يقضي النزلاء في مستشفى الأمراض العقلية بالمعذر في ولاية باتنة، لياليهم هذه الأيام فاقدي العقل والرعاية معا، فحياتهم هناك شبيهة بتلك التي يقضيها المشردون في العراء بسبب نقص العناية وتدني الخدمات، جراء الاكتظاظ الشديد والانخفاض الكبير في درجات الحرارة. يتجرع المرضى عقليا أدويتهم «المهلوسة» يوميا ليستكملوا العيش في عالمهم الخاص، بعيدا عن الضوضاء والبؤس المحيط بهم، فالتهميش عنوان ليومياتهم واللامبالاة شعار معظم من أوكلت لهم مسؤولية العناية بهم، يتضح ذلك جليا من خلال وثائق رسمية تحصلت النهار على نسخة منها، تضم العديد من النقائص الفادحة التي لم تجد آذانا صاغية ربما لعدم قدرة هذه الشريحة على التعبير عن استيائها والمطالبة بحقوقها، تلك الوثائق ضمت عدة جوانب حالت من دون توفير الحماية لهؤلاء من أنفسهم بالدرجة الأولى، خاصة بعد تسجيل حالتي انتحار لكل من «ز.ح» وهو شاب في العشرينات من العمر، ينحدر من بلدية وادي الماء، حيث عثر عليه مشنوقا داخل المرحاض في وضح النهار، كما تم تسجيل حالة أخرى، ويتعلق الأمر بالمسمى «ب.س» ثلاثيني ينحدر من بلدية وادي الماء كذلك، حيث كشف تقرير التشريح الطبي أن سبب الوفاة يعود إلى جرعة زائدة من تلك الأدوية. محاولة انتحار أخرى سجلت في وضح النهار عن طريق الشنق كذلك، أقدم عليها المدعو «ق.ع»، وهو شاب في منتصف العشرينات ينحدر من بلدية بريكة، باءت بالفشل بعد تدخل سريع للطاقم الطبي، وبالعودة إلى تلك الوثائق فقد تم مؤخرا انعقاد اجتماع استثنائي لدراسة السبل الكفيلة لوضع حد لحالات الانتحار المسجلة وخلص الاجتماع إلى ضرورة أخذ عدة نقاط بعين الاعتبار، غير أنها لم تجد طريقها إلى التجسيد على غرار الاكتظاظ الكبير على مستوى مصلحة الرجال، حيث بلغ عددهم 57 مريضا، في حين أن سعة الاستيعاب هي 44 سريرا في الطابق السفلي، في وقت لا يزال الطابق العلوي الذي يتسع ل 44 سريرا آخر موصدا في وجه المرضى بسبب تأخر تهيئته، ويزداد الأمر سوءا أمام التوافد الكبير لمرضى الحالات الاجتماعية المشردين، وخطورة الموقف المتعلق بتكرر حالات الانتحار جعل من المجلس الطبي يقترح نزع الأغطية وحواشي البطانيات التي يمكن استعمالها لوضع حد لحياة الإنسان من خلال الشنق، من جهة أخرى، تشكل خزانة الشبكة الكهربائية المتواجدة داخل المؤسسة الصحية خطرا كبيرا أيضا بسبب انعدام وسائل الوقاية، حيث يمكن لأي مريض العبث بها في ظل انعدام باب حديدي واق للصدمات، كما تشكل أنابيب المياه المتواجدة داخل المراحيض خطرا آخر على المرضى، فقد استخدمها المريض للانتحار بعد ربط حاشية البطانية بها، هذا وتشكل المراحيض هاجسا حقيقيا وجب النظر إليه بعين الاعتبار وإعادة تهيئتها جراء التسربات الحاصلة وانعدام النظافة على مستواها، كما تم التطرق خلال الاجتماع الاستثنائي إلى ضرورة وضع حد لعمليات تخريب الأسقف والنوافذ من قبل المرضى والعمل على إيجاد حلول لذلك حفاظا على سلامة وصحة هؤلاء النزلاء، من جهة أخرى يفتقد المستشفى لغرف العزل ويعاني المرضى من نقص المياه وانعدام النظافة، وأمام كل ما سبق، اقترح المجلس الطبي مُجبرا إمكانية تحويل الحالات الاجتماعية إلى مصالح بالولايات المجاورة إلى حين تهيئة المصالح الاستشفائية أو وضعهم بمراكز استشفائية، يذكر أن هذه المؤسسة الاستشفائية قد دخلت حيز الخدمة سنة 2010، وكلفت خزينة الدولة 120 مليار دج وخصصت لاستقبال المرضى القادمين من ولايات بسكرة وأم البواقي وخنشلة وتبسة وسوق أهراس، بالإضافة إلى مرضى الولاية المستضيفة، هو اليوم وبعد أزيد من 6 سنوات من الخدمة عاجز عن احتواء مرضاه الذين يئنون في صمت رهيب. مدير الصحة، وفي رده على تلك الانشغالات، نفى حالة الانتحار المتعلقة بالجرعة الزائدة، وقال إن حالات محاولات الانتحار لهذه الشريحة من المجتمع كثيرة التكرر بالنظر إلى حالتهم النفسية والعقلية، أما فيما يتعلق بالاكتظاظ الشديد فأرجعه محدثنا إلى توافد مرضى الحالات الاجتماعية ورفض بعض العائلات استعادة ذويها بعد نهاية العلاج، وفي هذا الشأن سيعمل رفقة المصالح المختصة بمديرية الضمان الاجتماعي للبحث عن عائلاتهم أو توجيههم إلى مراكز مختصة، خاصة بعد انتهاء فترة فصل البرد، مشيرا إلى أن تهيئة الطابق العلوي وكافة الأمور المتعلقة بالتهيئة والأنابيب والأبواب والنوافذ تمت مناقشتها في اجتماع سابق، على أن يتم إدراجها ضمن مصاريف ميزانية السنة الجارية، لمطابقتها وفقا لما يعرف بالاستشفاء الإداري، مشيرا إلى أن الإشكال المتعلق بالنظافة قد تم يوم أمس، حله بعد تهيئة البئر المتواجد هناك.