على إثر حادثة اغتيال قائد فرقة مكافحة الإرهاب المتنقلة بزموري الضابط ''طه تواتي'' ليلة أول أمس على إثر كمين إرهابي، تنقلت ''النهار'' إلى مدينة الأخضرية مسقط رأس الضابط المغتال على يد الجماعات الإرهابية، أبرز ما لاحظناه هو التواجد الكبير لعناصر الأمن بمختلف نقاط المدينة، خاصة على المداخل الرئيسية لها، حيث علمنا فيما بعد أن إطارات من مديرية الأمن الوطني إضافة إلى والي ولاية البويرة حضروا مراسيم دفن الضابط. لم نجد مشقة كبيرة لمعرفة مقر عائلة تواتي بسبب الحزن الذي خيم على مئات الحاضرين من أهالي الأخضرية الذين حضروا بكثافة لترقب إلقاء آخر نظرة على جثمان الشهيد ''طه'' بمنزله الكائن وسط مدينة ''باليسترو''، سألنا عن والديه لتعزيتهما والسؤال عن الشهيد بحكم قرابتهم منه، إلا أننا تفاجأنا بالرد عن مكان تواجدهما في البقاع المقدسة بالمملكة العربية السعودية منذ 5 أيام لأداء مناسك العمرة. عائلة الشهيد تبكي ل ''النهار'' ابنها ''أولاد الحرام خطفوه منا'' بهذه الكلمات أعرب شقيق طاها محمد الذي لم يستطع أن يمسك دموعه من شدة الصدمة وهو يتحدث عن شقيقه، الشئ الذي دفع به لإحالتنا على أحد أفراد العائلة مرزوق، حيث أكد لنا أن ''طه'' عاش بسيط مثل غيره من أبناء ''باليسترو'' بساطة البيئة التي يعيش فيها، عائلته معروفة بين أبناء البلدة بكرمها ومساعدتها للغير، كما أنه إجتماعي بطبعه، ليضيف أن خير دليل على حسن علاقته مع أولاد جهته هو التوافد الكبير لهم منذ سماعهم لأول وهلة خبر سقوطه شهيدا أثناء تأديته لواجبه الوطني. كان يقصده كل من يحتاجه من أبناء المنطقة يتوقف مرزوق لحظه وهو يبكي ليضيف ''خطفوه منا أبناء الحرام..ماشي رجال ألي يغدروا ويقتلوا ألي يقول لا إله إلا الله''. ''طه'' كان يخاف ربي هو خو الزوالي'' اقتربنا من عمه رشيد المدعو محمد الذي كان أكثر تماسكا بين أفراد العائلة، فأجاب عن سؤال حول مكانة الشهيد بين أترابه من الأقرباء، فأكد أنه إبن الأخ أكثر حشمة وحياء لكل أعمامه، مؤكدا أنه ترعرع في عائلة محافظة من 5 أفراد 3 ذكور وبنتين، وقد تميز المرحوم بأدبه الرفيع وخلقه العالي في التعامل مع الغير،ويضيف العم محمد أن ذهنه لا تفارقه حادثة منذ أكثر من 15 سنة جرت مع ''طه'' عندما كان يزاول تعليمه بثانوية سي الحواس أو ما تعرف ببريفابريكي''، حيث شاهد بيده سيجارة الشئ الذي دفع بمحمد لمعاتبة المرحوم ''طه'' وتهديده بإخباره والده أحمد، فلم تكن ردة طه إلا قوله ''اسمح لي يا عمي والله ما أنزيدها''، يبكي العم محمد مستغربا لماذا لم يرد علي؟ ليضيف ''كان يخاف ربي وهو أخو الزوالي لا يقصده أحد إلا وساعده قدر الإمكان''. '' يمين الشرطة وشرف المهنة يمنعه من الحديث عن عمله أجمع من تحدثنا إليهم من أفراد عائلة تواتي أن ابنهم طه كان شديد التكتم والتحفظ في الحديث عن عمله أو أسراره المهنية وحتى العمليات التي كان يشرف عليها في مجال مكافحة الإرهاب والتي أسفرت عن سقوط العديد من رؤوس الإرهاب والجريمة المنظمة، بل ويذهب إلى أبعد من ذلك عندما يسأله فرد من أفراد عائلته عن الوضع العام في منطقة بومرداس وتقييمه للوضع الأمني في المنطقة، فيجيب'' الحمد لله الجزائر راهي لاباس، والرجال راهم أيكفاحوا للقضاء على الإرهاب''. عمي أحمد والد الشهيد ل ''النهار'': ''لقد ولدت ''طه'' لأجل الجزائر'' في حدود الساعة الثانية بعد الزوال من يوم أمس، وصل والد الضابط طه إلى مدينة الأخضرية بعد رحلة متواصلة من أرض البقاع المقدسة لمدة تزيد عن14ساعة، السيد أحمد تواتي في العقد السادس من العمر أجهش بالبكاء عند وصوله إلى منزله وسط الأخضرية، لم يجد ما يقوله إزاء التعازي التي تهاطلت عليه إلا بالقول ''إنا لله وإنا إليه راجعون، أنا جبت طه راجل على جال الجزائر والحمد لله ربي ما خيبنيش، أداه راجل لأجل هاذي البلاد'' وأضاف مخاطبا المئات من الذين حضروا من العديد من ولايات الوطن من زملائه في فرق مكافحة الإرهاب والشرطة المتنقلة، لا ضير على أحد فهذه أمانة الله قد أخذها وأنا راض بمكتوب الله، الحمد لله ألي أداه وفي يده السلاح للدفاع عن الجزائر مثل غيره من أجداده أيام الاستعمار. زملاء ''طه ''في فرق مكافحة الإرهاب يروون ل'' النهار'' شهادات عن مسيرة الرجل إلتحق بسلك الأمن عندما فر الناس من ''الكاسكيطا'' ومبدؤه إذا لم ندافع عن الجزائر فمن يدافع عنها لم يجد أحد من زملائه في الحديث عنه إلا الحديث عن أهم محطات حياة الرجل، ''أحمد'' أحد الضباط في فرقة مكافحة الإرهاب ببومرداس أكد أنه تربطه بالضحية علاقة صداقة كبيرة منذ أزيد من 13 سنة عند دخولهما سلك الأمن سنة 1997، ليضيف أن ''طه'' زاول تعليمه بثانوية سي الحواس وسط مدينة الأخضرية شعبة آداب وعلوم إنسانية ليلتحق بعدها بمعهد الحقوق والعلوم القانونية بجامعة الجزائر ببن عكنون في بداية التسعينيات، ثم يقرر بعد 3 سنوات من التعليم الجامعي الالتحاق بسلك أفراد الشرطة سنة 1997 بعد أدائه اليمين والقسم بشاطوناف، في عز الأزمة الأمنية وهمجية الإرهاب الذي تضررت المنطقة مثل غيرها من مناطق الوسط، حيث كانت تنظم إلى منطقة ما يعرف بمثلث الموت في الجزائر، ويضيف أحمد أن المرحوم لم تثنه العمليات الهمجية التي طالت الأبرياء من المدنيين وأعوان سلك الأمن، حيث كان يستدل دائما بمقولة ''إذا لم ندافع نحن عن الجزائر فمن يدافع عنها'' نجاح طه الميداني أهله للقب ''صقر مطيح رؤوس القاعدة'' في خظم الحديث عن مسيرة المرحوم تردد بعض زملائه بالحديث للصحافة إلا بعد معرفتهم بانتسابنا لجريدة ''النهار''، حيث أكد كمال الذي رافق الظابط شهيد الواجب لعدة سنوات أن ''طه'' حضي بترقيات عديدة على إثر نجاه الميداني في عدد من العمليات النوعية في مكافحة الإرهاب ، حيث تنقل عبر العديد من محافظات الأمن بولاية بومرداس من بودواو إلى مقر المحافضة الرئيسية ببومرداس لينتهي به المطاف أخيرا بمدينة زموري التي عين على رأس فرقة الشرطة المتنقلة لمكافحة الإرهاب يوم 2 من شهر أفريل الفارط . و يضيف كمال أن ''طه'' أبدى كفاءة مهنية عالية و خبرة كبيرة اكتسبها من العمليات الميدانية في محاربة الجماعات الإرهابية ، الشئ الذي أهله أن يحوز ثقة مرؤوسيه من أعلى المستويات في العديد من الأجهزة الأمنية، آخرها برقية التهنئة التي إستلمها من قيادة الناحية العسكرية الأولى إثر مشاركته الفعالة في عملية القضاء على أخطر إرهابيي منطقة القبائل أو ما يغرف بإمارة منطقة الوسط في بلاد المغرب الإسلامي أمير كتيبة الفتح أبو خيثمة عمر بن تيطراوي هذا الأخير الذي قضي عليه إثر عملية إستخباراتية ناجحة شارك فيها الضابط المغتال غدرا طه'' حيث، حيث مكنت خبرة ''طه'' وعدد من الإطارات الأمنية في الإيقاع بأبو خيثمة أحد أبرز رؤوس قاعدة المنطقة الثانية و أخطر أمراء كتيبة الفتح بعد مقتل أميرها سكودارلي و سرية قورصو قبل إمارة كتيبة الفتح بعد أن سلم أمير ''كتيبة الأنصار'' علي بن تواتي المدعو أمين أبو تميم بمنطقة ايعكوران نفسه لمصالح الأمن .