بهذه العبارة أعرب إمام، أستاذ وأحد الرقاة الشرعيين عن أسفه لاستغلال الكثيرين حاجة المرضى للتداوي بالرقية كوسيلة للربح وتحقيق الكسب، مؤكدا في السياق ذاته أن الإقبال الكبير على التداوي بالرقية الشرعية رافقه استغلال بعض الرقاة لمعاناة إخوانهم من أجل تحقيق مكاسب مادية معتبرة، حيث تعدى هؤلاء خط الاسترزاق لجمع ثروات مالية وبناء عقارات، قد يعجز التجار أنفسهم أو من يتقلدون مناصب مرموقة في المؤسسات الحكومية عن كسبها، ونصح المتحدث ذاته إخوانه من الرقاة وخاصة الشباب منهم بتقوى الله والسعي إلى كسب الرزق الحلال بطرق أخرى، حيث أنه لم ينف بدوره تصاعد ما أسماه بظاهرة البزنسة في الرقية في الجزائر. وأوضح أن الوزارة عمدت منذ وضع قانون تسيير المساجد سنة 1991 إلى إصدار تعليمات صارمة تأمر الأئمة بعدم ممارسة الرقية في المساجد والمباني الملحقة بها وحتى في الأماكن العمومية، وشدد على ضرورة احترام هذه التعليمات من قبل الجميع، وأنه لا مجال للخطأ في هذا الخصوص، كما لم يفوت المتحدث الفرصة للإشارة إلى أن كثيرا مما يقوم به بعض الرقاة حاليا لا يتم وفقا للشرع ولا يوجد له أي أثر في الكتاب والسنة. وما يثير العجب وآخر ابتكارات أشباه الرقاة هي تلك اللافتات الإشهارية والملصقات التي تجدها هنا وهنالك وحتى بالحافلات، ومنهم من بات يوزع بطاقات عليها أرقام الهاتف وعنوان الراقي فهل يعقل ذلك، بل وصلوا إلى حد تحديد التسعيرة والتي تختلف من شخص إلى آخر، وهي في العموم من أربع مائة إلى ألف دينار جزائري حسب الحالة، وتزيد طردا حسب طريقة الرقية، إن كانت باستعمال الزيت المرقي أو العسل أو الماء، وكذا إذا كانت الرقية تتم عند الراقي أم في بيت الراقي.. إلخ حسابات تبعث على الدهشة والاستغراب، والأغرب أن ما يصرح به الرقاة عن ماهيتهم أو أتعابهم كما يسمونها، يتضارب مع ما أدلى به قاصدوهم، على غرار "لامية" التي التقيناها عند أحد الرقاة بسيدي داود التابعة لولاية بومرداس أتت لأخذ ثاني موعد عند الراقي. كما كشف جل من تحدثنا إليهم أنهم يدفعون أكثر، هذا ناهيك عن الهدايا المرفقة معهم والتي تحسب بالملايين في أحايين كثيرة سيما من طرف المترفين ماديا، فيما قزم راق بأحد الأحياء ببومرداس من حجم الظاهرة، مستدلا في الوقت نفسه بأقوال بعض الفقهاء بجواز الاسترزاق من الرقية، واعتبر أنها وظيفة كغيرها من الوظائف لكن يجب ألا تمارس إلا من قبل من هم أهل لها.. ومن ليس أهلا لها ومارسها فقد غش الأمة. يحرق وجه فتاة لتطليقها من "الجني" على الرغم من تعليمات وزارة الشؤون الدينية المشددة، فإن رواج ظاهرة التكسب من الرقية سجل من ورائها حوادث مؤلمة، آخر تلك الحوادث ما روى لنا عن سيدة توفيت باحدى بلديات ولاية بومرداس بسبب محاولة إخراج الجني اليهودي الذي قال الراقي إنه يسكن جسدها، وفي العام الماضي شهدت إحدى قرى بلدية أعفير وفاة شاب وأخته بعدما شربا 60 لترا من الماء، خلال علاجهما من قبل راقٍ ادعى أنهما مصابان بمس شيطاني وطلب منهما شرب هذه الكمية من الماء بعدما أخذ حقه كما هو معلوم، بحسب ما تناقله سكان الحي. وتكرر الشيء نفسه مع شاب من بودواو مصاب بمرض عقلي توفي متأثرا بجراحه بعدما أشبع ضربا من طرف راقٍ بدعوى إخراج الجني الذي سكنه، وحكم على الراقي بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة القتل غير العمدي، أما الشابة "ع " - فقصتها قصة - على حد تعبير قريبتها، فصاحبة الأربعة عقود قطعت الأمل في الزواج بسبب