بقلم: الدكتور خالد سعد النجار عن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية. ومن قاتل تحت راية عُمية، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي، يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس منى ولست منه) (1) للشيطان مدخلان على المسلمين ينفذ منهما إلى إغوائهم وإضلالهم، أحدهما: أنه إذا كان المسلم من أهل التفريط والمعاصي زين له المعاصي والشهوات ليبقى بعيدا عن طاعة الله ورسوله، وقد قال صلى الله عليه وسلم (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) (2) والثاني: أنه إذا كان من أهل الطاعة والعبادة زين له الإفراط والغلو في الدين ليفسد عليه دينه، قال تعالى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} المائدة 77 وقال صلى الله عليه وسلم (إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين) (3) ومن مكائد الشيطان لهؤلاء المفرطين الغالين أنه يزين لهم اتباع الهوى وركوب رؤوسهم وسوء الفهم في الدين، ويزهدهم في الرجوع إلى أهل العلم لئلا يبصروهم ويرشدوهم إلى الصواب، وليبقوا في غيهم وضلالهم قال تعالى {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} القصص50 إن الإرجاء والغلو كلاهما خطره عظيم؛ لكن الأخطر على شباب الصحوة المعاصرة هو الغلو؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم حذر من الخوارج بتعيين صفاتهم وإيجاب قتالهم، وفضل من قام بجهادهم في عشر روايات صحيحة، ولم يصح في الإرجاء حديث مرفوع، والسبب في ذلك أن الغلو تبديل للدين، أما الإرجاء فهو تفريط في الدين أو تسويغ للتقصير فيه؛ وهذا خطر على العامة؛ لكن كثيراً من المسلمين لا يقبل أن يجعله هو الدين، وبعضهم لا يعتبر من ظهر عليهم التساهل والتفريط ممثلين لحقيقة الدين وإن زعموا هم ذلك بناءً على تأويلات المرجئة؛ وذلك لاختلاط حالهم بحال الفساق والمتهاونين. أما المتشدد الغالي فإنه يكتسب عندهم منزلة التقديس كما حدث لغلاة الزهاد والعباد؛ لأنهم يرون فيه تمسكاً أكثر وأخذاً للنفس بالعزيمة، والعامة عادة لا يميزون بين شدة التمسك بالحق وبين الغلو، فيقع الاشتباه وينشأ عنه تبديل مفهوم حقيقة الدين حرمة الدماء والدماء المعصومة حرمتها عند الله تعالى عظيمة، وشأنها كبير، وغلظتها شديدة. ومن دلائل العناية بها، والتغليظ فيها: أن ذِكْرها، والتنويه بها؛ وقع قبل أن تنفخ الروح في آدم عليه السلام، وقبل أن تجري دماؤه في عروقه، فالملائكة عليهم السلام وهم من أعلم الخلق بالله تعالى، وبما يرضاه وما لا يرضاه من الأقوال والأفعال لما أخبرهم سبحانه وتعالى أنه جاعل في الأرض خليفة (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) البقرة30، ولولا عظمة الدماء عند الله تعالى لما نوَّه الملائكة بذكرها من بين سائر وجوه الإفساد التي هي من الكثرة بما يَعِّزُ على العد والحصر قال تعالى (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) المائدة 32 ولست أعلم ذنبًا في الشريعة يكون مرتكبه في حق واحد من الناس كمن فعله في جميع الناس غير هذا الذنب العظيم، فما أعظم شأن الدماء عند الله تعالى!! قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: (من استحل دم مسلم فكأنما استحل دماء الناس جميعًا، ومن حرَّم دم مسلم فكأنما حرَّم دماء الناس جميعًا)(4). وجاءت السنة النبوية تؤكد على ذلك، وتزيده وضوحاً وبيانًا.. فمن كبائر الذنوب التي توبق صاحبها، ويستحقُ بسببها العذاب يوم القيامة: قتلُ النفس التي حرم الله تعالى إلا بالحق؛ كما دلت على ذلك الأحاديث (5) والمسلم في سعة من دينه، وفي فسحة من ذنوبه التي هي دون القتل، حتى يباشر القتل ظلماً وعدواناً، فيضيق عليه الأمر؛ لعظم شأن الدم؛ كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لن يزال المؤمن في فُسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) (6) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إن من وَرَطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حِلِّه)(7) وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال المؤمن مُعنِقاً [خفيف الظهر] صالحاً ما لم يصب دمًا حراماً، فإذا أصاب دماً حراماً بلَّح [أعيا وانقطع])(8) ظلم وعدوان والدم الذي يُسفك ظلمًا وعدوانًا لا يضيع، ولو تمالأ أهل بلد على قتل معصوم لقتلوا به، ولو اجتمع أهل الأرض كلهم على سفك دم محرم لأُخذوا به، وعُذبوا بسببه، كيف!! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار) (9) لقد أدرك خبراء مراكز الدراسات الاستشراقية والشرق أوسطية أن هذه الأمة لا يمكن أن تهزم إلا إذا تم اختراقها من الداخل، والعبث بأخلاقها وقيمها ومفاهيمها ومعتقداتها...وعلى يد من ؟ على يد بعض أبنائها توخيا لإثارة الهرج والمرج وابتعاث فتن داخلية من نوع جديد وبأسلوب أكثر مكرا ودهاء نرى معالمه حيثما تلفتنا ولا نتردد هنا في الإقرار بأن بعض مآسي هذه الأمة في المرحلة الراهنة هم الغلاة التكفيريين الذين استباحوا لأنفسهم أن يعيثوا في الأرض فسادا وقد اختلطت لديهم المفاهيم واحتكروا لأنفسهم سن الفتاوى التي لا تتواءم مع وسطية الإسلام ودعوته إلى الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، فأباحوا القتل والتفجير داخل بلادنا الإسلامية الآمنة، دون أن يتبصروا عواقب جرائمهم أو بالأحرى ربما هم على بينة مما يرتكبونه من مجازر وإخلال بالأمن تحت ستار تفاسير ملتوية لآيات هي منهم براء ودينهم في حل منهم ولعل أسوأ تداعيات هذه الانحرافات ما نجم مؤخرا من الالتباس بين مفهومي الإرهاب والمقاومة حيث اختلطت الرؤى وتداخلت الدوافع وصار من العسير تفنيدها والفصل فيما بينها وخاصة أمام الرأي العام العالمي. -------------------------------------- الهوامش والمصادر (1) رواه مسلم كتاب الإمارة رقم 1848 (2) البخاري 6487 ومسلم 2822 (3) رواه النسائي في الكبرى رقم 4063 (4) تفسير ابن كثير (2-75) عند تفسير الآية 32من سورة المائدة (5) جاء ذلك في أحاديث عدة منها حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وقتل النفس.. أخرجه البخاري رقم 6871، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات.... وذكر منها: قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق) أخرجه البخاري، ومسلم 89 (6) البخاري في الديات (7)أخرجه البخاري موقوفًا على ابن عمر رضي الله عنهما في الديات (8) أخرجه الطبراني في مسند الشاميين 1309وفي المعجم الأوسط 229، والصغير 1108 (9) أخرجه الترمذي في الديات o منزلة الدماء في الشريعة إبراهيم بن محمد الحقيل o الإرجاء والغلو خطران عظيمان على الإسلام الشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي o بأي عقل ودين يكون التفجير والتدمير جهادا ويحكم...أفيقوا يا شباب.. فضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر..