في بلد تطغى عليه “الكرنفالية" و"المناسباتية"، لا تزال الثقافة الغائب الأكبر في البلديات، وهو ما وقفت عليه “السلام" في معاينات ميدانية تبرز أنّ ما تزخر به منظومة الثقافة واجهاتيا، محض بهارج خادعة في بلد يمتلك ما يربو عن 86 مهرجانا وعدد غزير من الصالونات والمنتديات وووو، إلاّ أنّها لم تشفع بتحقيق انتعاشة في الجزائر العميقة. المثير للتقزز، هي هيمنة روح الاهمال من لدن عموم السلطات البلدية، ويتهم سكان مناطق زارتهم “السلام” الأميار بتغييب الجانب الثقافي وإسقاطه من الأجندات الرسمية، في وسط يشهد تذبذبا كثيرا ما يبعث بالتشاؤم، مما يجعل رؤساء البلديات في خانة “المتهمين الأوائل”. القصبة.. راهن ثقافي مجهول تعد بلدية القصبة واحدة من أعرق البلديات التي تحتوي على موروثات ثقافية هامة تجعلها قبلة سياحية لكل من يرغب في اكتشاف الإرث الحضاري والثقافي القديم، الذي يحكي تاريخ حضارات عديدة خلت كالقصور العشرة والتصميم العمراني للمدينة ككل، إلا أن هذا الكنز لا يعني الكثير للقائمين على البلدية -حسبما يبدو- حيث أجمع المواطنون أن النشاطات الثقافية تنحصر في البرامج التي تنظمها الوزارة أو محافظة الثقافة بينما القائمون على البلدية يسبحون في واد آخر تماما، نظرا لتخبطهم في مشاكل داخلية تجعل الجانب الثقافي آخر همهم، وهو ما تأكد لنا جليا من خلال جولتنا الاستطلاعية إلى البلدية قصد التعرف على البرامج الثقافية والآفاق المستقبلية هناك أين أعطي لنا موعد مغلوط لمقابلة رئيس مصلحة الشؤون الثقافية، والذي اتضح في اليوم الموالي أنه لا وجود لرئيس مصلحة أصلا، وما فاجأنا أكثر أنه ما من أحد أمكنه إفادتنا، حتى رئيسة البلدية التي لم نقابلها أصلا نظرا لسوء الأوضاع- كما قيل لنا- أوضاع تودي إلى مصير ثقافي لبلدية عريقة تعد رحما أنجب العديد من الفنانين أمثال..، نحو طريق مظلم إذا لم يتم تدارك الوضع بشكل فوري. براقي.. هوان وكبت خلال الجولة الاستطلاعية التي قادتنا إلى بلدية براقي، أكد العديد من المواطنين أن البلدية تفتقر للنشاطات الثقافية نظرا لعدم وجود مرافق أو نواد فكرية تستقطب الشغوفين بمختلف الفنون، حيث أفاد بعضهم أن مواهبهم مكبوتة نظرا لعدم وجود فضاء مناسب للتنفيس عنها، كما حملوا المسؤولية للقائمين على البلدية. من جهته أكد شافعة عز الدين، رئيس بلدية براقي، أن الجانب الثقافي مدرج ضمن قائمة الأولويات نافيا بذلك كل اتهامات المواطنين بقوله: “الوضع الثقافي يشهد تحسنا ملحوظا نظرا للمجهودات التي تقوم بها البلدية في هذا المجال.. خلال عهدتي التي استلمتها منذ 2008، تم إنشاء العديد من المرافق من خلال تدشين مكتبة البلدية تزامنا مع الذكرى الخمسين لاستقلال البلاد والمجهزة بأجهزة الإعلام الآلي والكتب القيمة إلى جانب مكتبة بن طلحة، التي احتضنت مؤخرا تظاهرت قراءة في احتفال، إضافة إلى الأسبوع الثقافي لمسرح الغد الذي تحييه البلدية كل سنة والذي يقدم مسرحيات للكبار والصغار، كما نقوم بدعم مختلف الجمعيات وأضاف شافعة أن البلدية تدعم كل من يعمل على تفعيل النشاط الثقافي وتمثيل ثقافة براقي عبر