تترامى عدة تجمعات سكنية على مستوى الطريق الوطني رقم 83 الرابط بين ولايتي خنشلة وبسكرة، ويعاني قاطنو هذه التجمعات في صمت وسط عزلة وتهميش أنهكتا كاهل سكانها، فانطلاقا من منطقة ششار حتى ينتهي المطاف ب جلال التي تبعد عن عاصمة الولاية بحوالي 75 كلم، لا يلحظ المار سوى كافة أنواع القهر والحڤرة التي نغصت يوميات السكان، من الوقوف على الواقع المرعب لهؤلاء السكان “المجاهدين” من تهميش وحرمان رغم الطابع الفلاحي الصحراوي لهذه المناطق التي يضم البعض منها واحات خضراء تتحدى بذلك قساوة المناخ وزحف الرمال لتنتج من خلالها ما لم تنتجه أراض خصبة. تعاني التجمعات الريفية على غرار ششار، وجلال المتواجدين على مستوى الطريق الوطني رقم 83 من عديد الصعوبات التي جعلت أهاليها يطلقون نداءات استغاثة لإيجاد حل سريع لمعاناتهم المرتبطة خاصة بنقص الموارد المائية بالواحات، وعدم توفر المرافق الضرورية من طرقات وصحة وماء صالح للشرب وإنارة عمومية ومسكن لائق. ونستهل حديثنا بمأساة لامستها “السلام” خلال توقفنا بمنطقة ششار التي هي من بين المناطق التابعة لولاية خنشلة، وهي ليست أحسن حالا من المناطق الريفية الأخرى رغم طابعها الفلاحي المتنوع ، إلا أن تجمعاتها السكنية تفتقر إلى الماء الصالح للشرب والإنارة أما السكن فهو جماعي وحجم معاناة المساكنين لا توصف، إذ يؤكد المواطنون هناك أن هذه المنطقة تعاني من تردي الحالة الإجتماعية بجل العائلات، فضلا عن تغلغل آفة الأمية في صفوفهم وهم ينتظرون أن تتحسن الأوضاع المعيشية ويصبح لهم دور فاعل وإيجابي ليسهموا من موقعهم في تنشيط الحرية الاجتماعية والاقتصادية، وبعث موارد رزق لو يتم تشجيعها في المجالات الفلاحية ولاسيما الصناعات التقليدية، وحتى يتحقق ذلك تعيش المناطق الحدودية والريفية بولاية خنشلة أوضاعا مأساوية يمكن وصف البعض منها بشبح الفقر والبطالة. كما تشهد المنطقة تدهورا كليا للأوضاع الاجتماعية، فمعظم السكان من الطبقة الفقيرة، ودخلهم محدود لا يكفي لسد أدنى حاجيات الأسرة، ورغم ذلك فإن كل المساعدات الاجتماعية التي تصل إلى البلدية يحرم منها المعوزون وتستفيد منها عائلات التي لا بأس عليها، وقصد مجابهة أزمة الفقر تضطر بعض العائلات للإعتماد على أطفالها الصغار الذين يقومون ببعض الأشغال الشاقة في العطل، وذلك مقابل أجر زهيد لا يتعدى 400 دج، يحدث ذلك رغم أن القوانين تمنع عمل الأطفال، فالزائر لهذه المنطقة يصطدم بأطفال لا يتعدى سنهم 14 سنة يشتغلون في ورشات البناء وفي أشغال الحفر والتنقيب• مشكل آخر تعمقت جذوره بالمنطقة هو الانتشار المرعب لشبح البطالة بسبب غياب أي فرص للشغل، ومن يدفع ثمن ذلك الجامعيون وأصحاب الشهادات الذين اصطدموا بواقع مر أثقل مما يتحملونه، فبعد مشوار دراسي وجامعي مملوء بالطموح والأحلام يجدون أنفسهم في أزقة القرية دون شغل لأن منطقة ششار تعتبر من أفقر البلديات على المستوى الوطني، وليس فقط بولاية خنشلة حيث أصبح من المستحيلات الاستفادة من منصب شغل، ما جعل بعض هؤلاء الجامعيين يتوجه إلى بعض الأشغال الحرة في ورشات البناء والوديان والمزارع الفلاحية لكسب الرزق، فيما قرر البعض الآخر الهجرة من القرية بحثا عن عمل في مناطق أخرى وفي مهن مختلفة كالعمل في المقاهي والأسواق الشعبية حفاظا علي كرامتهم. من جهة أخرى، لا يزال سكان بابار، وهي من بين أكبر المناطق التابعة لولاية خنشلة، يطالبون بحقهم في التنمية، وهذا من