صعد نجم النقابات المستقلة في سماء الجزائر خلال السنوات الأخيرة، سيما مع سلسلة الاحتجاجات الكثيرة التي نشطتها على مدار العشرية الماضية، بيد أنّ هذه النقابات لا تزال تتخبط بين راهن محتشم ومستقبل مجهول، وسط بقاء معضلة التمثيل التي تفرض نفسها بقوة. والمتتبع لسيرورة المنظومة النقابية في الجزائر منذ الانفتاح، يلاحظ تحقيق العمل النقابي المستقل لعدة انجازات رغم حداثة عمر غالبيتها، لكن هذه التنظيمات نجحت في استمالة وعاء هائل من الشرائح العمالية، ودفعها إلى الالتفاف أكثر حول هذه النقابات المدعوة للعمل على تنسيق أحسن بينها لإبراز مكانتها أكثر على الساحة. السلام سعت لجس نبض هذا الحراك المتنامي، وقمنا بالتعاطي مع كوكبة من فاعلي النقابات الحرة الأكثر تأثيرا في السنوات الأخيرة سيما في قطاعي الصحة والتربية. إشكالية التمثيل تطرح نفسها بقوة خلافا لما تسوق له المركزية النقابية، تشدد عموم النقابات المستقلة على أنّها هي من تمثل الصوت العمالي، لكنّ عصا التحييد تطالها كل مرة، بدليل استبعادها من مختلف قمم الثنائية والثلاثية، ورفض المسؤولين فتح أبواب الحوار معها رغم كل القلاقل الناشبة هنا وهناك. وعن سر اشتداد القبضة الحديدية بين الحكومة والنقابات المستقلة، يقول مزيان مريان رئيس النقابة المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي والتقني، أنّ ذلك راجع إلى كون ما تمنحه الحكومة باليد اليمنى، تأخذه باليد اليسرى، ويركّز مريان على الارتفاعات الرهيبة لأسعار المواد الواسعة الاستهلاك، رغم حديث السلطات المتكرر عن تسقيف الأسعار، تماما مثل فواتير الكهرباء والماء والغاز، في وقت تمعن السلطات في فرض الرسوم الجزافية وتفاقم مشكلات السكن والعدالة الاجتماعية. ويشدّد مزيان مريان المنسق العام لتنسيقية نقابات الوظيف العمومي، على أنّ حجر الزاوية يكمن في حتمية مراجعة الحكومة لشبكة الأجور الجديدة، إذ لا يعقل بحسبه أن يبقى الحد الأدنى للرواتب في الحضيض، مع أنّ استمرار صعود أسعار النفط والبحبوحة المالية للدولة تفرض إقرار زيادات نوعية في الأجور. ويوعز محمد يوسفي نقيب الأطباء، أن ما يحصل “خديعة وإهانة لنخبة الجزائر”، مستغربا كيف يتقاضى أطباء الجزائر رواتب أقل بثلاث مرات عما يتقاضاه نظرائهم في تونس والمغرب. ويجمع النقابيون على أنّ سلم الرواتب “مليئ بالتناقضات” ولا يأخذ في الاعتبار خصوصيات بعض الوظائف، في صورة إدماج المنح في الرواتب، واقتصار منح المردودية على أسلاك معينة دون غيرها. ويبرز النقابي البارز رشيد معلاوي أنّ الجزائر تتموقع ضمن كبار منتجي النفط، وتتمتع باحتياطي هام من النقد الأجنبي يربو عن 155 مليار دولار، ولا يتجاوز عدد سكانها 36 مليون نسمة، إلا أنّ متوسط رواتب عمالها بحدود 2400 أورو سنويا، في حين أنّ معدل رواتب مواطني الدول النفطية يربو عن التسعة آلاف أورو سنويا، وهو وضع غير معقول ويدفع إلى كثرة الاضطرابات في كل مرة. تجاهل.. ونقاط ظلّ تقود حركة الإضرابات والاحتجاجات التي لا تزال تهز الجزائر، إلى طرح إشكالية التمثيل النقابي بحدة، بينما تصر الحكومة بشكل عجيب على تجاهل النقابات المستقلة الموصوفة بالتمثيلية، وتتعامل مع المركزية النقابية للسلطات كطرف واحد وحيد. ويلّح بلقاسم فلفول