انتهز عشرات أصحاب المحلات التجارية المتواجدة بالعاصمة فرصة إزالة الأسواق الفوضوية لرفع أسعار الملابس والخضر، أياما بعد تنفيذ السلطات تعليمة وزارية مشتركة وقعتها كل من وزارة التجارة والجماعات المحلية سنة 2011، وباشرتها القوات العمومية خلال الأسبوع الماضي. وجد مالكو المحلات التجارية ضالتهم برفع أسعار مبيعاتهم، وهو ما برز جليا عبر مناطق عدة بالعاصمة على غرار الأبيار، دالي ابراهيم، باش جراح وكذا ساحة الشهداء، حيث صرح أغلب التجار بأن فواتير دكاكينهم غالية، الأمر الذي يدفعهم إلى رفع أسعار منتجاتهم لتسديد الفواتير، موضحين أيضا بأن لا سبيل للمواطن غير قضاء حاجياته من دكاكينهم. من جهتهم، أعرب المواطنون سيما الموظفين المحدودي الدخل عن مللهم حيال نزع الأسواق الفوضوية من باب توفر حاجيات ذات الأسعار التي تتناسب وظروفهم المادية، هذا ما أكدته لنا معظم السيدات اللواتي تمنين أن تتم عملية إزالة الأسواق بعد الدخول الاجتماعي للموسم الجاري الذي يعرف التهابا كبيرا في أسعار الحاجيات المدرسية. وكانت خديجة إحدى المتحدثات والتي صرحت بأن السراويل الخاصة بالأطفال ذوي أعمار 9 سنوات وصلت إلى 2100 دينار بعدما كانت 1200 دينار، ناهيك عن الحاجيات الأخرى والمتعلقة بفساتين الكبار وغيرها، حيث كنا في السابق نقتني من الأسواق الفوضوية حسب ما يتوفر لدينا من نقود، في حين ارتاحت بعض العائلات من هذا الحل تجاه الباعة الفوضويين بسبب القضاء على فوضى مخلفاتهم الخاصة بالنفايات، وكذا من بعض التصرفات السلبية كالاعتداءات اللفظية والشجارات فيما بينهم لأسباب تافهة مثل ما كان يحدث في سوق باش جراح الذي شهد حالات قتل راح ضحيتها شاب في مقتبل العمر على- حد قولها. وذهب جل المواطنين إلى مطالبة السلطات المسؤولة التي فكرت في إزالة هذه الأسواق وما ترتب عنها من دفع صريح بالشباب إلى جحيم البطالة في ظلّ انعدام البدائل، إلى التفاتة قوية تجاه هذه الشرائح التي تعاني من مشكل “التشومير” بتوفير مناصب شغل لهؤلاء قصد القضاء على هذا الشبح، وحتى يصبح الشباب متعقلا إثر وجوده في منصب عمل يشغله عن بعض الأعمال والسلوكيات المنافية للأخلاق والممنوعة. خفض الأسعار في الجزائر مرهون بتحييد المتحكمين داخليا ترتفع الأصوات في العاصمة وضواحيها، مطالبة بتوخي حلول اقتصادية ناجعة لأزمة الأسعار الناشبة في البلاد، بعد الارتفاعات القياسية التي دفعت المستهلكين إلى التظاهر ردا على ما يرونه عجزا في ترسانة الرقابة وهيمنة من يسمون “البارونات”. ويذهب خبراء تحدثوا إلى”السلام” إلى حتمية معالجة المشكلة من جذورها، عبر تحييد مجموعة من “المتحكمين داخليا” لضمان منظومة تجارية تحافظ على هوامش الربح المعقولة وتسقف أسعار المواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع. يرى الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول أنّ أفضل طريقة لمنع تكرار سيناريو الزيادات المثيرة يكون بتحصين السوق ضدّ ما تنسجه أطراف خفية تعمل على خلق أسباب معينة لإبقاء السوق في اضطراب كبير بمعزل عن أي رقابة. ويتقاطع تصريح مبتول مع أكثرية الجزائريين الذين لا يفهمون كيف تعيش بلادهم السيناريوهات نفسها منذ سنوات عديدة، رغم كل ما تتغنى به السلطات والإعلام الحكومي من مخططات ومنجزات، والتباهي الذي يحرص مسؤولون حكوميون على اجتراره بمناسبة أو بغيرها. وبينما يصرّ خبراء على وجود تلاعب بأسعار المنتجات من طرف من ينعتونهم ب«السماسرة” وفئة “الوسطاء”، يسجل مبتول أنّ إعادة بورصة العرض إلى مستواها العادي، والحيلولة دون تكرار زيادة أسعار المنتجات الزراعية الطازجة والمواد نصف المصنّعة وغيرها، يكون بإقرار تغييرات اقتصادية جذرية، وتنظيم السوق المحلية عبر توضيح أطر العلاقة بين المنتج والمستهلك، ما يضمن دعم قاطرة الانفتاح الاقتصادي الذي تشهده الجزائر حاليا. كما يشدد سليم لعجايلية على ضرورة ضبط سيرورة الأسواق، وضمان توازن بين العرض والطلب، وإيقاف الممارسات التجارية غير السليمة والمضرّة بالقدرة الشرائية لمواطنيه، بجانب وقف الاتساع النقدي المبالغ فيه، ما يمثل بمنظاره خطرا أكيدا على استقرار الاقتصاد الكلي. من جهته، يربط محمد فرحات ارتفاع أسعار المواد