خلال الاهتمام أكثر بالمنطقة وبرمجة مشاريع تنموية للنهوض بها والقضاء على مظاهر التهميش التي عانت منها المنطقة وسكانها لفترة طويلة، إذ ناشدوا والي الولاية تخصيص جزء من المشاريع التي استفادت منها البلدية في إطار المخطط البلدي للتنمية وتجسيد إنجازها بهذا التجمع السكني، وحرصوا أيضا على تعميم الاستفادة من برامج التغطية بالكهرباء الريفية والفلاحية على اعتبار أن المنطقة ذات طابع رعوي فلاحي، إلى جانب ذلك يشتكي السكان من انعدام التغطية الصحية في هذه المنطقة، حيث أضحى الأمر يثير حفيظتهم واستياءهم، جراء ما يتكبّدون من معاناة التنقل إلى العيادة المتعددة الخدمات المتواجدة بمقر الولاية، وقد طالب السكان إخراج منطقتهم من العزلة التي تخنقها من خلال تحسين مستوى معيشتهم. ولم تتوقف معاناة سكان بابار عند هذا الحد، إذ يشتكون كذلك من أزمة السكن التي فرضت نفسها بقوة، حيث أجمعوا في شهاداتهم أن عدد الوحدات السكنية التي خصصت لبلديتهم قليلة جدا مقارنة بعدد الملفات التي تم إيداعها للمصالح البلدية، ما يدل على أن هذه البلدية تعاني حقا أزمة سكن حادة، وهو الانتشار الكبير للبيوت القصديرية والأكواخ في العديد من القرى• كما تعاني هذه المنطقة كذلك من ضعف كبير في الخدمات الصحية• وحسب السكان، فإن الوحدة الصحية المتواجدة في المنطقة تشهد نقصا فادحا في الإمكانيات المادية والبشرية، نتيجة لافتقارها لمختلف التجهيزات الطبية بما فيها نقص الأدوية، وهو الأمر الذي دفع بالمواطنين إلى نقل مرضاهم إلى مستشفى الجامعي وسط المدينة. جلال، هي الأخرى تعاني من مشاكل عديدة نغصت حياتهم اليومية وحولتها إلى جحيم حقيقي في ظل انعدام ظروف التنمية المحلية بمنطقتهم الجبلية التي تغيب فيها مختلف المرافق والضروريات التي من شأنها رفع مظاهر العزلة والتهميش عنها. حيث أصبحت منطقة جلال يضرب بها المثل بولاية خنشلة في المعاناة والشقاء نظرا للحياة المزرية التي يعيشها السكان الذين يفتقدون لكل أنواع الحياة الكريمة التي من شأنها أن تجعلهم يحسون بأنهم يعيشون حقيقة، فالواقع يؤكد عكس ذلك إذ يؤكد أنهم موتى ولكن لا يزالون على قيد الحياة. فأول مشكل طرحه السكان هو غياب مظاهر التنمية في منطقتهم على مستوى وسط البلدية والقرى والمداشر التابعة لها، إذ لم تنل منطقة أولاد جلال التي تعاني العزلة والتهميش نصيبها من التنمية، فالميزانية المخصصة لها جد محدودة ولا تكفي حتى لإنجاز أبسط المشاريع، فهي تكفي فقط لتغطية المشاريع الترقيعية كإعادة تهيئة عدد من الطرقات، التي يتنافس عليها مقاولون يفتقدون للخبرة والتجربة. هذا وقد أدى هذا التباعد، إلى عزلة المنطقة أكثر وإبعادها عن أعين المسؤولين الذين اكتفوا بتقديم الوعود ومعاينة بعض المناطق بين الفينة والأخرى، في ظل ارتفاع نسب البطالة بين الشباب بأرقام مخيفة بسبب غياب برامج التنمية التي من شأنها خلق فرص ومناصب العمل وتخليص المنطقة من مظاهر الفقر، إذ لم تستفد منطقتهم من أي مشروع يفتح لها أبواب المستقبل وجعل غالبية الشباب يسترزقون من عملهم في القطاع الخاص والأعمال الحرة كصناعة الأحذية، البناء والفلاحة، وهي الأعمال التي لا توفر لهم حياة كريمة بسبب افتقارهم لرؤوس الأموال التي تحميهم من الأزمات، ورغم توفر شبكة المياه في معظم المناطق التابعة لها إلا أن الحنفيات لا تزورها المياه إلا مرة واحدة في الأسبوع، ليبقى السكان طيلة الأيام الأخرى ينتظرون ساعة الفرج.