يدعو الفنان المسرحي الشاب العيد مهدي، إلى انفتاح أكبر على مسرح الشارع، ويرى أنّ الأخير سيكون له دور كبير في إعادة الجمهور إلى أحضان أب الفنون، ويتطرق مهدي في هذا الحوار الخاص ب"السلام" إلى إشكالية الممارسة المسرحية في الجزائر والتباينات الموجودة بين الهواية والاحتراف، تماما مثل راهن مسرح الطفل وآفاق الدراما التاريخية. كيف جئت إلى عالم المسرح، وماذا عن مختلف الأشواط التي قطعتها بين عالمي الهواية والاحتراف؟ في الحقيقة، بداياتي كانت في صفوف الكشافة، حيث اكتشفني المشرفون عليها وأنا لا زلت طفلا في العاشرة، لتتنامى موهبتي في التمثيل خاصة في المخيمات الصيفية، أين كنت أنجز عديد التمثيليات التي لاقت استحسان الجميع، وعملت لاحقا على تطوير قدراتي والتأسيس لمسيرتي الفنية عبر الالتحاق بالمعهد البلدي للمسرح بالجزائر العاصمة، واعتكفت هناك على مدارسة أب الفنون أكاديميا. أي فروق تكمن بين عالم الهواة والمحترفين في الجزائر، وماذا بشأن محدودية إنتاج ونوعية ما يقدمه المسرح الوطني، قياسا بما يمتلكه من امكانات مادية وفضاءات؟ الفرق بين الهاوي والمحترف في الجزائر شكلي، ويتلخص برأيي في انتماء المحترف إلى مسرح مملوك للحكومة، والفرق أيضا في الإمكانات والفرص والفضاءات، لاحظ معي أنّ مهرجان المسرح الذي يقام كل سنة لا يسمح فيه بالمشاركة للهواة، وهو مقصور على فرقة المسرح الوطني والمسارح الجهوية دون فسح المجال للفرق الأخرى، أما عن مردود المسرح القومي فهو برأيي جد هزيل بحكم إنتاجه الضئيل، ومستوى المسرحيات المقدّمة والتي لا يقترب مستواها من تلك التي تنتجها دول الجوار، رغم المليارات التي تصرف دوريا. زاوجت بين التمثيل والمساعدة الإخراجية وكذا التمثيل في السينما، كيف وجدت هذه التجربة؟ التمثيل كان ذلك الحلم الذي لطالما رجوت بلوغه يوما، بالمقابل ما أسعدني فوق الخشبة هو أن أتقمص مختلف الشخوص وأندرج في سائر الأدوار، وأعيش أحاسيس إنسانية بكامل جوارحي، خصوصا عندما يتعلق الأمر بأفكار وتجليات سامية، وبالنسبة للمساعدة الإخراجية، أحب أن أوضّح أنّها مسؤولية ليست بالبسيطة، ورغم متاعبها إلاّ أني تعلمت منها الكثير مثل كيفية توجيه الممثل نحو تأدية ما هو مطلوب منه، أما السينما فهي ذلك الجو البهيج المفعم تارة بالحركة وأخرى بالسكون، ورغم حداثة تجربتي إلا أنني استمتعت كثيرا ولا أزال. هل تؤيدون الطرح القائل بوجود أزمة فن في الجزائر؟ وما الحل للنهوض بالقطاع الفني هناك؟ نعم هنالك أزمة، ويجب التركيز على التكوين، يجب أن يفهم القائمون على منظومة الفن في الجزائر، أنّ زمن الاستعراض والصراخ والنشيج غير الطبيعي، والتشخيص المصطنع وو .. قد ولى عهده، ما كان صالحا في الخمسينيات والستينيات تجاوزه الزمن في عصرنا اليوم، هذا الأخير هو عصر الواقعية، عصر الاندماج (وفقا لفلسفة ستانيسلافسكي)، أنظر إلى النهضة الفنية السورية التي أنجبت عمالقة في جميع فنون العرض، لا أظنّ أهل الشام وصلوا إلى هذا المستوى، لو لم يفهموا معنى الواقعية في التمثيل. ماذا بشأن مراوحة المسرح والسينما لمكانتهما في الجزائر، هل يكمن السبب في غياب نصوص وسيناريوهات جادة، أم الافتقار إلى طواقم فنية مؤهلة؟ الأمر يتلخص في الافتقار إلى كوادر فنية مؤهلة، أما النصوص فحدّث ولا حرج، ثمّ بربك قلي، الفنان الجزائري عندما يتعامل مع شركة إنتاج محلية، يفاجئ بكون المنتج هو من بيده كل شيئ، يقحم نفسه في كل كبيرة وصغيرة، مثلما يحشر أنفه في أدق التفاصيل الفنية، وهنالك أيضا مشكلة الدخلاء على الفن، فكثيرا ما تجد أشخاصا ليس لهم أي تكوين، ومع ذلك تُسند لهم مهام استيراتجية ومفصلية على مستوى إدارة الإخراج، ويتدخل هؤلاء حتى في طريقة عملك، فكيف يمكن الارتقاء بالإبداع في مثل هذه الظروف؟ بحكم وظيفتكم كأستاذ بعدد من دور الشباب، كيف تقاربون واقع التكوين هناك، وهل يوجد ما يبشر بطلائع جديدة مسرحيا وسينمائيا؟ بصراحة على مستوى دور الشباب، لا نقدم تكوينا للأطفال بالمعنى الكامل، بل نحول تحبيب البراعم في الفن الرابع وتمكينهم من اكتساب ميكانيزماته وإجادة آلياته وضروبه، كما نسعى إلى اكتشاف المواهب والأخذ بيدها وتوجيهها عبر ضمها إلى معاهد متخصصة. كان لكم احتكاك كبير بفنانين غربيين وعرب، ما هي الدروس التي تعلمتها منهم، وما المقارنة التي تجريها بين المسرح الأوروبي والمسرح العربي حاليا؟ أكبر دروس تعلمتها من الفنانين العرب هي التواضع والبساطة وأن تكون بشوشا دائما. تعتمد فرق مسرحية كثيرة في الجزائر على اقتباس نصوص من الريبرتوار العالمي، بدل الاشتغال على نصوص متوفرة لعديد الكتاب الجزائريين الجيدين، إلى ماذا يرجع ذلك برأيكم، وهل هناك شرخ واقع بين الكتاب والمسرحيين في الجزائر؟ الشيء الذي يجعل الفرق المسرحية تعتمد على اقتباس النصوص العالمية كونها خالدة وما تزال صالحة لهذا العصر، كما يمكن بلورتها بالشكل المراد، أما النصوص الجزائرية فلا يمكن التخلي أو الإستغناء عنها أبدا فهي تمثل الواقع الجزائري الحيّ، لكن الخلل يكمن في غياب فضاءات كافية يتم فيها التفعيل والإنضاج وتقريب رؤى جمهور الكتاب والمخرجين. انتقادات كثيرة توجّه كل سنة إلى المهرجانات المسرحية والسينمائية التي تحتضنها الجزائر، ويتهّم متخصصون لجان تنظيم هذه المهرجانات بتكريس ثقافة المجانية والاستعراض على حساب فتح نقاشات كبرى حول رهانات الفنين الرابع والسابع، هل هناك فعلا مشكلة تقاليد في المهرجانات الجزائرية، وما رأيكم بما قدمه مهرجان المسرح المحترف خلال دوراته الأربعة المنقضية؟ في الحقيقة، هناك إجماع بين أهل الاختصاص والجماهير على أنّ ثقافة “المهرجاناتية” في الجزائر لم تنتج سوى الرداءة، وخير دليل على ذلك إقدام لجان تحكيم عديد المهرجانات على حجب جوائز كثيرة، بحجة عدم وصولها إلى النضج الفني، ومعها تنطرح بقوة حتمية النهوض بالمستوى. شاركت في سلسلة مسرحيات وأفلام تاريخية، وأخرى عن عشرية العنف التي هزت الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي، هل تتصورون أنّ الفنان الجزائري خاض بما يكفي في الموضوع، أم ما زال الكثير مما يمكن أن يُقال؟ بل ما زال هنالك الكثير يجب قوله عن أزمات الجوع والبطالة وشتى المعضلات الاجتماعية التي تختصر معاناة السكان المحليين، وهي فصول لم يتم تجسيدها فنيا بالكامل. ما تعليقكم حول توليفة الأفلام السينمائية التاريخية التي تنجزها الجزائر بعد النجاح المحدود لفيلمي “أسد الأوراس” و«زبانة”؟ أقول لك بصراحة عندنا طاقات شبانية ومواهب ولا بأس بها في التمثيل، المشكلة تُطرح فيمن يستطيع إخراج فيلم ضخم بقيمة وحجم عمل يصور سيرة شخصية عملاقة مثل “الأمير عبد القادر الجزائري”، ومن يجسد هذه الشخصيات التاريخية، إضافة إلى توفير اللوجستيك المطلوب حتى تنجح الدراما التاريخية الجزائرية فنيا بالشكل المأمول. ينظر كثيرون إلى أفلام مخرجين جزائريين مغتربين مثل إلياس سالم ورشيد بوشوارب ومرزاق علواش ونذير مخناش، على أنّها تزييف للواقع الجزائري واستخفاف بقيم المجتمع المحلي، ما نظرتكم حيال الموضوع؟ صحيح هناك أفلام لمخرجين جزائريين مغتربين لا تمثل الواقع الجزائري، رغم اشتراك ممثلين جزائريين فيها، إلاّ أنها نسجت بعقل غربي لتقدم لجمهور غربي، ويبقى عمق كل مخرج وممثل هو ضميره ومبادئه وأخلاقه. اشتهرت محليا بأدوار درامية عديدة، لكنك عكس كوكبة من مواطنيك لم تخض تجارب خارج الحدود، إلى ماذا يعود ذلك؟ ربما يعود إلى الحظ، وقلة الفرص، وفي بعض الأحيان إلى اقتصار الجهات المعينة على طرف نخبوي معين، لكن آمل وأتطلع إلى تحسين مستواي والبروز أكثر. ظهرت خلال السنوات الأخيرة، العديد من تطبيقات مسرح الشارع في الجزائر، كيف تقاربون هذا النموذج وما فرص نجاحه جزائريا وعربيا، وهل ترون في مسرحة الشارع حلال لعزوف الجماهير عن غزو المسارح؟ مسرح الشارع له دور كبير في إعادة الجمهور إلى أب الفنون، لو جرى التركيز عليه بشكل مرن وذكي، لأنّ المسارح عموما تمتلك جمهورا نخبويا معظمه من الممثلين والصحفيين وأصدقاء الفنانين، لذلك ينبغي خروج المسرح من صالات العرض إلى الشوارع، بما قد يحبّب الفن الرابع إلى الناس، خصوصا إذا وجد هؤلاء في مسرح الشارع المتنفس والطبيب الروحي الذي يشرّح لهم مشكلاتهم ويقدم لهم الوصفات العلاجية المناسبة، فضلا عن بعض التسلية التي تفرّج عن المتلقين وتسليهم. انخرطتم منذ فترة ليست بالقصيرة في مسرح الطفل، كيف تقيمون واقعه الحالي محليا، وما الحل في الارتقاء به وإخراجه من دائرتي المناسباتية والمهرجاناتية؟ اسمع يا صديقي، لكل شيء ضوابط وأسس أنت تعلم هذا جيدا، ولذلك فإنّ مسرح الطفل ينبغي أن يُعنى بتوعية الطفل وتثقيفه وحمله على معايشة الأحداث الهامة، أما واقع المسرح الطفولي في الجزائر، فهو مشرّع حاليا أمام كل من هبّ ودبّ، لقد أصبح البطال اليوم في الجزائر يلبس ثياب البهلوان ثم يصعد لينط ويصهل على ترنيمة موسيقية تحت عنوان عرض بهلواني للأطفال، حقا أريد تحويل الركح بهذا المعنى إلى “مسرح بهلواني” بمعنى الكلمة. ماذا تقول حول التجارب الفنية الشابة في الجزائر والعالم العربي؟ وهل ثمة قوالب مستحدثة يمكن إنضاجها مستقبلا؟ التجارب الشابة في العالم العربي مشكورة وأؤيدها لأنّها رغم قلة الوسائل والإمكانيات، إلاّ أنّها صنعت من العدم جواهر. هل لكم أن تحدثونا عن مشاريعكم المقبلة؟ هناك كثير من المشاريع المستقبلية رغم الركود الحاصل خلال الفترة الراهنة، أفضل عدم التطرق إلى تفاصيل هذه المشاريع، وأقول فقط أنّها ستكون خطوات نحو الأحسن.