الأمين العام لنقابة الوظيف العمومي (السناباب)، على أنّ التعددية النقابية أضحت اليوم حقيقة، ومن مصلحة السلطات إشراك النقابات الحرّة في الشأن المتصل بمنظومة الشغل. ويلاحظ فلفول أنّ القانون يكرس التعددية النقابية، إلا أنّ ذلك لم يتجسد ميدانيا بإدارة الحكومة ظهرها للنقابيين المستقلين، كما يعتبر فلفول أنّ هناك تفاوتا بين التنظيم الساري المفعول والتصور الخاص بالشراكة الاجتماعية، رغم المكاسب التي حققتها الجزائر منذ الانفتاح سنة 1989. وينتقد ناشطو النقابات المستقلة أسلوب اتحاد العمال الحكومي في معالجة ملفات الطبقة الشغيلة واستعمال “الغبن” العمالي لإنجاح أجنداته السياسية، ويعلّق مزيان مريان مسؤول الاتحاد الجزائري للتعليم الثانوي والتقني: “نحن نضرب وهم يفاوضون، نحن نعبّئ العمال وهم يقطفون الثمار”. على طرف نقيض، يقول عبد المجيد سيدي السعيد الأمين العام لاتحاد العمال الجزائريين، إنّ تنظيمه “ليس غائبا على الإطلاق” عن ساحة الاحتجاجات الاجتماعية، وإنما هو “ضحية صمته” لأنه يؤدي عملا مضنيا وفي صمت، ويسجل سيدي السعيد إلتزام نقابته بالحوار كمصدر رئيسي لتسوية النزاعات، مستدلا بنجاح ذلك في دفع ما تبقى من أجور آلاف العمال وحل معضلات عديدة، ويرفض مسؤول النقابة المثيرة للجدل، احتلال الشارع ولغة التصعيد، معتبرا أنّ الفعل النقابي يمارس ضمن القمة الثلاثية التي تضم كلا من الحكومة وأرباب العمل واتحاد العمال. ويدافع سيدي السعيد عن تمثيلية نقابته، بقوله أنّها تستوعب 1.5 مليون عامل، وتعمل بحسبه على متابعة كل الملفات لأجل حماية عالم الشغل وترقية النمو المستحدث للوظائف. التهميش .. إمعان في الانحدار في استطلاعنا لحال النقابات المستقلة، كانت انطلاقتنا الأولى مع النقابة الوطنية الجزائرية للشبه طبي المعتمدة في سبتمبر 2004 من قبل الوزارة الوصية (وزارة العمل)، وبحسب أمينها العام لوناس غاشي، فإنّ القطاع شبه الطبي يمثل نسبة 50% من مجموع عمال الصحة، وهذا ينم عن ضرورة الاهتمام والتكفل بمطالب هاته الشريحة، فهي الأكثر تأثيرا على مستوى قطاع الصحة، لذلك عريضة مطالبنا لا تزال طويلة بغية تحسين القطاع، فرغم تمكن النقابة من تحصيل مجموعة مطالب كزيادة الأجور على وجه الخصوص، والأهم الاتفاق مع وزارة الصحة على إدراج تكوين الشبه طبي في نظام (أل لام دي ) في فيفري 2011، أي صار تخصص جامعي بشهادة الليسانس، لكن ما وصلنا مؤخرا من معلومات أن وزارة الصحة لم تحط وزارة التعليم العالي علما بالقرار، فمن المفترض أن تشكل لجنة أساتذة لتقوم بمهمة دراسة ومناقشة الموضوع مع وزارة التعليم العالي حتى تعتمده الأخيرة، لكن للآن لم يحصل هذا، ما سيولد مشكلة بين الطلبة الذين سيسجلون في القطاع باسم شهادة الليسانس، في حين القرار لم يعتمد بعد من قبل وزارة التعليم العالي، والسبب وراء ذلك تقاعس وزارة الصحة. وبخصوص موضوع إصلاح المستشفيات، دعا غاشي إلى محاولة النقابات الاندراج في المسار وسط انعدام الشركاء، في هذه النقطة ركز على أهمية ودور التكوين الذي يرتقي بالمستوى العام لقطاع الصحة، وذلك بتكوين كل عامل في قطاع الصحة حتى عاملة التنظيف والحارس المناوب، ذلك أن القطاع حساس ولا يجوز توظيف فيه كل من يبحث عن وظيفة بل يجب تدريبهم أولا، فالهدف نوعية العاملين وليس الكم، وبذلك نخلق جو من التواصل مع المريض قبل توفير الدواء، فتحسين نفسية المريض جزء من علاجه. لذلك فإن المستشفيات تحتاج لاعادة تصفية.