إن كانت للأزمة المصرية حسنة واحدة فهي أنها سمحت لإخوان الجزائر بالتكلم حتى نراهم ونستوعب طبيعة علاقتهم بهذا التنظيم العابر للقارات. لقد تجاوزت، من وجهة نظري الخاصة، حركة مجتمع السلم "حمس" ورئيسها الجديد "عبد الرزاق مقري" كل حدود ما هو مقبول سياسيا وإنسانيا في تعاطفها مع الإخوان في مصر حتى وإن سلمنا أنهم أصحاب حق ومظلومون. بأي حق يستغل "مقري" و"حمس" الثورة الجزائرية ورمزيتها وأهم محطاتها في إطار حملة استعطاف الجزائر وكركرتهم إلى المستنقع المصري وتجيش عواطفهم بخصوص أزمة ستبقى مهما تطورت الأحداث بعيدة عن واقعنا الجزائري، على الأقل بالنسبة للمواطن البسيط؟ "مقري" لم يتردد في تشبيه الثورة الجزائرية ب"الثورة المصرية" ولم تتردد "حمس" في الجمع بين إحيائها لذكرى انعقاد "مؤتمر الصومام" وتنظيمها لتجمع "تضامن مع الشعب المصري". إن بعض الظن إثم لكنني أكاد أجزم أن "حمس" لم تدع إحيائها "ذكرى 20 أوت" سوى كمجرد ذريعة لتنظيم تجمع شعبي تضامنا مع إخوان مصر في نفس اليوم الذي قرره فيه هؤلاء تنظيم مسيرات منددة بالانقلاب. أن تتضامن "حمس" مع الإخوان في مصر باسم الشرعية أو المشروع الإسلامي أو التوافق السياسي فذلك حق مشروع لا ننكره لأحد، لكن الثورة الجزائرية ورموزها خط أحمر يا "مقري" وعليك بالتوقف حالا عن استغلالها لأغراض سياسية ذات بعد دولي، وإن كان ما يحدث في مصر شبيه بما حدث في الجزائر خلال ثورة التحرير في نظر إخوان الجزائر فتلك مصيبة عظيمة؟ منذ اندلاع أحداث مصر وحركة "حمس" تتخبط على مواقع التواصل الاجتماعي وتتحرك في جميع الاتجاهات سواء بخطابها الرسمي المستغل لكل رموز الجزائر مستبيحة بذلك كل "المحرمات" في سبيل جر الجزائريين إلى الوقوف إلى جانب طرف على حساب طرف آخر في مشكل لا يخصنا في النهاية أو عن طريق تحركات مشبوهة أخرى يقودها منتسبون للإخوان في الجزائر صنفوا الجزائريين إلى "شرفاء" مؤيدين للإخوان و"علمانيين أعداء الدين" لكل من عاداهم أو حتى التزم الحياد. أصحاب هذا المنطق الذي سبقهم إليه الرئيس الأمريكي "بوش" قبل سنوات يرددون أنهم يقومون بذلك بمنطلق أن من "لم يهتم بأمور المسلمين ليس منهم"، لكننا لم نر "حمس" تتخبط هكذا حتى خلال الأزمات التي مستها كحركة ولم نرها تساند الإخوة المسلمين في مالي وفي البحرين وفي الصومال، على الأقل ليس بهذه الحدة، دون الحديث طبعا عن كل الأزمات الداخلية والتحديات التي تنتظر الجزائر في الأشهر القليلة المقبلة، اللهم إذا كان القلق كل القلق من تأثير تصدع حركة الإخوان في مصر على مشروع "حمس" محليا؟ الجزائر مقبلة على مرحلة حساسة يا "مقري" وسنكون بحاجة إليك وإلى "حمس" وإلى كل القوى الفاعلة من أجل إحداث تغييرنا المنشود، فلا تقحم نفسك فيما لا يعنيك ولا تشوه صورة الحركة. وفوق كل ذلك… توقف عن استغلال الثورة الجزائرية المجيدة التي لا تضاهيها في رمزيتها عندنا سوى الفتوحات الأولى.