تنفرد سواحل القالة عن مدن الساحل الجزائري الممتد على مسافة اكثر من 10 آلاف كلم بشعابها المرجانية القريبة من السطح حيث لا يتجاوز عمقها إل 100 متر هذه الثروة النفيسة و النادرة تشكل موردا هاما للبلاد و هي أيضا عاملا أساسيا في حفظ التوازن البيئي البحري و لقد امتدت أيادي النهب و التخريب في السنوات الأخيرة رغم صدور مرسوم 2001 الذي يحظر صيد المرجان. الصيادون من جهتهم يشتكون هذا النهب التدميري الذي طال و اخل بالنظام البيئي للشعاب المرجانية التي تشكل وسطا خصبا لنمو الأسماك التي أصبحت كميتها نادرة جدا مثل روجي مارلون و كروفات و باقر و باجو و براي و هذه الأنواع تستمد لونها الأحمر من المرجان و مهددة بالانقراض و حسب المختصين في الميدان فانه اذا استمر نهب مرجان القالة بهذه الطريقة الجنونية سيحدث لها ما حدث لمدينة طبرقةالتونسية المجاورة التي تنعدم مياه سواحلها من أي صنف للثروة السمكية. و رغم صدور مرسوم منع استخراج المرجان إلى غاية 2015 فان وزارة الصيد لم توقف نشاط ورشات تحويل المرجان بحجة استهلاك الكميات المخزنة مما يدعو الى التساؤل عن هذه الكمية التي لازالت لم تنفذ طيلة سبع سنوات كاملة لو لم تكن تعتمد على المرجان المسروق و تتواجد بالقالة ورشتان واحدة لجزائري و الثانية لايطالي كما توجد بعنابة ثلاث ورشات ..النهار و لمعرفة خبايا عمليات نهب المرجان رغم جهود حرس السواحل و مصالح الأمن و القضاء لتذليل الظاهرة الجريمة تمكنت من التوغل و اختراق تلك العصابات المنظمة بشكل قوي و اكتشفنا المزيد من أسرار التهريب التي تتجاوز المراقبة العادية رغم ما تملكه فرق حرس السواحل من إمكانات و تجهيزات تكنولوجية متطورة تزودت بها في إطار محاربة الهجرة غير الشرعية الحرقة و ملاحقة شبكات التهريب و لمسنا حجم التواطؤ من جهات نافذة تساعد تلك العصابات الخطيرة من اجل اقتسام الملايير طوال السنة.. البداية ..ميناء القالة القديم لم يكن سهلا ان تجد من يدلك على وجهة ممارسي حرفة تهريب المرجان او يمدك بمعلومات عن صيده خارج القانون ذلك ان اغلب سكان المنطقة يقتاتون من الرجان بحكم غياب موارد اقتصادية اخرى او الطابع الدولي المحمي لحظيرة القالة التي تمتد مساحتها على 80 ألف هكتارا و يمنع فيها إقامة أي مشروع وحدة صناعية ملوثة .كما ان هذه الحرفة موروثة من السكان أبا عن جد و كان علينا ان نعثر على الخيط الأول للوصول الى الشبكة من ملاهي عنابة التي يقوم بعض البارونات في العبث بالملايين كل ليلة باسم الأحمر نسبة الى المرجان و بطريقة خاصة جدا أخذنا موعدا مع احدهم بصفة تنكرية بهدف صفقة مهمة و دون الكشف عن الأسماء التي لم نحصل عليها في تعاملاتنا من واجب تحفظ هؤلاء الأشخاص و في اليوم الموعود من نهار الجمعة التقينا احدهم ليس بعيدا عن ميناء القالة القديم الذي كان ينتظر من كانوا على قارب صيد بجهة الساحل في مهمة و أشار إلينا تحديدا الى مكان صخري لنلمح حركة في البحر تبدو أنها عملية صيد عادية و تستخدم فيها حسب المعلومات التي تحصلنا عليها من ذات الشخص مسير عصابة الصليب لاكروا و هو عبارة عن قضبان حديدية صلبة يؤتى بها من بقايا السكك الحديدية تصنع في شكل صليب مدعمة بشباك تطلق في الشعاب المرجانية و يتم جرها بواسطة القوارب لحصد المرجان علما ان العملية لا يحصلون منها إلا على كميات قليلة تعلق بالشباك و بقية المادة تندثر في البحر و مما يجعلها إبادة حقيقية لهذه الثروة ثم يخزن الصيد في موضع محكم بالقوارب و في حالة وجود خطر كرؤية حراس السواحل يرمى المرجان وسط البحر مع الوسائل المستخدمة مما يفقد تلك المصالح أي دليل للقبض على الجماعة متلبسة و اكتشفنا ان بعض الصيادين التونسيين يخترقون المياه الإقليمية في نقطة تقاطع مع الصيادين الجزائريين المزعومين لتبادل البضاعة و المال و حتى الأشخاص الايطاليين و هي الطريقة الأولى التي يعتمد عليها في تهريب الثروة المرجانية. التهريب .. على الحدود البرية.. ليس من السهل مراقبة المناطق المتاخمة للحدود التونسية التي أصبحت نقطة عبور هامة لتهريب المرجان فقد تمكنا من التنقل عبر أشخاص يديرون شبكة التهريب في منطقة الحدادة بأم الطبول وقفنا على إحدى العمليات النادرة التي تمرر فيها كمية هامة من المرجان الى تونس و الطريقة التي تستعمل في تفادي المراقبة و اكتشاف الحيلة حيث توضع قطع المرجان في لفائف قطنية تصب عليها مواد كيماوية سائلة التي تزيل الرائحة تحسبا للكلاب المدربة و تعيين نقاط بمعالم جغرافية