طوبى لصائم استشعر نعمة الصيام فحقق التقوى فصام الشهر واستكمل الأجر أخذ رمضان كاملاً وسلمه للملائكة كاملاً، فلا غيبة ولا نميمة ولا أذية للمؤمنين ولا تقاعس عن صلوات أو وقوعاً في محرمات، صام فصامت جوارحه وأركانه قانتًا آناء الليل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه. طوبى لمن كان كذلك من عُبّاد رب الشهور كلها بواطنهم كظواهرهم شوالهم كرمضانهم، هؤلاء هم الذين يتحقق فيهم قوله صلى الله عليه وسلم: (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. يقول الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك). وفي الصحيحين أيضاً قال صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). وروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا". وفي البخاري أن في الجنة باباً يُقال له الريان يدخل منه الصائمون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد ولا شك أن هذا الثواب الجزيل لا يكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط وإنما لا بد أن يتأدب بآداب الصوم. طوبى لصائم حفظ لسانه كما قال صلى الله عليه وسلم فيما: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه)، وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: (الصوم جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل فإن سابه أحد فليقل إني امرؤ صائم). جلست عائشة يوماً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له صفية إحدى زوجاته وتعلمون ما يقع بين الضرائر من الغيرة قالت عائشة: يا رسول الله حسبك من صفية كذا وكذا تعني قصيرة فقال صلى الله عليه وسلم: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته. وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعدَ مما بين المشرق والمغرب. طوبى لصائم استشعر نعمة الصيام واغتنم الفرصة فهذه المواسم تمرّ سريعاً، فعلى المسلم أن يغتنمها فيما يعود عليه بالثواب الجزيل، وليسأل الله تعالى أن يوفقه لطاعته والله ولي من استعان به، واعتصم بدينه. وطوبى لصائم استشعر شهر القرب من الجنان والبعد عن النيران، فيا من ضيع عمره في غير الطاعة، يا من فرط في شهره، بل في دهره وأضاعه، يا من بضاعته التسويف والتفريط، وبئست البضاعة، يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان، قل لي بربك كيف ترجو النجاة بمن جعلته خصمك وضدك، فرب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر والتعب، فكل قيام لا ينهي عن الفحشاء والمنكر لا يزيد صاحبه إلا بعد، وكل صيام لا يصان عن الحرام لا يورث صاحبه إلا مقتاً ورداً. وطوبى لقوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة، وإذا تليت عليهم آيات الله جلت قلوبهم جلوة، وإذا صاموا صامت منهم الألسن والأسماع والأبصار، أفما لنا فيهم أسوة؟.