الأساسية بعدم صرامة بلاده في تطبيق الرقابة وتنفيذ القوانين، وينفي فرحات تبريرات الحكومة وحديثها عن خضوع الأسواق المحلية لحركة الأسعار الدولية، موجها أصابع الاتهام إلى “مجموعة من المتحكمين داخليا”. ويدرك الجميع أنّ الاختلالات يتسبب فيها كبار التجار، وكذا من يُطلق عليهم مسمى (البارونات)، وهم مجموعة من المورّدين الذين يحتكرون غالبية ما تسوقه البلاد من المواد الواسعة الاستهلاك، ويشدّد قاسم قوادري على أنّه ما لم يتعاط أهل الحلّ والعقد مع هؤلاء بحزم، فإنّ الأمور ستبقى على حالها، طالما أنهم يتموقعون كمسقفين حقيقيين للأسعار، وهو ما يؤيده الأستاذ نبيل مصطفاوي بقوله: “إنّ العبرة بتشخيص حقيقي للمرض المزمن الذي يعاني منه القطاع التجاري المحلي، وذاك يقتضي استئصال الأورام”، على حد تعبيره، وإلاّ فإنّ الانحراف ماض وآلته الميدانية هم المضاربون وما يُعرف بفئة (الوسطاء). ويستدل متابعون بتأكيدات الديوان المهني للحبوب على أنّ ندرة القمح اللين لا مبرر لها بما أن كميات القمح اللين المسحوبة ارتفعت بشكل كبير، وهي مرتبطة بتصرفات بعض المحولين الذين باعوا قمحهم للمربين لتغذية مواشيهم. ويقترح فرحات وجوب التعاطي بحزم مع قضية جودة السلع الاستهلاكية ومنطقية أسعارها ومساعدة المستهلكين على اختيار ما يناسبهم، بجانب تمكينهم من حقهم في التغذية وسائر الخدمات اللازمة، لا سيما بعد الكشف عن معاناة 85 بالمائة من الجزائريين من سوء التغذية نتيجة تدهور قدرتهم الشرائية بنسبة تفوق 55 في المائة خلال ال20 سنة الفارطة. وفي أعقاب الارتفاع المتسارع في أسعار المواد الغذائية وما أفرزه ذلك من وضع استثنائي كانت له تبعات محسوسة على مواطنيه، أقرّ مصطفى بن بادة وزير التجارة الجزائري، أنّ الآليات القانونية وحدها لا تكفي، وهو ما يتطلب استكمالها بوسائل أخرى كتنظيم شبكة التوزيع وتعزيز شبكة أسواق الجملة، وإنشاء مؤسسة مركزية تعنى بتسيير الفضاءات التجارية الكبرى. وتشدد مراجع وزارة التجارة على أنّ إشكال ارتفاع الأسعار غير مفصول عن شروط التموين بالمنتجات ذات الاستهلاك الواسع التي تم فرضها على تجار الجملة والتجزئة بالجزائر، كإلزام البائعين بالتجزئة بدفع وثائق حول نشاطاتهم لا سيما السجلات التجارية والشراء بالفواتير وحصيلة الحسابات وكذا استعمال الصكوك لدفع مستحقات البضائع، بيد أنّ الوزير طلب من المنتجين والمورّدين لمادتي الزيت والسكر إلغاء كل هذه الشروط. وتضيف المراجع ذاتها أنّ الزيادات القياسية أتت في إطار وضع دولي تميز بارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية في الأسواق الدولية، على منوال ما أعلنته منظمة التغذية العالمية حيث ارتفع مؤشر 55 منتجا غذائيا أساسيا في شهر ديسمبر الماضي للشهر السادس على التوالي، وشمل كل من السكر والحبوب والزيوت ومشتقاتها. وجاء في مذكرة لوزارة التجارة أنّ المواد ذات الاستهلاك الواسع ستبقى مدعومة من طرف الدولة في إطار سياستها لدعم الطبقات الاجتماعية المعوزة، ولمواجهة ارتفاع الأسعار، ستعمل الوزارة على الإصدار السريع للنصوص التطبيقية المتعلقة بقانون المنافسة والممارسات التجارية من خلال تسقيف الأسعار وتحديد هوامش الربح للمواد ذات الاستهلاك الواسع. كما تمّ الإعلان عن إنشاء مؤسسة مكلفة بإنجاز وتسيير أسواق الجملة من أجل توخي قدر أكبر من التنظيم ومراقبة شبكات التوزيع، ضمن جملة تدابير تهدف إلى تأطير النشاطات التجارية ومحاربة الغش والمضاربة. ويتوجس الجزائريون من تجدد معايشتهم “حرب أعصاب يومية” كتلك التي أربكتهم رمضان الماضي والفترة التي أعقبته، طالما أنّ المضاربة بألوانها اشتدت في أسواق الجزائر، ومعها احتدمت فوضى الأسعار، ما دفع مراقبين للتحذير من تبعات محسوسة تلقي بظلالها على اقتصاد البلد المنهك بالتقلبات منذ النصف الثاني من العام الماضي. وتحذر قوى المعارضة من تجاه الجبهة الاجتماعية نحو الانفجار، وتخشى احتمال حدوث غليان شعبي، في ظلّ هزال القدرة الشرائية والأزمة المعيشية المستفحلة، خصوصا مع تصدّي بارونات السوق وتجار السوق الموازية لكل إجراءات الحكومة، ما معناه مواصلة الارتفاع الفاحش إرهاق ميزانيات الجزائريين إلى غاية وضع حد للسمسرة وتوابعها.