تشوه بوجهها سببه لها أحد الرقاة، بعدما كان يقوم هو الآخر بإخراج الجني الذي قيل إنه تزوج ب "ع" وأبى مبارحة جسدها، راقي الفتاة لم يستعمل الضرب كسابقيه وإنما أملت عليه قريحته استعمال النار كوسيلة لإخراج الجني، لكن هذه الأخيرة أحرقت وجه المسكينة لتبقى أثار الحروق جلية شاهدة تتقاسم مع عقيلة وحدتها، حتى أنها باتت تتحاشى النظر إلى وجهها في المرآة. لكن تبقى أخطر هذه الحوادث يتمثل في استغلال بعض ضعاف النفوس الظروف النفسية السيئة للمريضات للتعدي عليهن جنسيا، وهذا بعد الخلوة بهن مثلما وقع ويقع بالعديد من المدن الجزائرية. ذهبت لترقي نفسها ففقدت عذريتها لا يكاد يمر أسبوع إلا ونسمع أو نقرأ تقارير عن ظاهرة الاعتداء الجنسي على النساء من قبل بعض أشباه رجال الدين، الذين يمارسون الرقية غير الشرعية، وهم من حفظة القرآن، ولعل ما علق بذاكرتنا مما روي لنا من قبل بعض الرقاة وزبائنهم الذين قصدناهم لكشف النقاب عن الظاهرة، حادثة ثلاثة من حفظة القرآن يزاولون الرقية الشرعية اغتصبوا جماعيا فتاة في العشرين كان من المفترض أن يخرجوا الجن منها فإذ بهم يتحولون إلى ألعن من الجن، وحادثة معلم القرآن يمتهن الرقية الشرعية اعتدى جنسيا على امرأتين، وما حدث مع طفلة في الحادية عشر من العمر أحضرها والدها إلى راق يشتغل إمام مسجد فاعتدى عليها جنسيا، وقد اكتشفت الأم أن ابنتها ليست على ما يرام، وأثناء سؤالها أخبرتها أن الشخص الذي أخذوها إليه ليرقيها نزع لباسها واعتدى عليها، وقد كشف الطبيب أن الطفلة تعرضت للاغتصاب مما حمل الأب إلى تبليغ مصالح الأمن التي ألقت القبض على الإمام. وإن تبدو هذه الظاهرة جديدة على المجتمع الجزائري إلا أنها فعلا خطيرة، وحسب أحدث دراسة أساتذة في علم الاجتماع فإن وقوع بعض الأئمة في هذا النوع من الفساد الأخلاقي سببه الحالة النفسية والاجتماعية التي يعاني منها بعضهم، والذين تسيطر عليهم الأفكار الدنيئة إزاء المرأة التي حولها الموروث الديني الخاطئ لدى بعضهم إلى مجرد جسد، أداة جنسية تشبع رغبات الرجل، ضاربين عرض الحائط بالعامل الإنساني والوازع الديني وكرامة المعتدى عليها، حيث إن المجتمع غالبا ما يرمي المسؤولية على المرأة فيما يتعلق بالتحرش الجنسي مثلا، إذ يعتبرون لباس المرأة سببا في تحرش الرجال بهن، مع أن 25 بالمائة من الخاضعات لدراسة حديثة في الجزائر حول التحرش الجنسي من المحجبات الملتزمات بالحجاب الشرعي الذي ليس فيه أثر للإغراء أو الفتنة. بيد أن هذا الكبت والانزلاق جعل بعضا من الرقاة يعيشون اختلالا في الشخصية، فهم يرون في المرأة عورة مطلقة، ومع ذلك يعتدون عليها جنسيا وفي بيت أهلها أثناء الرقية، لأنها تثيرهم وغالبا ما تكون في حالة مرضية غير قادرة على الدفاع عن نفسها، ما يحرك شهوة الراقي ليفعل ما يشاء، ولكن هذا لا ينفي تورط المرقية في بعض الأحيان بل قد تكون هي المبادرة بإثارة المرقي وهو ما ذهب إليه أحد الرقاة الذي نصح بعدم الخلوة، مردفا أن مرتكبي مثل هذه الفواحش مقتنعون أن لا أحد سيشك فيهم لأنهم أشخاص موثوق بهم ويعدون من حفظة القرآن، وأئمة بالمساجد يصلون بالمسلمين يوميا، لكن الظاهرة بدأت تنكشف بسقوط العديد من هؤلاء في أيدي العدالة. وإن كانت هذه الظاهرة تفشت بشكل بات يستدعي دق ناقوس الخطر للحد من تداعياتها، فهذا لا يمنع من وجود فئة أخرى تخشى الخالق وتقوم بعملها على أكمل وجه سواء في الرقية أو الدعوة أو غير ذلك دون أن تنتظر لقاء ذلك أجرا أو شكرا ولا ثناء.