إضافة إلى موح جاك الذي تم القضاء عليه خلال ماي من سنة 2008 بمدينة سي مصطفى. مفكك الشبكات الإرهابية و مقنع جيد لعدد ممن سلم نفسه لمصالح الأمن ينسب إلى الضابط ''طه'' أنه ساهم في عمليات عديدة تم على إثرها تفكيك العشرات من شبكات الدعم و الإسناد فقاربت 7 شبكات، إضافة إلى أنه ساهم في عمليات إتصال أسفرت عن إستسلام أزيد من 30 إرهابيا خلال سنة المنصرمة، كما أنه ساهم في القضاء على أكبر قيادات القاعدة شراسة و همجية يعدون من الجيل الأول الذي نشط في صفوف الجيا و الجماعة الإسلامية المسلحة التي تبنت عشرات المجازر في صفوف الجزائريين ، و لعل أهم عملية تنسب إلى المرحوم و لم يتسنى لنا التأكد منها هي مساهمته في إقناع أمير كتيبة الأنصار أبو تميم علي بن تواتي خلال الأشهر الماضية من هذه السنة ، حيث تعرض التنظيم الإرهابي على إثرها إلى زعزعة قوية . شرطي تحول إلى كابوس يتهدد حياة رؤوس التنظيم الإرهابي بمنطقة الوسط أكد محمد.س أحد زملاء طه في سلك الأمن أن المرحوم كان من بين العناصر البارزة في مكافحة الإرهاب خلال 12 سنة الماضية من العمل الميداني حيث تم ترقيته إلى ظابط برتبة محافظ شرطة ، و تم تصنيفه من طرف الجماعات الإرهابية بولاية بومرداس على أنه من بين القوة الظاربة في مصداقية الجماعات الإرهابية ، و يضيف محمد'' كل العمليات التي نفذت في بومرادس كان له علم بها ''قبل أن يختم كلامه أنه رغم التهديدات التي كان يتلقاها مع زميل له يدعى بدوي إلا أنه رفض التوقف عن العمل في صفوف الأمن و زاده على ذلك إسرارا في إكمال المهمة التي أوكلت إليه كرئيس للفرقة المتنقلة بزوري. رصاصات غادرة أنهت حياة طه تواتي رئيس الشرطة القضائية لزموري تفيد مصادر مطلعة أن المرحوم ''طه'' كان قد تلقى معلومات تفيد بتواجد مجموعة مجهولة في ضواحي بلدية زموري عند حدود الساعة السادسة مساء ،عندها تنقل رفقة عناصر فرقة الشرطة المتنقلة على متن دورية إستطلاعية إلى عين المكان أين فوجئوا بكمين إرهابي ووابل من الرصاص ، حيث سقط في عين المكان عون أمن عادي و رقيب في الشرطة في حين أصيب الضابط ''طه'' بإصابات بليغة على مستوى الصدر تم نقله إلى مستشفى عين النعجة بالجزائر العاصمة ، حيث توفي أثناء عملية التحويل و فارق الحياة متأثرا بإصاباته الخطيرة . يد الغدر و الإجرام اختطفته و هو مقبل على الزواج أسر لنا بعض أفراد عائلة الضابط ''طه'' المغتال أنه كان بصدد التحضير لزفافه خلال الصيف المقبل ، حيث كان يعمل على تهيئة الجو بعد زيارة والديه إلى البقاع المقدسة ليتم إعلان موعد الزفاف مع خطيبته ، غير أن أيادي الإجرام إختطفته من بين أفراد عائلته و هو على موعد مع زواجه خلال الصائفة المقبلة، لم يجد أحد ممن تحدثنا معهم من أبناء مدينته أو زملائه في العمل إلى الدعاء له بالرحمة و أن يبدله الله زوج في الجنة بعد أن إمتدت يد الإرهاب الأعمى لإغتياله و هو في أوج ريعان شبابه.