يفصّل المجاهد قاسم كبير من شهادته، ومن موقعه كعضو سابق في المجلس الدستوري، طبيعة الأزمة الدستورية الحادة التي دخلت فيها البلاد ومؤسسات الدولة بسبب استقالة الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، ويتحدث عن ظروف تلك الفترة والنقاشات التي كانت مفتوحة، والصيغ التي كانت مطروحة في هرم السلطة ودوائرها الخفية للخروج من الأزمة. ويكشف عن تفاصيل زيارته لشيوخ الفيس في السجن، وما دار بينهم من حوار خلف الأبواب المغلقة. هل تدخل المجلس في حالة الفراغ القانوني التي أحدثتها استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد في جانفي 1992؟ كان هناك فراغ قانوني في الدستور يتعلق بحالة استقالة الرئيس، فلم يكن هناك تحديد لمن يحل محله أو كيف تسير الأمور الدستورية. كان المنصوص عليه في الدستور حالة الوفاة أو مرض مزمن، أما حالة الاستقالة فلم يكن منصوص عليها أبدا. لذلك وقعنا في أزمة دستورية وأزمة مؤسساتية كبيرة جدا أثرت على مسيرة البلاد بشكل لا يمكن تصوره بسبب استقالة الشاذلي. ولهذا اجتهد المجلس الدستوري في أهداف المشرّع وركز على مصلحة البلد العامة ومصلحة الاستقرار. واستطاع من خلال فهمه لروح الدستور أن يصدر قرارا يعطي بموجبه الحق لمجلس الأمن في الإشراف على تسيير أمور الدولة، إلى حين نهاية الفترة الدستورية للرئيس المستقيل. في تلك الفترة تزامن حل البرلمان مع نهاية عهدته والدخول في انتخابات أخرى وإنجاح الدور الأول. وإن كان الدستور ينص على أن رئيس الجمهورية، في حالة المرض المزمن أو في حالة الموت يخلفه رئيس البرلمان، فإن البرلمان قد حل وانتهت مهمته وفي هذه الحالة شرعية الدولة انتهت. لكن بقيت هذه المؤسسة التي أضفت هذه المشروعية بقرار أعطى لمجلس الأمن الذي مازال يتمتع بشرعيته، الحق في السهر على الحفاظ على الدولة وأمنها وتسيير المؤسسات إلى حين إيجاد حل للأزمة الدستورية. فمثلا وزير العدل، ووزير الداخلية، ورئيس الحكومة كانوا موجودين، وهم من يكون مجلس الأمن في الحالات الطبيعية. هل أشعرتم باستقالة الرئيس قبل إعلانها، لأن البعض يتحدث عن تاريخ سابق للاستقالة قبل إعلانها الرسمي؟ لا أتصور. أخطر المجلس الدستوري يوم استقالة الرئيس لأن الاستقالة غير منصوص عليها في الدستور. كان هناك صراع قوي وضغط كبير وهذه الأزمة طغت على عقول الناس، وهنا تكمن الخطورة التي كنت أخشاها. وأصبح السياسيون