حول ما تنتظره النقابة من الوزير الجديد عبد العزبز زياري، قال السيد غاشي أنه لم يلتقه بعد، لكن المشكلة ليس في الوزير إنما في الكتلة المشكلة لوزارة الصحة، فكثيرا ما عمدت الوزارة إلى غلق الأبوب أمام الوزير، وهذا ما يبرر مرور 8 وزراء على وزارة الصحة منذ سنة 2000. وهذا يؤدي بدوره إلى عدم الاستمرارية في القرارات، فكل وزير يقدم مشاريعه الخاصة وكذا من يخلفه لنعود دائما لنقطة الصفر. نقابة الشبه طبي تحدد مطالبها إنطلاقا من تجربة حية ومعايشتها للوسط، لذا تهميش مطالبها وإصدار قرارات مخالفة عمل غير واعي بدورها كشريك في وزارة الصحة، لذا لابد من إدراج شبه الطبيين في لجان المراقبة أيضا، بدل احتكارها بين الأساتذة أو أطباء لأنه سيتم بينهم اتفاق للتستر على بعضهم البعض، عكس ما يكون عليه الأمر عند دمج عدة قطاعات في اللجان. مطالب قيد الانتظار.. أشار عبد الكريم بوجناح أمين عام نقابة عمال التربية منذ سنة 2003، والتي اعتمدت قبل هذا التاريخ ب 3 سنوات أي سنة 2000، وعلق على المادة 56 حسب دستور 1996 والتي تنص على الحق في ممارسة الحق النقابي لكنها جد مجحفة وغير واضحة، كما أن القانون 14 / 90 عمومي ولا يحمل تفصيلات تساهم في دعم العمل النقابي. كما أشار بوجناح إلى أن النقابة سبق وألغت الاضراب المقرر أول أيام الدخول المدرسي كمهلة منحتها للوزير الجديد عبد اللطيف بابا أحمد، لكن ذلك لا يعني أننا لسنا ملتزمين بمواصلة العمل لأجل نيل مطالبنا، ومن أهم المطالب التي سننقاشه حولها: السكن لعمال القطاع، والنظام التعويضي وأيضا فيما يخص رواتب الأسلاك المشتركة فهي حوالي 13000 دج وهذا جد مجحف. وأهم نقطة هي التقاعد وهناك اقتراحان: الأول أن يمنح التقاعد بعد 28 سنة تدريس للرجل مقابل 25 سنة تدريس للمرأة. أما الاقتراح الثاني الذي قدمه بوجناح فهو نظام التقاعد التدريجي حسب الأقدمية، وذلك بانقاص ساعات العمل بحسب سنوات التدريس، وتتناقص الساعات تدريجيا كلما تقادم عمل المعلم. رقم قوي يبحث عن تأثير أكبر أشار جمال رواني القيادي في النقابة الوطنية المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي والتقني المعتمدة في جوان 2007، إلى امتلاك النقابات المستقلة حظوظا كبيرة لفرض نفسها، وسط كل التباينات التي تطبع المنظومة القانونية، ملاحظا أنّ الأخيرة لا توضح ملامح العمل النقابي جيدا، ما شرّع الأبواب أمام عديد المضايقات وسوء الفهم.وتراهن نقابة أساتذة التعليم الثانوي والتقني بوعاءها الضخم الذي يستوعب 13 ألف منخرط على مستوى 37 ولاية، على جعل نشاطها النقابي مع شقيقاتها متناغما ويتبلور من خلال نظرة بعيدة المدى، ويشير رواني إلى شروع النقابة المذكورة في تكوين المنخرطين من 25 إلى 35 سنة، وكذا تركيزها على حصة المرأة في النقابة، متكئة على إسهام المنظمات العالمية الخارجية في التكوين. توحيد الجهود .. دعامة ضرورية أهمية النقابات في المحيط العمالي لا يمكن أن ينكرها أحد، لذا لابد من العمل على تطويرها باستمرار وتقوية شوكتها لكن العمل على هذا المنوال لم يحدد بشكل واضح، فلا