سجلت أسعار اللحوم الحمراء ارتفاعات قياسية ولم يعد ذلك مرتبطا بالمواسم والمناسبات الدينية فقط، بل صارت أمرا مفروغا منه ما انعكس على حجم استهلاك المواطنين لهذه المادة أين صار للقصابات زبائن معدودين ومن نوع خاص، فيما لا يقصدها المواطنون العاديون إلا للضرورة القصوى لأخذ القليل من اللحم. وفي الوقت الذي يعتبر فيه اللحم من الكماليات الغذائية عند الكثير من الناس، لازال العديد من الجزارين يبررون الارتفاع المحسوس للأسعار بقلة الكمية المعروضة. في جولة قادتنا إلى بعض القصابات بأسواق العاصمة وقفنا على واقع استهلاك اللحوم عند المواطنين أين كانت أسعار لحم البقر تترواح بين 700 إلى 1000 دينار للكيلوغرام الواحد بالسوق الشعبي لعين النعجة، هذا ويختلف الفارق من سوق إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى، حيث وصل سعر الكيلوغرام الواحد من اللحم البقري إلى 1500 دينار بسوق رضا حوحو بالعاصمة ونفسه تقريبا في الأبيار، أما ما تعلق بلحوم الغنم فقد بلغ سعرها ال1000 دينار بسوق عين النعجة، في حين زاد بأسواق أخرى من العاصمة. دخلنا أحد محلات بيع اللحوم بميسوني بالعاصمة فكان المحل فارغا من الزبائن باستثناء إحدى النساء التي تقول أنها قدمت لشراء بعض الشرائح من اللحوم الحمراء، حيث تؤكد أنها اضطرت إلى ذلك، كونها تعاني من فقر الدم ما يتطلب منها التزود بالعناصر الغذائية الضرورية خاصة اللحوم، أما مواطن آخر فأكد بدوره أنه لا يدخل إلى القصابة إلا لشراء كمية من اللحم المفروم فاستهلاكه وعائلته للحوم الحمراء بات نادرا، إذ يفضلون البيضاء كونها أقل سعرا، موضحا في نفس السياق أن استهلاك اللحوم يؤثر سلبا على مدخول الأسرة أمام كثرة مصاريفها يعلق قائلا: «لم يعد الارتفاع الجنوني في أسعار اللحوم الحمراء حكرا على مناسبات دينية محددة، بل شمل سائر الأيام ما جعل الكثير من المواطنين يستغنون عنها رغم أهميتها الغذائية»، وفي الوقت الذي وجد بعض المواطنين البديل في اللحوم البيضاء، أكد آخرون أن التهاب الأسعار مس كل الأنواع ولا فرق بينها على حد تعبير البعض منهم ممن أبدوا استياءهم من الوضع، فبعد أن كانت أسعار اللحوم الحمراء تتراجع بعد مرور بعض المناسبات مثل عيد الأضحى ولكن الانخفاض بقي رمزيا هذه السنة. أسعار اللحوم الحمراء أعلى من قيمتها الغذائية وأمام صرف الكثير من الناس النظر عن الاستهلاك المنتظم للحوم الحمراء، عوضها آخرون بما تعرضه محلات بيع اللحوم المجمدة، ورغم أن اللحوم المجمدة مهددة بفقدان كل قيمتها الغذائية، إلا أن أسعارها لم تكن بالشكل الذي يمكن من استهلاكها، فسعر كيلوغرام من لحم الغنم المجمد يقدر متوسطه ب800 دينار، فيما يتراوح سعر لحم البقر المجمد بين 650 و700 دينار. ليبقى التساؤل مطروحا حول مصير تلك التدابير التي تم اتخاذها لرفع إنتاج اللحوم مثل مسح ديون الممولين، ولكن مفعول تلك الإجراءات لم يظهر بعد على أرض الواقع، هذا ما أكده لنا أحد الجزارين بالسوق الشعبي لعين النعجة في تفسيره للارتفاع والتذبذب في أسعار اللحوم الحمراء، ليضيف أن الكمية المعروضة في السوق لاتزال قليلة، خاصة وأن بعض الموالين يرفضون بيع ماشيتهم ويفضلون تسمينها أكثر ما يجعل مشكل ارتفاع الأسعار قائما، في حين فسر جزار آخر من ميسوني قلة العرض الذي يعد السبب الرئيسي وراء ارتفاع الأسعار بالتجارة غير الشرعية للأغنام التي يتم من خلالها البيع ببعض المناطق الحدودية وبأثمان باهظة، إضافة إلى المضاربة التي يفرضها تجار المواشي ما يجعل المستهلك هو المتضرر الأول، وأمام تلك التبريريات التي قدمت من طرف بعض أصحاب القصابات، أكد بعض المواطنين ممن كان لنا معهم حديث في الموضوع أن ضعف الرقابة على أسعار اللحوم ترك الحبل على الغارب للباعة. وبالموازاة مع الأسعار المرتفعة للحوم الحمراء الطازجة والمجمدة، انتهج بائعو الأسماك نفس المسار، فغابت أبسط الأسماك المعروف ب»السردين» عن موائد المواطنين في ظل سوء الأحوال الجوية التي منعت الصيادين من الخروج للاصطياد ما أدى إلى قلة العرض من الأسماك، أين أكد المواطنون أن سعر السردين ارتفع تدريجيا منذ بداية فصل الخريف، إذ انتقل من 150 دينار ومنه إلى 250 دينار، فيما تجاوز حاليا 300 دينار للكيلوغرام الواحد، ما جعل المواطنين يكتفون برطل واحد للتنويع من غدائهم، فيما استغنى آخرون عن شراء الأسماك في انتظار ما ستحمله الأيام اللاحقة مع تحسن الجو والارتفاع المحسوس في درجة الحرارة.