بتواطؤ فيها الكثير من الأشخاص بما فيها عائلات تشكل دعما لوجيستيكيا لهذه العصابات و بطريقة عجيبة لا يمكنك اكتشافها إلا بصعوبة من خلال المرافقين قيام الرعاة بتداول المادة المهربة خاصة و ان المنطقة الحدودية تتميز بطابعها الرعوي الغابي و الجبلي و يكثر فيها ممارسوا هذا الحرفة و لا يمكن تحديد اشخاص معينين مهما كانت فطنتك . و حتى لا يتم التلاعب او التحايل يستعمل الميزان لتحديد وزن المادة بدقة مقابل المبلغ المالي المطلوب علما ان الكلغ الواحد من المرجان من النوعية الرفيعة يصل سعره الى 18 مليون سنتيما و من أدنى الأنواع ستة ملايين سنتيم مما يعني ان العصابات تحصل في عدة عمليات على مدار السنة على الملايير الخيالية و كما قال لنا صاحب احد المطاعم المختصة في وجبات السمك بالقالة بان هؤلاء على الأقل استثمروا هذه الملايير في اقامة مشاريع يستفيد منها سكان المنطقة بدل العبث بها في علب الليل و ملاهي عنابة.. و تأكدنا من خلال توغلنا في هذه الشبكة وجود عناصر من مختلف الأعمار و الجنس و المستوى الثقافي و حتى بعض المقاولين و المسؤولين متورطون في نهب و تهريب المرجان و كل منهم له حصته من اقتسام الأرباح و لهذا فان تلك الو رشات التي تدعي استعمال المخزون و الذي لم ينفذ لحد الآن ما هي إلا حجة واهية لتغطية حقيقية قصد الحصول غير الشرعي على هذه الثروة الحيوية و هناك من يمرر المرجان طبعا في سيارات سياحية تمر على مركز الحدود دون اكتشافها مما يطرح العديد من التساؤلات.. 15 سنة كاملة لإعادة نمو المرجان حسب وزير الصيد البحري الذي زار ولاية الطارف الصائفة الماضية فان إمكانية استغلال المرجان سيشرع فيه عام 2010 و كان سابقا مؤجلا إلى 2015 حتى تنمو هذه الثروة بحسب المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي المختص في علم البحار و المحيطات الذي قام بعملية مسح شامل للسواحل الجزائرية لاجل تحديد مناطق تواجد الثروة المرجانية كلفت الدولة اكثر من 2 مليون اورو . و تمت على مرحلتين الأولى في افريل 2006 قسمت الشواطئ الى خمس مناطق انتهت في جوان 2007 حيث تم اكتشاف مناطق مرجانية جديدة على سواحل القالة لم تستغل من قبل بينما بعضها تضرر بشكل إجرامي يتطلب نموه حسب الخبرة الفرنسية 15 عاما على اقل تقدير بينما انطلقت المرحلة الثانية الصائفة الماضية من اجل تقييم المساحات المرجانية و هيكلتها حسب إمكانية الاستغلال فقبل الحظر كان استخراج المرجان يتم بواسطة عقود امتياز بدا بغطاسين ايطاليين على عمق يتراوح بين 60 و 90 مترا و استطاع هؤلاء تكوين غطاسين جزائريين توفي منهم غرقا 12 شخصا. غياب الردع ... حماية للمهربين حسب المصادر القضائية و الإدارية التي تحصلنا عليها فان مصالح الجمارك بولاية الطارف تمكنت من حجز أكثر من 600 كلغ من المرجان عام 2005 بقيمة 50 مليار سنتيمن و توقيف عدة أشخاص يحملون الجنسية التونسية تم تحويل جزائري عام 2006 الى العدالة بعد القبض عليه و بحوزته 136 كلغ من المرجان و ضبط العديد من السيارات و الأشخاص من مختلف الجنسيات متورطين في نهب و تهريب الثروة الوطنية برا و بحر و خلال عام 2007 و حسب حصيلة الفرقة الولائية للدرك الوطني تم حجز 55 كلغ من هذه الثروة قدرت قيمتها المالية ب 14 مليون للكغ الواحد .. و يتساءل رجال القانون الذين أفادونا بوجهة نظرهم بان الإجراءات الردعية التي سنها التشريع الجزائري لا تتجاوز عملية الحجز و الغرامات المالية لذا فان نفس العناصر تمر على العدالة و تعاود نشاطها بشكل طبيعي و أحيانا جهارا نهارا و مثل هذا التساهل يجعل مسلسل النهب و السلب و الاعتداء على ثرواتنا البحرية النفيسة و الإخلال بالنظام البيئي الوطني و تهديد الامن العام لبلادنا متواصلا حتى تتخذ السلطات العليا إجراءات أكثر حزما و عزما على مكافحة الظاهرة الخطيرة سيما و ان نشاط الصيد المقنع اضحى وسيلة للتستر وراء جرائم التهريب و معلوم ان وزارة التضامن قامت بتوزيع مائة قارب صيد في إطار تشغيل الشباب تحول بعضها الى أعمال مشبوهة كما انه قبل 2005 لم تتأسس مديرية الصيد البحري كطرف مدني لحماية الثروة الوطنية ليبقى المستفيد الأكبر منها الأجانب من الايطاليين و التونسيين و الأسبان.. وحسب عملية الاستكشاف و معرفة خبايا نشاط تلك العصابات يستلزم إعادة النظر في مراقبة سواحلنا و حدودنا البرية بأكثر صرامة و تشديد الرقابة بوضع كفاءات أمنية و جمركية قادرة على اختراق شبكات الدعم اللوجيستيكي و تفكيك جماعات المصالح الكبرى..