مساعي جدية لتوحيد قوتها لقبضة أحسن، فبحسب تصريح غاشي تشكيل كونفدرالية موحدة أمر غير وارد، فنحن قمنا بانشاء نقابة مستقلة عن الاتحاد العام للعمال الجزائريين للاستقلال بمطالبنا، لذا لا أرى أفقا باديا لجمع استراتيجيات، ومطالب كل النقابات تحت سقف كونفدرالية موحدة. رغم أننا نتساعد عندما تكون المطالب واحدة أو مثلما حصل مؤخرا في قضية المناضل كداد. المعنى ذاته يبرز من تعليق رواني على موضوع الاتحاد بين النقابات، حيث أبدى استعداد نقابته للتعاون مع أي نقابة، مستثنيا تلك التي صنفها في خانة “النقابات المهيمنة”، مستبعدا توفر الأرضية المناسبة لنشوء كونفدرالية للنقابات المستقلة في المستقبل القريب. محاذير التمويل الخارجي وتدخلات الإدارة تحتل النقابات الطلابية حصة الأسد في المشهد الحالي، منذ ظهور الاتحاد العام الطلابي الحر مطلع تسعينيات القرن الماضي، وعما ينتاب الممارسة النقابية في الجامعات، يشير مصطفى نواسة الأمين العام للاتحاد المذكور، أنّ قانون الجمعيات الجديد زاد بعض القيود على نشاطها من ناحية التمويل، مشيرا إلى أن وزارة الداخلية تتدخل في مصادر تمويل الحركة الجمعوية، وبالأخص ما تعلق منها بالخارجية حيث لا يحق للجمعيات الحصول على الدعم الخارجي إلا بموافقة الوصاية. وأوضح نواسة في تصريحات ل«السلام” بأن تنظيمه وعديد الجمعيات تتحصل على تمويل في شكل مساعدات تتلقاها من قبل مؤسسات متواجدة بالاتحاد الأوروبي وإفريقيا والعالم العربي، بالإضافة إلى مؤسسات الأممالمتحدة، مقللا من تخوف السلطات من تمويل الهيئات المذكورة أنفا بقوله: “كان بإمكانها مراقبة تمويل الجمعيات بمجرد إخطار صاحبة الشأن”، مضيفا: “نحن نحضر لمجموعة من المقترحات سنضعها على طاولة الداخلية فيما يتعلق بقضية تلقي التمويل الخارجي”. وفي موضوع جديد ما حمله قانون06 / 2012 مقارنة مع قانون31 / 90، ثمن نواسة تحذير وزارة الداخلية للأحزاب السياسية من مغبة استغلال الجمعيات، مؤكدا بأن معظم التشكيلات السياسية كانت تستثمر فيها وفي وعاء التنظيمات في كل محطة انتخابية، وبأنها لا تزال تسعى إلى استقطابها وهو ما اعتبره بأنه إنحراف عن مسار العمل الجمعوي بالبلاد. رئيس جمعية جزائر الخير: “يجب تكييف القوانين مع مهام العمل الجمعوي” أشاد علي بن الأخضر رئيس جمعية جزائر الخير التي حصلت على اعتمادها في نهاية شهر جوان الماضي، بقانون الجمعيات الجديد الذي حمل على حد تعبيره تحسينات من الناحية القانونية، فضلا عن كونه حدد أكثر من سابقه طبيعة الجمعيات الوطنية والمحلية والجهوية من خلال المدة التي تستغرقها وزارة الداخلية والهيئات اللامركزية الممثلة في الولاية والبلدية في منح الاعتماد، بقوله: “تستغرق مدة دراسة ملف منح الاعتماد للجمعيات الوطنية شهرين والجهوية 45 يوما والولائية 30 يوما والمحلية 15 يوما”، بالإضافة إلى كونه وضح إجراءات تعامل مسؤولي الجمعيات الراغبة في إنشاء فروع لها بالخارج أو بالعمل مع نظيراتها الأجنبية ومع الجهات الداخلية للوطن والخارجية. واعترف رئيس جمعية جزائر الخير الاجتماعية الخيرية بأن قانون06 / 2012 لم يحقق مقترحات الحركة الجمعوية، مبرزا العراقيل التي تواجهها مع الإدارة وتسيرها الذي يربط العمل الخيري وعمل الجمعيات بترسانة القوانين، التي