أغنية الراي الموجة الفنية التي سطع نجمها ذات يوم في سماء الغرب الجزائري، استطاعت بفضل طابعها المميز النابع من زواج بين وقع الموسيقي العصرية الذي يعتمد على الآلات الموسيقية الحديثة ومدّحات الشعر الملحون، أن تعبر القارات وتبحر في أذواق الشعوب المحتفلة وتغزو أغلب المجتمعات في العالم. الراي نوع من الغناء استمد اسمه من الكلمة العامية "الرأي"، وهو طابع موسيقي غنائي ظهرت بعض جذوره بمدينة بلعباس ليتطور لاحقا ويترعرع في مدينة وهران عاصمة الغرب الجزائري، لما تتميز به هذه المدينة من أماكن للسهرات والليالي الملاح. بداية ظهور أغنية الراي كانت على يد شيوخ وشيخات الأغنية البدوية، والأغنية البدوية هي التي تكتب بالعامية أو باللهجة الجزائرية القريبة من اللغة العربية في شكل شعر ملحون قابل للتلحين وكانت تأخذ جل مواضيع الراي في تلك الفترة من جانب المواضيع أو الكلمات من المديح الديني وأحيانا تعكس المشاكل الاجتماعية التي كان يعيشها الجزائري في تلك المرحلة، حيث كانت لسان حال المجتمع الجزائري خلال فترة الاستعمار الفرنسي فكان القوال الذي يقول الشعر أو الشيخ الذي يغني يسرد مآسي السكان من صعوبة للمعيشة وآفات اجتماعية كتنفيس وتعبير. ..بداية الراي كانت على شاكلة سوق عكاظ بدايات فن الراي أسسها شعراء برزت أسماءهم منذ القرن الثامن عشر بالجزائر لا سيما الشاعر مصطفى بن براهيم المولود عام 1800 والمتوفى عام 1867 وتميزت نصوصه بالجرأة والعبارات الموجهة ومن أشهر قصائده المتغنى بها ( سَرَجْ يا فارس اللطام) التي غناها الراحل أحمد وهبي وأعادها المطرب بلاوي هواري، إلى جانب أغنية ( قلبي تفكر لوطان رحالة) التي غناها المرحوم خليفي أحمد. وكانت مدينة سيدي بلعباس السباقة في تطوير الراي، حيث كان أول مغني هو أحمد زرقي والشاب دريسي العباسي وسطع اسم المغني بوطيبة الصغير الذي أعطي أغنية الراي طابعا مختلفا وكلمات شعبوية ومن أشهر أغانيه (انا وشتا جابني كنت مهني في دارنا)، التي اشتهرت كثيرا في فترة السبعينيات. في ثمانينات برزت للساحة الفنية الرايوية فرقة" راينا راي" التي تأسست بمدينة سيدي بلعباس واستطاعت من خلال أغنيتها " يازينة سربي لاتاي " أن تطرق باب العالمية وتجلى من الراي نمط غنائي مميز يمكنه منافسة كل الأنماط المعروفة في تلك المرحلة مثل النمط الشطايفي والقبائلي والشاوي . تطور بعدها فن الراي في وهران وهي من أشهر المدن التي نما فيها، وحاليا موسيقى الراي منتشرة في كامل الجزائر وتسمع في دول الشمال أفريقيا وغرب أوروبا وكامل أرجاء المعمورة فما حققه الشاب خالد بأغنيته "د ي دي "لم يحققه أي عملاق أخر في العالم العربي. لقد حقق الراي قفزات معتبرة بفضل حناجر العديد من المطربين من أمثال الشيخة الريميتي والشيخ بلمو بعد أن أصبح القالب الموسيقي الأقرب الذي يعبرُ عن أمال الشباب الجزائري ومشاعره، ولأنه تطور وأضيفت إلى آلات الغايطة والبندير آلة الساكسو والسنتي وبدخول عديد الآلات الموسيقية العصرية انتشر أكثر وضمن له مكنا جميلا في نفوس الجماهير الجزائرية والمغاربية والعربية والعالمية. الراي من أعراس وهران إلى أكبر القاعات في العالم خلال السبعينيات وجد الراي مناخا خصبا نمى فيه بفضل انتشاره في حفلات الأعراس ووهران مدنية الكورنيش الجميل الذي أسس بذورا جديدة لفن مهما قيل عنه فإنه مسموع ومحبوب وله جمهور واسع يتقبله في شكله القديم والجديد المتقولب والمتغير بالرغم من أنه في تلك الفترة كان محضور في بعض المناطق كالشرق الجزائري والعاصمة وحتى في الإذاعة والتلفزيون بسبب كلماته. ساهمت الملاهي الليلية بوهران إضافة إلى أعراس المنطقة الغربية للجزائر في انتشار فن الراي، ونظير شهرته الواسعة تفطنت له شركات بيع الكاسيت آنذاك فساهمت هي الأخرى في رفع أسهمه بسوق الكاسيت، خصيصا بعد تحسن ألفاظ كلمات الأغاني بظهور الشاب حسني. لقد أدخل الشاب حسني أغنية الراي إلى البيوت الجزائرية بمختلف المناطق