كل الأخبار والصور الواردة من جمهورية إفريقيا الوسطى تؤكد أن آلة التقتيل والتعذيب والحرق للمسلمين لا تتوقف والعالم يتفرج. الأمر ليس تهويلاً من صحافة عربية مسلمة، بل اعتراف صريح من منظمات غربية كالعفو الدولية التي قالت إن المسلمين يتعرضون لتطهير اثني، وإن جنود القوة الدولية لحفظ السلام لم يتوصلوا إلى منع ذلك التطهير، ومنظمة هيومن رايتس ووتش التي وثقت عمليات إعدام وحشية في الشوارع بحق مسلمين وقالت إنها: (باتت حدثاً عادياً في بانغي). لكن ماذا بعد اعتراف هذه المنظمات ولو بلغة لا تعبر حقيقة عن هول المذابح والإبادة التي يتعرض لها المسلمون في هذا البلد الإفريقي؟ لم نر لها تحركاً ولم نسمع لها صوتاً قوياً في العالم لعل ضميره يتحرك. بل إن كثيراً من وسائل الإعلام الغربية تكاد تتجاهل ما يجري هناك أو تمر عليه مرور الكرام بلغات باردة وماكرة، إذ تتحدث عن أعمال عنف بين أطراف، ولا تتحدث عن إبادة طرف يمتلك السلاح وبين طرف جرد من السلاح وترك يواجه مصيره في ظل حديث تقارير إعلامية عن حياد سلبي للقوات الفرنسية وضعف للقوات الإفريقية وعدم تدخلها بما يناسب حجم الجرائم الفظيعة التي تحصل. وللقارئ أن يتخيل معي المشهد لو كان معكوساً، وكان المسيحيون أقلية والمسلمون أغلبية وهذه الأخيرة اضطهدت الأقلية بأقل من 10 بالمائة مما يحصل للمسلمين اليوم في جمهورية إفريقيا الوسطى. أكيد أن مجلس الأمن سيجتمع والدول الغربية ستتدخل، والإعلام الغربي سيستعمل قاموساً مختلفاً وسيتحدث عن الإرهاب والاضطهاد وعدم التسامح الديني و...وسيقيم الدنيا ولا يقعدها، لكن المسلمين سواء في هذا البلد الإفريقي أو بورما أو غيرها لا بَوَاكِيَ لهم كما يقال. والغريب أنه مع بشاعة ما يحصل ما تزال مدعية المحكمة الجنائية الدولية تشك، تقول إنه فتح تحقيقاً تمهيدياً في جرائم حرب محتملة في هذا البلد، وكأنها تقول إنها لن تكون جرائم كاملة الأركان وحرباً حقيقية يقينية إلا بعد إبادة المسلمين عن بكرة أبيهم وفرار الباقي خارج البلاد. إن كل متابع موضوعي يتساءل أين دعاة حوار الأديان في الغرب؟ لماذا لم نر قيادات دينية مسيحية وازنة تستنكر ما يحصل وتوجه دعوات وتتدخل لإيقاف جرائم لا تحصل في حق المسلمين بل في حق الإنسانية. بالطبع ما يجري بجمهورية إفريقيا الوسطى وجه من أوجه الأزمة السياسية التي تعرفها وكيف استعملت الحكومات المتوالية بها النزعة الدينية ومنطق (فرق تسد) لحرمان المسلمين من حقوقهم والمشاركة في القرار السياسي، لكن ليس هذا مقام تفصيل في تلك الأزمة ولا في مصالح دول غربية وأخرى إفريقية قريبة من هذا البلد وعينها على الثروات من ذهب وألماس وآبار نفط وأورانيوم وغيرها، وكيف تواطأت بشكل أو بآخر ضد المسلمين في هذه الأزمة. ولكن المقام، مقام تذكير بأهمية إيقاف المذابح والجرائم في حق المسلمين؛ لأن الأولية عند اندلاع حريق إطفاؤه، وليس النظر في أسبابه، فتلك مرحلة أخرى خاصة بعدما اعترفت الرئيسة المؤقّتة للجمهورية المذكورة كاترين سامبا بانزا الثلاثاء الماضي، أن حكومتها عاجزة عن ضمان سلامة المسلمين مما جعلهم يفرون خارج البلاد. والسؤال الكبير، ماذا تنتظر الدول الإسلامية؟ هل ستبقى تتفرج؟ أليس لها مسؤولية تجاه هؤلاء المسلمين؟ لماذا لا تستعمل نفوذها وعلاقاتها للضغط والتدخل لإرسال قوات كافية ومحايدة لإنقاذ المسلمين هناك، وإيقاف المذابح والعذاب المسلط عليهم؟! * عن موقع المختار الإسلامي -بتصرف-