تشترط على مسؤولي الجمعيات الحصول على تراخيص ومبررات في حالة طلبها إقامة نشاط معين يصب في إطار طابعها، مطالبا بضرورة تكيف القوانين لمهام المجتمع مضيفا “نضطر في كثير من المرات إلى إلغاء برامجنا وخرجاتنا بعدما يتعذر علينا الحصول على مقر”. معضلة النقابات غير مفصولة عن الجمعيات تشدد مراجع على أنّ معضلة النقابات غير مفصولة عن الجمعيات، وتشير بيانات رسمية أنّ الجزائر بلاد أضحت تستوعب في النصف الأول من العام الجاري ما يربو عن 800 ألف جمعية معتمدة بينها 80 ألفا تنشط على مستوى البلديات والولايات، بينما تتوزع أخرى على مناحي نقابية، رياضية وجوارية. بيد أنّ المثير الذي يكشف عنه فعاليات تحدثت للسلام، أنّ ثلث هذه الجمعيات تنشط على الورق فقط، ما يستدعي مراجعات وتصحيح مسار وتكفلا من نوع مغاير للنشاط الجمعوي، الذي يتخذه البعض مظلة لاستنزاف الأموال وممارسة سلوكيات مشبوهة. ويرافع حسين خلدون الرئيس السابق للجنة الشؤون القانونية والحريات بالمجلس الشعبي الوطني، لصالح تأطير العمل النقابي والجمعوي على حد سواء، وإنشاء هيئة وطنية تكون بمثابة مجلس مختلط يضم ممثلي عن كل من الجمعيات المعتمدة والإدارة المركزية وكذا الوزارات، حيث توكل إليه مهمة تأطير الحركة الجمعوية ومنحها الاعتمادات، بالتنسيق مع المجلس الوطني الاجتماعي والاقتصادي. وشدد خلدون على تكفل المجلس الوطني الاجتماعي والاقتصادي الذي يرأسه باباس بالحراك الجمعوي بالبلاد، مقترحا أن تتحول الجمعيات ومختلف مكونات المجتمع المدني من نقابات وتنظيمات إلى فروع ل«الكناس” على غرار ما هو معمول به دوليا، أين ظهرت المنظمات الغير الحكومية التابعة لهيئة الأممالمتحدة، مستعرضا تجربة الدول الأجنبية والاتحاد السوفياتي، الذين راهنوا على أداء الجمعيات وجعلوها”بديلة” عن الأحزاب، حيث فتحوا المجال لنشاطها بعدما أثبتت مختلف التشكيلات السياسية فشلها في احتواء الشعب والاكتفاء بالالتفاف حوله عند المحطات الانتخابية. وعاد حسين خلدون للحديث عن مضمون قانون الجمعيات الجديد، بعدما اعتبره بأنه جاء كمحطة تقييمية لتقييم إفرازات جملة من اختلالات الجمعيات الغير المؤطرة والتائهة على حد تسميته لها، واصفا في تصريحاته ل«السلام” قانون 06 / 2012 بالمخيب للآمال، مضيفا: “كنا ننتظر منه أن يقضي على اختلالات قانون 1990 الذي فتح المجال لبروز أكثر من 90 ألف جمعية”، مستطردا: “جاء في ظروف الانفتاح الديمقراطي والسياسي” وخلق عدة إرهاصات عجزت الجمعيات المعتمدة عن أداء رسالتها بسبب انعدام الإمكانيات والوسائل، وتأتي في الصدارة بحسبه معضلة المقرات، مبرزا في سياق حديثه الفراغات القانونية التي استغلها بعض “الانتهازيين”، بعدما لجأوا إلى استئجار مقرات مؤقتة وخدمة مصالحهم ليقرروا بعدها توقيف نشاطات جمعيتهم التي تتسم بالموسمية، بالرغم من أن المنطق يستلزم أن تزول الجمعيات بزوال مقراتها. كما اعترف المتحدث باستحالة تمكن وزارة الداخلية من مراقبة نشاط جميع الجمعيات المعتمدة على المستوى الوطني لشساعة مساحة البلاد وعدد الجمعيات، متوقعا أن يرتفع تعداد الأخيرة في ظل القانون الجديد الذي يشجع في شقه الايجابي الجمعيات ذات المصلحة العامة، حيث تحضي بإعانات مالية من قبل الدولة في مقابل دفتر شروط