بقلم: أسامة أبو أرشيد تثبت الاعتداءات الإسرائيلية على سورية والتي زادت وتيرتها منذ انهيار نظام الرئيس المخلوع بشّار الأسد وكذلك الابتزاز الأمريكي للثوار السوريين أن الدولتين ليستا في وارد التسليم بحق الشعب السوري في تقرير مصيره ضمن حدود دولته المستقلة كاملة السيادة. كلا الدولتين تعملان في سورية ضمن نسق إعادة تشكيل الشرق الأوسط وهو هدفٌ معلنٌ لهما في الأشهر الأخيرة بما يخدم مصالحهما وبما يبقي المنطقة خاضعة لنفوذهما عقوداً قادمة. إنه استمرار لمنطق سايكس – بيكو الذي لم يفارق المنطقة منذ أكثر من مائة عام حتى وإن تغيّرت العناوين واللافتات والترسيمات الحدودية. ومن ثمَّ يخطئ العرب إن ظنّوا أن إسرائيل مشكلة فلسطينية فحسب وأنهم إن طلبوا ودّها وحصلوا عليه فإن في ذلك تجنيباً لهم من استدعاء السخط الأمريكي عليهم. أبداً إسرائيل تحد للعرب ككل وأحد مبرّرات إنشائها في القلب من المنطقة إبقاءها ضعيفة ومجزأة ومستنزفة وفقدان الدولة العبرية لهذا الدور سيعني بداية تفكيكها ونهايتها. وبهذا المعنى فإن العدوان الإسرائيلي الراهن المدعوم أمريكياً وغربياً على فلسطين وسورية ولبنان ما هو إلا مجرد محطات جديدة في عدوان أوسع تتغير معطياته وتتقاطع ساحات عديدة فيه في مراحل مختلفة. مع سيطرة الثوار السوريين على دمشق وهروب بشار الأسد وانهيار نظامه وجيشه شنَّت إسرائيل مئات الغارات الجوية الكثيفة وصفت بأنها الأوسع في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي على الأراضي السورية واستهدفت المنشآت العلمية والقواعد العسكرية والطائرات المقاتلة وأنظمة الدفاع الصاروخية ومواقع إنتاج الأسلحة ومستودعاتها بما فيها الكيميائية بالإضافة إلى الأسطول البحري السوري في طرطوس. الذريعة الإسرائيلية أنها تريد أن تمنع وقوع القدرات العسكرية السورية الاستراتيجية (بالمناسبة هي متهالكة وقديمة ولم تسلم من الضربات الإسرائيلية طوال سنوات) بأيدي الثوار الذين تعدّهم متطرّفين إسلاميين بما يشكل تهديداً عليها. وحسب التصريحات الإسرائيلية فقد دمرت عمليات سلاح الجو ما بين 70 إلى 80 من القدرات العسكرية التي كان يمتلكها نظام الأسد. لم تكتف إسرائيل بذلك إذ عمدت إلى استغلال انهيار نظام الأسد لتوسيع رقعة الأراضي التي تحتلها في مرتفعات هضبة الجولان (جنوب). كما أنها توغلت في المنطقة الحدودية العازلة والذي وصل إلى نحو 25 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من العاصمة دمشق. ولم يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إخفاء وقاحته المعهودة فأعلن انهيار اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 مع سورية بعدما تخلى الجيش السوري عن مواقعه مؤكداً أنه أصدر الأوامر للجيش بالاستيلاء على هذه المواقع لضمان عدم تمركز أي قوة معادية بالقرب من حدود إسرائيل . ورغم تأكيد نتنياهو أن هذا الاحتلال الجديد موقف دفاعي مؤقت حتى التوصل إلى ترتيب مناسب فإن تاريخ كيانه يثبت أن ما يستولي عليه لا يعود أو أنه يعود ضمن عقود غَرَر باهظة الثمن على الضحية العربي وعظيمة الفوائد لإسرائيل كما رأينا في اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر وأوسلو مع الفلسطينيين ووادي عربة مع الأردن. *تريد واشنطن سورية تدور في فلكها غير بعيد عن السلوك الإسرائيلي العدواني ذلك الابتزاز الأمريكي للثوار السوريين والذي هو منسّق مع إسرائيل ويهدف لخدمة مصالحها. ما أن انهار نظام الأسد ودخلت قوات الثوار إلى دمشق حتى بدأت واشنطن تقايض رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية وإزالة هيئة تحرير الشام أكبر الفصائل السورية المقاتلة عن قوائم الإرهاب بتدمير الأسلحة الكيميائية وتقديم ضمانات لمكافحة الإرهاب. ورغم أن الهيئة وبقية فصائل الثوار تعهدوا باحترام حقوق الأقليات في سورية والعمل على قيام حكم مدني يمثل جميع السوريين إلا أن واشنطن تريد سورية تدور في فلكها وتخضع لها وتقبل باحتلال إسرائيل أراضيها واعتدائها على مقدّراتها. وفوق هذا وذاك تسالمها وتصالحها. ليس هذا فحسب فالولاياتالمتحدة تحتل بالتعاون مع مليشيات قوات سوريا الديمقراطية (الكردية) مناطق واسعة في شرق سورية وهي تسيطر على آبار النفط والغاز ولا يبدو أنها في وارد الانسحاب من الأراضي السورية واحترام وحدة البلاد واستقلالها. ولأن الأمريكيين بارعون كما الإسرائيليين في ابتداع مسامير جحا لتبرير سطوتهم واعتداءاتهم على سيادة الدول المستقلة فإنهم تذكّروا فجأة أنَّ ثمَّة بقايا لتنظيم الدولة الإسلامية فكان أن وجهت لهم ضربات جوية مهدّدة بأن المنظمّات في سورية ستحاسَب إذا انضمت لتنظيم الدولة . للأسف على الأرجح ستعمل واشنطن وتل أبيب وعواصم عربية من معسكر الثورات المضادّة على تعويق قدرة سورية الجديدة على خطِّ مسار مستقبلي يقوم على أسس من مصالحها الوطنية واستقلالها وسيادتها وأمن شعبها وسلامته وازدهاره. ولا تنحصر قائمة أعداء سورية في هؤلاء بل هناك روسيا التي تريد الحفاظ على امتيازاتها وقواعدها العسكرية التي منحها إياها الأسد وهناك إيران التي لن تسلم بسهولة لانحسار نفوذها في الشام كما أن هناك بقايا النظام وفلوله والعصابات التي كانت مرتبطة به وخطر الفتن الطائفية والعرقية التي قد تسعّرها قوى خارجية. الكارثة أن ثمَّة أنظمة عربية لا تريد أن تستوعب أو أن تعترف بأن مباضع التشريح الأمريكية والإسرائيلية وهم أنفسهم جزء منها ستتحول إلى تمزيق دولهم في مراحل مقبلة إذا قدّر لواشنطن وتل أبيب أن تنهيا مهمتهما الخبيثة في فلسطين وسورية ولبنان. كل المنطقة على المفرمة لمصلحة إسرائيل لا يفرق هنا من كان متواطئاً معها ومع الولاياتالمتحدة أو من كان مهادناً أو خصماً لهما.