في ظل المشاكل والهموم التي يعيشها الشباب، والتي إذا أردنا أن نعدّها فلن نحصيها، فمنهم من بلغ الثلاثين والأربعين ولم توفّر له أدنى شروط الحياة المحترمة، لا عمل من أجل كسب الرزق ولا سكن يأويه حرّ الصيف وبرد الشتاء، ولا زواج يحصّن به نفسه من فتن العصر ما ظهر منها وما بطن، ومن أولئك الشباب من بحث عن حل ينجيه من الضياع الذي يعيش فيه، لكن هذا الحل مهما كان فهو نسبي يلبّي له بعض حاجياته دون الأخرى، أو مؤقت ينسيه لبعض الوقت ثم يجد نفسه يعود إلى درجة الصفر، فوجد البعض نفسه منهمك في البيع والشراء بطرق غير شرعية، يبيع كل ما يباع ويبحث عن طريقة للإفلات من دوريات الشرطة التي قد تداهم المكان في أية لحظة، ومنهم من بلغه الجهد والتعب في الأسواق من مشقة حمل البضائع أو العمل في ورشات البناء أو الحفر أو الزرع أو في غيرها من الأشغال الشاقة الموسمية، غير مؤمّنة وغير مربحة، ومنهم من ترك مقعد الدراسة من أجل الإلتحاق بعالم الشغل لتوفير حاجياته أو حاجيات عائلته الفقيرة، فما استفاد من العلم ولا من المال، فكل أولئك الشباب تجدهم يائسون من المستقبل، فمنهم من لا يفكر حتى في الزواج والإستقرار ويستبعد الأمر تماما ولا يرى نفسه في المستقبل متزوج وأب لأبناء، مما جعل الكثير منهم يفكرون في الخروج من البلد، والتوجه نحو الخارج لعل هناك يكون الأمر أحسن، لكن الخروج من البلد كذلك أمر صعب، وليس بالأمر السهل الحصول على تأشيرة سفر، مما جعلهم مصممين على الخروج مهما كلفهم الأمر، فوجدوا وسيلة غير شرعية، وصعبة ومكلفة وشديدة المخاطر لكن تصميمهم حال دون رجوعهم الى الوراء، واتخذوا من « الحرڤة » وسيلة لتحقيق أمنياتهم... قبل ما تروح ألف سؤال مطروح هل « الحرڤة » مسموحة شرعا؟ هل المقامرة بالنفس أمر مشروع؟ هل دفع المال من أجل سفر غير آمن ولا مؤكد يعتبر أمر جائز؟ وبما أن الدخول إلى بيوت غير بيوتنا من غير إذن محرم في ديننا فكيف هو الحكم بالنسبة لدخول بلد غير بلدنا من غير إذن؟ وما حكم مغادرة الديار من دون إذن من الولي؟ وإذا كان الجهاد في سبيل الله فرض عين ولا يسمح به لمن لم ترض عنه أمه، فكيف هو الحال بالنسبة إلى السفر عامة والحرڤة خاصة؟ وإذا مات المرء منتحرا فما هو جزاؤه عند ربه؟ وإذا كانت أمه أو أبوه غير راضين عن ذلك فكيف هو الحال عند وصوله أو موته لا قدر الله؟ وإذا كانت الصلاة مع الجماعة تسقط على العبد بمجرد الخوف أو المطر الغزير، فما هو حكم السفر بالرغم من الخوف والمطر والبرد والجوع والعطش وإمكانية الضياع أو الغرق والموت؟ وإذا..... كل هذه أسئلة يجب على كل من فكر في « الحرڤة » أن يطرحها على نفسه، ويتوجه بها إلى المختصين في العلم الشرعي حتى يكون على بيّنة من أمره، وإذا كان الإيمان بقضاء الله وقدره ركن من أركان الإيمان، فهل يكتب الله لعباده أمرا ويضعه وراء البحر ولا يوفر لهم الأسباب لكي يبلغوه؟ وهل الله عزّ وجلّ يرسل عباده إلى البحر من أجل الوصول إلى ما كتبه لهم؟ حاشاه سبحانه أن يرضى الضرّ لعباده وهو أرحم الراحمين... وصلتني مكالمة من أحد الإخوة أخبرني فيها بقصته مع الحرڤة، وهي قصة حقيقية عاشها الأخ سيد علي من بومرداس في وسط البحر، فحاولت أن أحوّل ما قاله لي إلى قصيدة أسميتها "الثلث الخالي". الثلث الخالي قدامي بحر ومورايا بحر لبحر على يميني وعلى شمالي وقارب يمشي غير بالزهر ما بين المواج يروح ويوّلي واش نقول ومع من نهدر ليمن نحكي وشكون يسمعلي الي نشوف فيه نلقاه مدمر وحتى هو خايف مثلي هذا يبكي وهذا يتحصّر وهذا يدعي في ربي ويصّلي وهذا باقي يشوف فتصاور حصراه ليام لوكان توّلي وانا ملهيك قاعد نفكر حاجة وحدة برك في بالي كيفاه رايحة تكون فاللخر ويا درا فعمري شحال بقالي هاذي مدة وانا مبحّر فاتوا أيام أو فاتوا ليالي وكل ما يلحق ليل وحداخر نقول خلاص راه لحق أجلي ليمن نحكي ومع من نهدر من غيرك ربي واش بقالي راني ندعي وغير نستغفر ونطلب منك باش تسمحلي راني عارف جيتك متأخر خوذني ربي حساب عقلي ياك لبنادم حتى تتطفر باش يتفكرك وليك يولّي قصدتك ربي فوسط البحر بحر مورايا وبحر قبالي وقارب يمشي غير بالزهر بين لمواج يروح ويولّي قبل ما نركب كنت نفكر وكنت نقول...أنا زوالي قلت في بلادي راني نتنحڤر شحال من حاجة نحاوهالي قريت وقريت حتى للّخر ولما كملت لقيت قبالي إلا المعريفة هي الي تهدر حتى حياتي كرّهوهالي عليها الي قررت نهاجر نروح للغربة ونجرب حالي طلبت الفيزا وقعدت ننتظر في كل مرة يرفضوهالي لتم قررت نقطع البحر الحرڤة... هذاك ما بقالي خلصت عليها عشر حجر أو فالآخر عفسوهالي الموتور كان مخسر حبس بينا في ثلث لخالي وبقيت مبحّر وسط البحر أنا وحداش من واحد بحالي وياك الندامة تجي فاللّخر وندمت كثر كي واحد حكالي في بلادو واش راه صاير ولّيت نحمد فربي العالي عايش فبلاد فيها الفقر وين يبان الفقر ديالي عندهم غيرالسلاح يهدر والي ماعندوش سلاح زوالي زاد مسكين ورالي تصاور فلّي هاذوا كانوا أهلي ما قعدت غير أنايا اللخر وعائلتي كامل قتلوهالي وانا قاعد نسمع ومحيّر زاد كمللي بكلمة قالهالي قالي لوكان جات الجزاير بلادي نحمد ربي العالي وعمري نفكر اني نهجر بهاذ الكلمة خدمهالي صرت نقول بالله ياجزاير حلمي نعاود ليك نولّي نخدم وعلى ذراعي نشمر نصبر ونشد فربي العالي ونرضى بالقضاء والقدر والّي ربي كتبّهالي محال ينحيهالي وحداخر لوكان يجتامعوا على جالي الجن والإنس ويا معشر مايقدروش ينحوهالي حلمي نولّي ليك ياجزاير ومكمل فيك واش بقالي وننصح كل من حب يهاجر يرد بالو يعمل بحالي ويعشي مبحر وسط البحر ما كان لا حبيب ولا والي وإذا مت تموت منتاحر تموت منسي في ثلث لخالي أو فاللخر نحمد أو نشكر ربي سبحانو أنو سمعلي أو زاد طوّل لي في لعمر باش نموت ما بين أهلي شفت ملبعيد بابور ظهر بديت نحمد فربي العالي ورحت نشعل الضو لحمر وحسيت كلي راه مولّي جاو سلكونا حراس لبحر ولتم حلفت ما نزيد نولي تأليف فيصل كرشوش كل الحقوق محفوظة