على غرار الهلال الأحمر والكشافة الإسلامية. وفيما يتعلق بتأخر حصول النقابات كما الجمعيات على الاعتماد، أوضح خلدون بأن الإشكال لا يكمن في الاعتماد بل إلى النظام التصريحي، “من المفروض أن يكون تقديم ملف الاعتماد إلى الإدارة آخر مرحلة، بحيث يسبقه النظام الإعلامي للعمل الجمعوي المعمول به في الأنظمة الديمقراطية”واصفا الاعتماد بالعقد”الكاشف “ وليس “المنشأ”. واستحسن المتحدث ما تعلق بإعطاء الإدارة لراغبين في تأسيس جمعيات في تقديم طعونهم في حالة رفض الوصاية لطلباتهم، حيث يعتبر عدم ردها على الطلبات المودعة قبولا غير أنه ربط استحسانه بإصدار السلطة لمراسيم تنفيذية وتنظيمية توضح من خلالهما بعض النقاط المبهمة بالقانون 06 / 2012. دروس الشوط القادم يرى مراقبون أنّ تمكّن النقابات المستقبلة، من تعبئة الشارع في كل مرة، يؤشر على تنامي مدها، ويفرض على الحكومة مد الجسور مع هؤلاء النقابيين، والتحاور معهم بشأن ما يلف أجور الموظفين وتحسين مقدرتهم الشرائية والمشاركة في إعداد القوانين الاساسية والأنظمة التعويضية لمختلف القطاعات، ويدرك متابعون لوضع الجبهة الاجتماعية، مدى حساسيته في أعقاب تسريح 46 ألف عامل ينتمون إلى 174 مؤسسة عمومية، بينهم 1200 عامل في قطاع مواد البناء والخشب، وهو مصير ترفضه النقابات المستقلة وترى فيه تهديدا ل«السلم الاجتماعي” الذي طالما تغنت به السلطات، بجانب لجوء الأخيرة إلى غلق مؤسسات تعتبر النواة الاقتصادية الوحيدة في الأماكن النائية، والعملية ستؤدي لا محالة إلى مضاعفة معاناة تلك المناطق المعزولة برفع معدل البطالة والغبن الاجتماعي. وصارت الإضرابات مدعاة للرثاء والغضب لدى الكثير ممن رمت بهم مخططات الخصخصة خارجا، أو من هم يستعدون للانخراط في فصيل البطالين الجدد، على نحو زاد من تفاقم معدلات البطالة، أين صار عدد البطالين في حدود 1.672 مليون شخص أي بنسبة%17.7 من السكان النشطين، علما أنّ 73.3 بالمائة من الأشخاص الذين مستهم البطالة، لا تتجاوز أعمارهم 30 سنة، من بينهم 71.8 بالمائة رجال و80 % نساء. وقد تشهد المرحلة القليلة القادمة، تصعيدا احتجاجيا من طرف النقابات المستقلة التي تنوي الذهاب بعيدا في مساجلاتها مع الحكومة، بما في ذلك خيار الإضراب المفتوح الذي سيكون في حال تجسيده الحلقة الأعنف للغليان النقابي، حيث يعيش الشارع المحلي على أعصابه، بسبب الضغط المتولد عن الدوامة المعيشية المستمرة التي جعلت الموظفين البسطاء في حيرة من أمرهم تبعا لمحدودية قدرتهم الشرائية، هؤلاء أغضبتهم المفاجأة السيئة، ما يعني إرغامهم على المزيد من “شدّ الحزام”، فالمتطلبات كثيرة والأسعار لا ترحم. ودفع إعلان الحكومة مؤخرا عن اعتزامها رفع مجدد لأسعار استهلاك الكهرباء والغاز، إلى نشوب قلق عارم في وسط العمال إزاء معضلة إيجاد توازن بين رواتبهم التي تنتظر استفادتها من زيادات، وبين تغطية قدرتهم الشرائية المتدنية أصلا بمفعول المواد الأكثر استهلاكا، وبات الجزائريون يطرحون تساؤلات عن جدوى الزيادات المحدودة للرواتب، طالما أنّ الحكومة سترفع بالتزامن أسعار الكهرباء والغاز قبل نهاية العام، ما يبقي دار لقمان على حالها، ويعيد جدلية جحا الشهيرة حول القط والشواء، لأنّ ما أعطي باليد اليمنى، سيجري أخذه باليسرى!.