مختلف المهرجانات، ولذلك -يقول المتحدث-”هناك منتوج ثقافي معتبر فالبلدية تتوفر على طاقات شبابية تعمل على إثراء القطاع الذي تدعمه البلدية بكل أنواع النشاطات الثقافية على مستوى البلدية”. أما عن المخططات المستقبلية، أكد رئيس البلدية أنه تم تسطير برنامج لإنشاء مراكز ثقافية في كل من بن طلحة، وحوش الميهوب لاحتضان مختلف المعارض، المسارح، وغيرها من البرامج، وعن افتقار البلدية لقاعات السينما أفاد شافعة أنه بصدد البحث عن أرضية لإقامة قاعة العروض. الأربعاء وصرخة السياسة الثقافية يعرف الوضع الثقافي ببلدية الأربعاء -إحدى أقدم وأكبر دوائر ولاية البليدة- حالة من التقهقر الثقافي يصفه سكان المنطقة بالرديء والمتدني، حيث أنها لم ترق بعد للمستوى اللائق بمعنى النشاط الثقافي الحقيقي – حسب رأي القائمين عليها والقاطنين بها- الذين يرفضون الاكتفاء بارتشاف بعض القطرات من حافة فنجان الثقافة، خاصة وأن هذا المفهوم بات مبهما لدى أغلب سكان المدينة، حيث أجمع معظم من قابلناهم أن الثقافة مازالت تسير بخطوات متباطئة، مرجعين السبب إلى قلة النشاطات الثقافية المنحصرة مابين ما تبرمجه جمعية العلماء المسلمين، من مسابقات فكرية وأدبية ومعرض للكتب، أو نشاطات دار الشباب، مستبعدين تماما المركز الثقافي الذي يعتبرونه هيكلا بدون روح، كما أن القائمين على هذا الأمر لم يجدوا بعد السبيل لإقناع السكان بالتجاوب مع النشاطات القليلة التي تقام، فالتجاوب الأكبر يكون فقط مع حفلات الغناء الشعبي التي تبرمج خلال شهر رمضان. للوقوف أكثر على واقع الثقافة ببلدية بني موسى -كما كانت تسمى سابقا- توجهت “السلام اليوم” إلى أهم المراكز الثقافية بالمدينة، حيث اتخذت من مقر البلدية أول محطاتها، للاستفسار عن محل الثقافة من مشاريع دار البلدية، وهو ما حاول الإجابة عنه محمد الحاج لونيس، الأمين العام للبلدية الذي صرح أنه لا يمكنه القول أن الوضع الثقافي بالمدينة ممتاز ولا يشوبه غبار،لأن الواقع يقول عكس ذلك، إلا أنه قال أن الثقافة تعرف نموا تدريجيا وما تحتاجه هو إعادة النظر ووضع مخطط محكم لإعادة إحياء وإثراء هذا المجال، والذي لا يتم إلا تحت إشراف رجل محنك مازالت البلدية لم ترق إليه سبيلا، كما أشاد بدور فرع جمعية العلماء المسلمين في محاولة إنعاش هذا الجانب الهام. المؤسسات التربوية في قفص الاتهام من جهته أكد حميد شرقي، مدير دار الشباب ببلدية الأربعاء، أنّ انحطاط الوضع الثقافي في المدينة، راجع إلى عدم الاهتمام بالمواهب وإهمالها، حيث أعاب المسؤولون على المؤسسات التربوية الذين لا يكلفون أنفسهم عناء التعريف بالمواهب المختلفة التي تحتضنها المؤسسات التربوية لتترك حبيسة بين جدرانها الضيقة، وأضاف قائلا: “تحتوي المدينة على مواهب عديدة سواء كان ذلك في مجال الفكر، الرسم، الشعر، المسرح وغيرها، من شأنها رفع المستوى الثقافي والارتقاء به بعيدا، لتكون الثقافة في الأربعاء جديرة بخوض أهم المنافسات، وأغلب هذه المواهب تكتشف داخل المؤسسات التربوية والتي من المفترض أن يبادر المسؤولون هناك بالتعريف بها كالاتصال بدار الشباب أين