راودتني فكرة كتابة هذا الموضوع ، بعد أن قضيت اليوم 09 ساعات في قاعة المحكمة أنتظر دوري كي أمثل أمام القاضي وأقول له أن ذلك الذي كتبته في سيادة ( المير) ليس قذفا كذلك الذي يعاقب عليه القانون بنص المادة 298 ، وأن ما كتبته يكاد يكون مدحا لجنابه بالقياس إلى سمعته السيئة ، وبالقياس إلى أميته وبالقياس إلى انحرافاته وبالقياس إلى تجاوزاته مع المواطنين ،، لكن سيادة القاضي لم يمهلني كي أقول كل هذا الكلام وضرب لي موعدا آخر كي أعود وأنتظر 09 ساعات أخرى أو ربما أكثر (دارت بي الأرض كما يقولون) وكدت أقع من طولي لولا بقية من حياء وخجل استجمعتها وأنا استعيد مشهد الصبية الذين كانوا صباحا في قفص الاتهام وأياديهم مغلولة وهم يستمعون إلى أحكام أكبر من حجمهم لأسباب وتهم تتعلق بسرقة بعضهم لرغيف .. لحظتها تمنيت لو أن القاضي المحترم أفرج عنهم كلهم ..لأن أولئك الفتية الذين لم تتجاوز أعمارهم عمر الزهور كانوا بالدرجة الأولى ضحايا غياب العدالة ،، لأن الذي يسرق رغيفا يسد به رمقه ما كان ليفعل ذلك لو أن كبار اللصوص لم يسلبوه منصب العمل الذي منحوه لأهلهم وذويهم أو ربما منحوه لمن يدفع أكثر ، ومع ذلك فإن العدالة لا تقتص من كبار اللصوص ، وتحذق في البراعم والأطفال كي تؤهلهم ليكونوا مجرمين من الدرجة الأولى بعد تخرجهم من السجن بدبلومات قطاع طرق ولصوص محترفين ، أو حتى ربما خرجتهم بشهادات إرهابيين صغار ، لأن كبار الإرهابيين عندنا يتمتعون بالحصانة مدى الحياة ويتمتعون برغد العيش وتحفل موائدهم بكل ما لذ وطاب من مشوي "وكباب" ،، اليوم فقط فهمت الرسالة التي أراد أن يوجهها لنا المخرج شريف عرفة في فيلم "الإرهابي والكباب" الذي أدى عادل إمام بطولته باقتدار .. في أحد المشاهد حين يسأله كمال الشناوي الذي مثل دور وزير الداخلية ( ما هي مطالبكم ؟؟) يجد عادل إمام نفسه في موقف محرج ، لأنه لم يحدد مطالبا مسبقة ، ليس فقط لأن الدولة لم تتعود أن تسأل أبناءها ماذا يحتاجون ، ولكن أيضا لأن الناس كانت تحتاج كل شيء كما عبروا عن ذلك بأنفسهم ،، لكن الممثل أحمد راتب وضع يده على الجرح حين قال بألم شديد أن سبب بلاوي كل البلد هي غياب العدالة التي إكتفى منها المحتجزون بأكل الكباب مادام بعضهم لم يتذوقه طيلة حياته.