفضون العودة، حيث لا تنمية ولا أي شيء آخر.. لكن ما أطلبه من سكان الدوار هو أن يعودوا بقوة إلى المنطقة التي ولدوا وترعرعوا بها''. تركنا دوار النسايس لنتوجه إلى دوار الخراربة والذي يبعد هو الآخر عن عين الطريق بحوالي 8 كيلومترات.. هناك التقينا صدفة ب''عمي عبد القادر مشور''.. الذي كانت له معنا قصص وحكايات. بوتفليقة زارنا.. خطب في الثوار وأكل الكسكسي ثم غادر نحو مستغانم كان سن ''عمي مشور'' آنذاك لا يتجاوز15 سنة فهو من مواليد 15 فيفري 1935 بدوار الخراربة، ولا يزال يتذكر جيدا تلك الليلة التي زارهم فيها بوتفليقة، فراح يحدثنا عن تلك الليلة كأنه لم يمر عنها سوى بضعة أيام، حيث قال مضيّفنا ''كان يدعى آنذاك باسم عبد القادر زلاقتي، لقد زار الخراربة رفقة 160 مجاهدا من رفاقه.. كان حيويا ونشطا وكان يحمل بيده قطعة سلاح من صنع ألماني، فقضى تلك الليلة بدوارنا وذلك المنزل المهدم لا يزال شاهدا على تلك الزيارة، فتناول الكسكس، وألقى خطابا في سكان الدوار، قال فيها إذا آتتكم فرنسا لا تهربوا نحو الأمام بل اتركوها تتقدم نحو الأمام وباغتوها من الوراء لتحاربوها''.. وأضاف ''عمي مشور'' أن بوتفليقة غادر الخراربة في حدود الساعة 5 صباحا باتجاه مستغانم، خاصة بعد سقوط المجاهد، سي رضوان، شهيدا بمنطقة سيدي علي. سألنا بعد ذلك ''عمي مشور'' عن الانتخابات الرئاسية والمرشح الذي سينتخبه في 9 أفريل المقبل، فرد علينا وهل يعقل أن أنتخب شخصا لم يخدم الثورة ولم يشارك فيه؟. وعن مجزرة الرمكة، أخبرنا ''عمي مشور'' أنه لا يزال يتذكر تلك الليلة المشؤومة، حين فقد شقيقته وزوجها و6 من أبنائها في ليلة واحدة بدوار قرن الصخرة.. وأما ''عمي بورحلة الجيلالي'' البالغ من العمر 66 سنة، الذي وجدناه بدواره منشغلا بنزع ''الخبيز''، فأخبرنا بعدما اقتربنا منه وسألناه عن الحالة الأمنية بالمنطقة، أنه يرغب في العودة إلى الخراربة لكن في ظل انعدام الدعم الفلاحي فلا يمكنه ذلك، ليضيف قائلا أن ''بوتفليقة سيزور دائرة عمي موسى وسيزور ''مقبرة بوركبة'' للشهداء التي دفن بها 1061 شهيدا.. غادرنا دائرة عين الطريق باتجاه دائرة الرمكة التي تبعد عن عاصمة الولاية بحوالي 70 كيلومترا، هناك التقينا رئيس الدائرة ورئيس البلدية اللذين قدما لنا يد المساعدة للوصول إلى أبعد نقطة بالرمكة، خاصة بعدما تعذر علينا الوصول إلى دوار ''الخرارب'' الذي شهد في 1997 مجزرة رهيبة، أين بُقرت بطون النساء وذُبح الأطفال وحتى الشيوخ في ليلة واحدة.. استطعنا الوصول إلى دوار أولاد بوزيد الذي كان في زمن سابق بمثابة منطقة محرمة ومهجورة خاصة بعدما هدمت المنازل وأحرقت من طرف الإرهابيين، وهناك التقينا بعض العائلات التي جاءت لتفقد سكناتها الجديدة التي هي في طور الإنجاز، خاصة بعدما أمضت على تعهد بالعودة والاستقرار بالدوار.. ذلك الدوار الذي افتقدوه كثيرا طيلة سنوات.. وبعد لحظات غادرنا أولاد بوزيد باتجاه وسط مدينة الرمكة التي كانت محطتنا الموالية. سكان دوار واد حدو:لم نهرب سنوات الأزمة في الرمكة، التقينا ''عمي شرقي شريف ولد عبد القادر'' الذي يعد أحد ضحايا المأساة الوطنية.. كان الرجل يرتدي قشابية بنية اللون قد أكل عليها الدهر وشرب وعمامة تغطي كافة أنحاء رأسه، لما اقتربنا