يتم صقل هذه المواهب والعمل على إخراج إبداعاتهم إلى النور، وهو الأمر الذي لا يمكننا تحقيقه طالما أن القائمين على المؤسسات لا يتعاملون معنا للتكفل بهذه المواهب”. وفيما يخص مساهمات دار الشباب في إنعاش الإبداع في المدينة، قال شرقي “أنه كمسؤول يعمل جاهدا على دعم المواهب والتكفل بالقدرات الفنية والأدبية من خلال توفير كل الظروف لطرح إبداعاتهم، سواء تعلق الأمر بالفضاءات اللازمة أو الإمكانيات المادية وحتى المعنوية كتهيئة الجو الملائم والعمل على الرفع من معنوياتهم وتشجيعهم، وعلى هذا الأساس أكد أن دار الشباب تفتح أبوابها دائما لكل من لديه موهبة في أي مجال ولكل من يرغب في التكوين. وقد أشار شرقي إلى أن أهم مشكل يعاني منه المركز، يتمثل في غياب المؤطرين ما أدى إلى نقص الفرق الفنية، وفي هذا الشأن أوضح المتحدث: “بما أن البلدية تفتقر إلى مؤطرين أكفاء نجد أنفسنا مجبرين على التعامل مع أساتذة من ولايات أخرى، إلا أنهم يرفضون العمل معنا نظرا لبعد المسافة رغم أننا نوفر أماكن المبيت على مستوى المركز، وهو ما يترك العديد من النشاطات عالقة وبعضها يبقى مجرد أفكار تفتقر لمن يجسدها”، كما صرح أن المركز يهدف إلى تكوين فرقة الطرب الأندلسي، حيث تم تجهيز كل العتاد اللازم للفرقة، إلا أن المبادرة لازالت جامدة نظرا لعدم التمكن من توفير مؤطر في هذا المجال. القبة والمراهنة على وثبة الجمعيات الثقافية أكد رمضان عجايلية، رئيس بلدية القبة، أنه يركز بشدة على تفعيل وإنعاش الجانب الثقافي الذي يعتبره من الأمور الضرورية التي يجب الالتفات إليها، خاصة وأن الفئة الغالبة بالمدينة تعد من النخبة المثقفة، وأفاد أن المنطقة تعتبر خزانا للأدمغة والمثقفين بدليل كثرة المؤسسات المنتشرة والمتمثلة في 28 ابتدائية، 10متوسطات، 7ثانويات، إضافة إلى جامعتين ومركز للتكوين المهني، و3 دور شباب، وأفاد عجايلية الذي استلم منصبه كرئيس للبلدية منذ أشهر قليلة، أنه مستعد لتقديم الدعم المادي والمعنوي للجمعيات التي وصفها بالقليلة، وبهذا الصدد قال: “انتعاش الصرح الثقافي يحتاج إلى تكوين جمعيات في المجال والانخراط فيها، لأنها تعد العصب المتحرك للثقافة، ودور البلدية يكمن في دعم هذه الجمعيات”. وعن المشاريع الثقافية المنجزة خلال عهدته أفاد عجايلية، أن النشاطات تسير عبر المركز الثقافي الحديث النشأة، والمكتبة حيث ستدعم البلدية بأخرى من خلال تحويل الكنيسة المتواجدة مقابل دار البلدية إلى مكتبة، فيما يجري بناء مكتبة جديدة والتي قطع شوط الأشغال فيها نسبة 50 بالمائة، من جهة أخرى تم الإعلان عن مناقصة لتهيئة قاعة السينما”سيرتا” التي أغلقت منذ أكثر من 20 سنة، لتستعيد نشاطاتها السابقة واحتضان المحاضرات، وعروض للأطفال، حيث خصص لها غلاف مالي قدر ب6 ملايير. أما فيما يخص المشاريع المستقبلية صرح عجايلية، عن فكرة التوأمة بين الولايات لغرس التبادل الثقافي، كما تعمل البلدية على حماية الموروث الثقافي من خلال تسمية مختلف المنشآت على أسماء فاعلين ثقافيا مثل قاريدي نسبة للولي الصالح قاريدي، إلى جانب مشاريع أخرى لم تدرس بعد.