ظاهرة تفشت بشكل ملفت مؤخرا في ولاية بومرداس وصنفت في كفة التجارة الموازية والأنشطة المعمول بها في الأسواق السوداء، الأمر يتعلق باحتكار عصابة في الولاية لتجارة اللحوم البيضاء وتحكمت حتّى في نشاط الأسواق القانونية من حيث الأسعار وكمية المنتوج. تشهد ولا تزال بلدية تاورقة أقصى شرق ولاية بومرداس تزايدا مشهودا وانتشارا واسعا للمذابح الفوضوية والتي تستغل لذبح الدواجن واستغلالها في سوق اللحوم البيضاء، إذ يوجد بها أزيد عن 15 مذبحا موزعة عبر عدة مداشر أهمها: قريتا كل من بوحباشو ولغداير وغيرها.. فمعظمها لا تحوي على سجلات تجارية ولا تخضع بدورها إلى سلطة رقابة الجودة، فهي تعتبر من الأنشطة الفلاحية الموازية والمستغلة في السوق السوداء، حيث امتد نشاطها في التوزيع إلى عاصمة الولاية بومرداس وتتعداها إلى الولايات المجاورة كالجزائر العاصمة، تيزي وزو، البليدة، المدية، وغيرها.. كما تُعدُّ الممون الأساسي لبعض محلات الأكل السريع والمطاعم والمؤسسات الخاصة وأخرى، نظرا لطبيعة المنطقة ذات الصبغة الفلاحية، وتعتبر تربية الدواجن من الأنشطة ذات الانتشار الواسع بالبلدية يمتهنها عدد كبير من المربين والمستثمرين في مثل هاته المجالات.. لكن ومن جهة أخرى ومازاد الوضع تأزما الروائح الكريهة الناجمة عن الفضلات المترتبة وبقايا الدجاج والدجاج الميت والذي يتم التخلص منها برميها في الطرقات والشعاب والأودية لغياب أمكنة مخصصة لذلك، ومن جهتهم طرح السكان مشكل صمت السلطات الوصية لوضع حد لمثل هاته التلاعبات بصحة المواطن والتصرفات اللامسؤولة لبعض المسؤولين ممن يدرون أشد دراية بالوضعية التي يتم من خلالها هذا النشاط، واعتبروها تواطؤا مشروعا واتهموهم بالتستر على أصحاب النفوذ لتكون بذلك المصلحة فوق جميع الاعتبارات الصحية والإنسانية على حد سواء، ما أدى في عديد من المرات الى استنفار غير مسبوق من طرف المواطنين الرافضين لمثل هذه السلوكات اللاحضارية كغلق المفرغة العمومية المتواجدة على مستوى البلدية وتحرير عدة دعاوى للمحاكم وغيرها.. وكل هذا سببه غياب الرقابة على مثل هذه الأنشطة التي تهدد صحة المستهلك ونظافة البيئة معا. نشاط تحت أجنحة الظلام وتسويق قبل خيوط الفجر تبدأ الرحلة بالبحث عن شراء المادة الأولية ومحلها مربو الدواجن ذوو الانتشار الواسع بالبلدية، ومنها الدجاج الموجه للاستهلاك والديك الرومي المطلوب لدى محلات الأكل السريع والمطاعم المجهزة لخدمة الشوارمة أو الشواء وغيرها، أو ما يصطلح عليها بمحلات "الفاست فود"، ثم تليها عملية انتقاء السلعة ولكل صنف ثمنه الخاص، يتم الاتفاق البائع والمشتري حول السعر المخصص لذلك، فالدجاج السليم والسمين يتربع على أثمان يفرضها المربي مع مراعاة التكاليف والمصاريف المترتبة على تربيته للدواجن، وبعد أن يتم التراضي ويترسم القبول يتم تعبئة السلعة في حاويات خصصت للغرض نفسه، لتنقل بعدها عبر سيارات نفعية باتجاه المذابح المتواجدة والموزعة معظمها في الأحياء السكنية على شكل محلات أو غرف خاصة بذلك، ويعمل على تهيئة السلعة طاقم عمالي من شباب الحي أو القرى المجاورة، يستقر نشاطها في الساعات الأولى من الليل وتستمر حسب الكميات المطلوب تجهيزها وتوفيرها إلى غاية الفجر. محمد أمين من بين هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم بين أحضان واقع أجبره على ربط الليل بالنهار من أجل مواجهة متطلبات الحياة على الرغم من أنه جامعي فهو بطال لم يجد من قساوة البحث عن شغل سوى الرفض والتعنت والصد من كل باب، لأجل ذلك امتهن الكثيرون أمثاله حرفة ما يسمى بالعامية "ترييش الدجاج" لسد رمق العائلة وهي حسبه المهرب الوحيد الذي يمكنه من تلبية القليل من حاجيات النهار من عمل الليل المتعب والشاق، هو روتين يومي يعيشه محمد أمين مع أقرانه، ليستكملوا مع كل فجر جديد المهمة بنقلهم للسلعة عبر سيارات نفعية إلى الأماكن المطلوبة. موزعون يحفظون كل الطرق المختصرة هروبا من شبح التفتيش مهمة الليل لا تخلو من المخاطر والمواجهات، ومهمة التوزيع هي الأخرى تستلزم العمل بحالة الطوارئ، كونها تتم بطريقة غير قانونية، دون سجلات أو بيانات رسمية.. الموزعون يخرجون عبر مسافات بعيدة لتوزيع سلعتهم ليجدوا أنفسهم في مواجهة مراكز التفتيش، مما يضطرهم في كثير من الأحيان إلى تغيير المسار ومحاولة البحث عن نقاط أو ممرات مختصرة، قصد الإفلات والتنصل من الحجز والتوقيف والمصادرة من طرف الأجهزة الأمنية، لذا فهم يتقنون ويعرفون ويحفظون جميع الطرق والمختصرات التي تجنبهم مصيرا قد يكون محتوما في كثير من المرات، فأما حجز للسلعة أو مصادرة المركبة أو كلاهما معا.
سلعة تحت رحمة الحجز وشاحنات رهن الوقف وصحة المواطن تحت الخطر
مثل هذه الأنشطة غير القانونية لا تتوافق مع الشروط المعمول بها لسلامة وصحة المستهلك والسلامة الصحية وانعدام التراخيص التي تودع لدى مراكز العبور والممرات التفتيشية.. كل هذه المرافعات والتبريرات يتم سماعها كلما وقع هؤلاء الموزعون في أيدي الأجهزة الأمنية بفحوى غياب الشروط اللازمة لمثل هذه الأنشطة التي تعد من المواد سريعة التلف والتي تلزمها تجهيزات خاصة كمكيفات التبريد أو المراقبة الصحية من طرف المصالح المؤهلة.. ليبقى المواطن في ظل كل ما سبق ذكره الخاسر الوحيد والأكبر، نظرا للمخاطر الصحية التي يُعرض لها في ظل تفشي ظاهرة الاتجار غير القانوني والفوضوي للحوم البيضاء.