منه أكد لنا أنه غادر دواره في سنة 1993، لكنه اليوم عازم على العودة إلى مسقط رأسه، خاصة وأنه تنازل عن بعض الهكتارات لصالح الدولة لبناء سكنات ريفية لضحايا الإرهاب الذين فقدوا كل ما يملكون .. وغير بعديد عن الرمكة، يوجد دوار واد حدو الذي تنقلنا إليه هو أيضا، هناك التقينا بالعائلات التي صمدت في وجه الجماعات الإرهابية، مثل ''عمي الطيبي محمد'' أب ل8 أبناء، والذي قال أنه رفض مغادرة دواره رغم تأزم الأوضاع الأمنية، حيث طلب من السلطات أن تمنحه سلاحا لكي يدافع به عن عائلته، وظل هناك إلى غاية أن عاد الأمن والاستقرار إلى أولاد حدو. يقول ''عمي الطيبي'' أنه خلال سنوات الأزمة تم تسليح حوالي 40 عائلة لكنهم ورغم ذلك غادروا، باستثناء 8 عائلات فقط ظلت صامدة''.. ليقاطعه متحدث آخر اسمه، عثماني معمر، أنه ليس ضد العودة وإنما الظروف الاجتماعية القاهرة المحيطة بهم هي التي تمنعهم من العودة خاصة وأن أبناءه بطالون وحتى ابنه الوحيد الذي حاز على شهادة البكالوريا وتخرج من الجامعة بشهادة عليا، هو الآن بطال، يتسكع بالدوار من جدار إلى آخر منذ طلوع الشمس إلى غروبها. بعدما داهمنا الوقت، اضطررنا لمغادرة دوار واد حدو باتجاه أولاد مصطفى التابع لبلدية سوق الحد وإداريا لدائرة الرمكة، هذا الدوار الذي تضرر كثيرا من الإرهاب خاصة وأنه شهد في ليلة واحدة وفي اليوم من شهر رمضان سقوط أزيد من 1000 قتيلا، تعرضوا للذبح بأبشع الطرق من قبل الجماعات الإرهابية. ضحية إرهاب وزوجة باتريوت تستجدي بوتفليقة وصلنا إلى الدوار في حدود الساعة السادسة والنصف مساء فوجدنا سكان ''أولاد مصطفى'' لا يزالوا صامدين خاصة وأن مظاهر الحياة بدأت تعود تدريجيا إلى المنطقة.. غير أن المشهد الوحيد الذي شد انتباهنا هو تجمع هؤلاء الرجال والكهول جماعات بالقرب من منازلهم التي يبدو عليها أنها بنيت حديثا بعد العودة، كانوا يتبادلون أطراف الحديث عن مواضيع عديدة، عن الانتخابات، البطالة والشغل وحتى عن دعم الدولة الذي انتظروه طويلا، لنبدأ في التنقل هناك بحثا عن بعض النسوة بغرض الحديث إليهن. طلبنا المساعدة من قبل أحد السكان ليسهل علينا الدخول إلى أحد المنازل.. لم يتردد الرجل في مساعدتنا ودلنا مباشرة على أحد المنازل، أين التقينا هناك بالسيدة ''خيرة عبد القادر''، المرأة الصامدة التي رحبت بنا في منزلها المتواضع الذي شيدته مؤخرا بتلك المساعدة التي منحتها إياها الدولة، أخبرتنا خيرة بأنها غادرت أولاد مصطفى بعد المجزرة التي هزت المنطقة باتجاه منطقة سوق الحد فلم تجد إلا الجامع لنتخبئ به هربا من الإرهاب.. وهناك بقيت سنوات رفقة العديد من العائلات، خاصة وأنها نجت من الموت بأعجوبة بعدما فقدت كافة أخوالها وخالاتها الذين ذبحوا في ليلة واحدة، لتضيف قائلة:''أنا اليوم أم لستة أبناء وزوجي يشتغل باتريوت ويعد من الرجال الأوائل الذين حملوا السلاح ضد الجماعات الإرهابية دفاعا عن شرفه وشرف عائلته ولكي تبقى أولاد مصطفى صامدة.. لكنني اليوم وفي ظل غلاء المعيشة اضطررت إلى توقيف ابنتي عن الدراسة، وهي اليوم بالمنزل رفقتي من دون أي مستقبل، لكن ما أطلبه اليوم هو تدخل رئيس الجمهورية لإنصافنا، ولكي تعود البسمة إلى أفواه أبنائنا الذين شردوا لسنوات بسبب الإرهاب''.