لم يقتصر الكفاح الثوري من أجل استقلال الجزائر على الجانب السياسي وحمل السلاح فقط، بل شمل أيضا الجانب الرياضي والثقافي، خاصة فيما يتعلق بالجانب الفني، وتحديدا مع بروز الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني التي لعبت دورا بارزا ومهما في التعريف بالقضية الجزائرية وانتشارها عبر كامل أقطار العالم، حيث كانت السفير الوحيد للتعريف بمعاناة الشعب الجزائر من ويلات الاستعمار. وظهرت أول فرقة فنية تابعة لجبهة التحرير الوطني في أفريل 1958 وتضم فرقتين: الأولى للمسرح، والثانية للغناء لعبت دورا هاما خدمة للقضية الجزائرية من خلال العروض الفنية التي كانت تقوم بها، وكشفت أهم المسرحيات الثورية التي قدمتها الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، للرأي الدولي عدالة القضية الجزائرية وشرعية الكفاح الوطني ضد الاستعمار كما قامت الفرقة بتقديم عروضا لاقت اعجاب الجماهير عبر العالم حتى أن الزعيم الصيني ماوتسي تونغ قال عنها بعدما انبهر بعرضها "بأنها أدت دورا كبيرا في التعريف بالثورة وأثرت على الشعوب وهذا ما كان يصعب على الدبلوماسيين أن يقوموا بمثله في فترة وجيزة". مهمة الفرقة كانت الدعاية والتعريف بالقضية الجزائرية في جميع الدول، من خلال التأكيد على الثقافة الوطنية التي لا تمت بصلة لثقافة المستعمر وللرد على مزاعم فرنسا. وكانت البداية الحقيقية للفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني بتقديمها في 24 ماي 1958 أول عرض مسرحي لها حمل عنوان "نحو النور" بتونس، ويحكي العرض قصة شاب فدائي ألقي عليه القبض وعذب لحد الإغماء، وأصبحت صورة أمه تتراءى له وتدعوه إلى جولة يرى فيها ذكريات ختانه وزواج أخيه وزيارات أقاربه، والأشعار والمقطوعات الموسيقية والأغاني والرقصات، لكن شدة ألمه ترجعه إلى الواقع. وفي شهري جوان وجويلية سنة 1958، شرعت الفرقة في جولة فنية لعرضها السابق الذكر عبر كامل التراب التونسي، ثم جاءت رائعة "أولاد القصبة" في 10 ماي 1959 التي زلزلت القلوب وأحدثت هيستيريا في الجمهور من شدة التأثر. تلتها مسرحية "الخالدون" في 12 أفريل 1960 التي رحلت رفقة مسرحيات أخرى إلى الصين، ثم الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا، أين تفننت الفرقة في تفنيد الدعاية الفرنسية.