نتيجة كلماته الراقية والحساسة والتي لعبت على أوتار أحاسيس الشباب فكان علامة فارقة في الغناء، في الثمانيات سطع نجم فرقة راينا راي التي ينحدر أفراد فرقتها من منطقة بلعباس وساهمت حصة بلاد ميوزيك في دفع المنتوج الفني. في أوائل التسعينيات هاجر كل من الشاب خالد ومامي ونصروا وعباس وعديد الأسماء الشبابية القوية إلى فرنسا واستقروا هناك هربا من الأزمة الأمنية التي كانت تهدد حياة كل المثقفين والفنانين وأعادوا إطلاق ثورة الشاب حسني مما ساهم في انتشار هذا الفن الى أوروبا التي استقبلته وتقبلته بعدما مزج هؤلاء موسيقاهم بطبوع أخرى كالراب والريقي والشرقي والكلاسيكي. وفي عام 1992 انطلق الراي انطلاقةً صاروخية بصدور ألبوم للشاب خالد الذي حمل أغنيته دي دي التي احتلت في ظرف وجيز المراتب الأولى في سباق الأغاني في أنحاءٍ عدّةٍ من العالم الأوروبي والعربي. الراي تحول بعدها وعاد ليظهر في شكل جديد مع بداية الألفنيات، حيث أصبحت تنتقده عدة مدارس بسبب الكلمات الهابطة التي أصبح يغنيها اغلب المطربين، خصوصا اللذين ظهروا مؤخرا فكلمات الشاعر مصطفى بن ابراهيم غابت وحل محلها كلم فاحش وغير اختلاقي والأكثر من هذا عنيف فبين: سَرّجْ يا فارس اللْطام ...للبهجة روح يا خليلي تُوصَلْ مرخوفة الحزام.....في وهران ساكنة غزالي وأغنية واي واي، وراهي لاصقة، وقلبي وقلبك عند البوشي معلقين فرقٌ شاسع يعكسُ تدني مستوى هذا الفن العريق كلمةً وأداءً ورنةً وهو ما تأسف له كبار فنه وحتى المجتمع الجزائري، كلمات مصطفى بن ابراهيم حتى ولو كانت جريئة في ذلك الوقت لكنها كانت راقية وتعكس تقديسه للجمال وللمرأة بطريقة لبقة لا كأغاني الراي اليوم التي تسوق لصورة غير أخلاقية للمرأة والحب. طريق lycee ويا دلالي، يا حبيبي يا دلالي، حملمة لخالد راقية الموسيقى والأداء والنغم والمقام وصعد العيطة تصعدُ معه أنفاس المستمع، والدربوكة تغازل الاكتاف وباقي الجسم. واه، لما يطلع بها الشاب خالد في أغنية " بقيت نحلف " وأغنية " ميمتي جاك النعاس أنا ما جاني ...عهدُ مع المواج والبحة والسفر -الطلعة الأولى لأغنية " ما نصبرش بلا بيه" للزهوانية موعد مع الرقص الروحي لا الجسدي فقط وطلعة مامي في أغنيته "دان داني داي ماكنتش حاسبك كيما هاك تعشقي وتبطلي، رشفة روح ول دعا فيها كاتبها ومؤديها زرقاءه للدار وعدد عدد خاناتها لكنها جاءت مهذبة، حتى أنه يجوز لك أن تمزح بها في مجمع مستدلا بكلماتها يالشيباني جري لبنتك راهي حالة دونجي ومواويلها وحنية الصوت. وهبي في جار الهم عليا وكيف يبدا حلم مع انطلاق مطلع موسيقاها وتقاسيم العود في مطلع أغنية طال عذابي وطال نكدي خويا كي راني للشاب خالد ولا أروع أغاني الشيخة الجنية مدهشة مشاهد افتتاحية تثير الفضول والفرحة أحيانا كلمات ماكرة لكنها معبرة ولها بعد الشيخة الجنية صاحبة الصوت المتمزق الأتي من غرب الجزائرغنت في أعراس الملايين عن اللذين يتفنون في الغدر فباعوا البلد والإنسان، لكن الزمن تغير ومعه تغيرت اذواق الناس واتخذت الكلمات في أغاني الراي تحديدا حتى لا نقول الشعر شكلا عنيفا على شاكلة أغنية نقطعك ونبشك، كلمات تُنمُ عن ذوق الكثير من الفئات في المجتمع الجزائري، فقد تغير المجتمع الجزائري في أسلوب تعامله وكلامه ولغته وأدوات الاتصال. وجاء فن الراي ليشكل عاملا من عوامل هذا التغيير السلبي لما له من تأثير في مجتمع أغلب فئاته العمرية شباب بفعل الإحباط والاكتئاب أصبح يهتم فقط بريتم وموسيقى الأغنية ولا يكترث للكلام وهذا ما يجرنا للسؤال التالي: هل الإحباط والبطالة واليأس مبررات لهبوط الذوق ومدعى لتذوق الكلمات الركيكة، وبمعنى آخر هل الهبوط بالذوق الذي يؤثر في سلوكات الناس وطبائعهم هو نتيجة حتمية، والجيد هو حالة ترفية مرتبطة بوضع اجتماعي معين، أم أن الغناء الحالي هو انعكاس صادق للفحالة الاجتماعية لأنه يعبر عن ثقافة المجتمع وبالتالي هل نعيب المغنيين ومفرداتهم أم المجتمع وتركيباته.