يؤكّد التقرير السنوي لحقوق الإنسان لسنة 2013 في الجزائر على أنه بالرغم من المؤشرات (الإيجابية( التي تم تسجيلها على شتى المستويات إلاّ أنها تظلّ (غير كافية) وتستدعي بذل المزيد من الجهود. تفرّع التقرير السنوي لحقوق الإنسان في طبعته لعام 2013 إلى ثلاثة فصول، تناول الأوّل منها مختلف النشاطات التي قامت بها اللّجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها خلال السنة المنصرمة، فيما تضمّن الفصل الثاني تقييم حقوق الإنسان في الجزائر، في حين خصّص الفصل الثالث لتقييم مدى تقدّم الديمقراطية ومفهوم دولة القانون في الجزائر. وتجدر الإشارة إلى أن إصدار هذا التقرير تزامن مع الاحتفال بالذكرى العشرين لإعلان مؤتمر فيينا الذي شكل (معلما بارزا على نهج تكريس وتجسيد حقوق الإنسان). مواطنون يشتكون.. لفتت اللّجنة في تقريرها إلى أنها تلقّت 1983 عريضة شكوى من مواطنين أو جمعيات تتعلّق بمسائل التشغيل والسكن والبيروقراطية وغيرها اقتضت معالجتها إخطار الإدارات المركزية والمحلية المختصّة من خلال توجيه ما لا يقلّ عن 544 محرّر رسمي تلقّت 38 منها فقط ردّا من المصالح المعنية، وهو الأمر الذي تأسّفت له اللجنة، حيث اعتبرته (انعكاسا لقلّة اهتمام المؤسسات العمومية بعمليات الوساطة التي تندرج في صميم مهام اللّجنة). وقد تضمّن الفصل الأوّل الذي خصّص لاستعراض نشاطات اللجنة خلال 2013 عددا من الملاحظات التي تتعلق بمختلف المجالات كالتشغيل على سبيل المثال الذي (لا تزال تطبعه الفروقات الجهوية)، حيث أكّد رئيس اللّجنة المذكورة فاروق قسنطيني على أنه (لا سبب يمكن أن يبرر محاباة فئة من المواطنين بفعل موقعها الجغرافي على حساب فئة أخرى لأنها لم تحظ بفرصة العيش قرب عاصمة البلاد)، وأعرب في هذا الصدد عن (إدانته لتصرفات بعض الأطراف التي حاولت التلاعب بشباب الجنوب وتحريضهم ضد الدولة). كما كان الشقّ المتعلق بمحاربة الفساد حاضرا في هذا الفصل من خلال التشديد على (وجوب الاستمرار في مكافحته دون هوادة) من حيث أنه (يعيق أي مساع تبذلها السلطات في سبيل تحقيق إصلاحات اجتماعية أو اقتصادية). ولم يغفل التقرير التطرق إلى ملف المصالحة الوطنية التي (نجحت في الوصول إلى 95 بالمائة من الأهداف المتوقعة من الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية)، فضلا عن (حالات التعذيب)، حيث صرّح السيّد قسنطيني بأن المؤسسة التي يترأسها (لم تتلقّ أيّ شكوى حول هذه الحالات والجزائر ليس لها ما تخفيه في هذا الصدد). أمّا بشأن وضعية حقوق الإنسان في الجزائر التي شكّلت بمختلف أبعادها صلب الفصل الثاني فقد رصدت اللّجنة (تحسّن المؤشّرات الاجتماعية لكنها تظلّ غير كافية)، حيث (تبقى الجزائر تواجه العديد من التحديات على غرار مشكل البطالة وارتفاع الأسعار والعجز المسجّل في السكنات ووسائل النقل ومعالجة التوتّر والبؤر الاجتماعية). ولفتت هذه الهيئة إلى أن الحركات الاحتجاجية كانت قد تواصلت خلال 2013 على شكل تجمّعات، حيث أصبحت هذه الاحتجاجات (وإن تراجع حجمها، شبه اعتيادية ومتكرّرة). أمّا فيما يتعلّق بمشكل البطالة فقد اعتبرت ذات اللّجنة استقرار نسبتها سنة 2013 عند حدود 8ر9 بالمائة (سابقة)، مؤكدة على أنه (حتى وإن قوبلت هذه النّسبة بالتشكيك من طرف البعض إلاّ أن هناك حقيقة تفرض نفسها وهي انخفاض البطالة بشكل كبير خلال العشرية الأخيرة). جهود.. ولكن... فيما يخص ملف السكن، ترى اللجنة بأنه (لا يبدو هناك تحسّن كبير في النتائج على الرغم من الجهود المبذولة من طرف السلطات العمومية)، لتتساءل بعد ذلك عن مكمن العجز في مواجهة طلبات السكن (هل مردّه قلّة العرض مقارنة بالطلب أو وجود قصور في الآليات الخاصة بتوزيع السكن). وللنّجاح في مواجهة هذا الخلل دعت اللّجنة السلطات العمومية إلى (وضع حدّ للفوضى التي تميّز توزيع السكنات) مع (خلق إطار يسمح بإيجاد سوق حقيقي للعقار يكون مهيكلا ومنظّما) يضاف إلى كلّ ذلك (تشجيع البنوك والمؤسسات المالية الأخرى للاستثمار والمشاركة أكثر في مجال الترقية العقارية من أجل وضع حد للمضاربة). وفيما يتّصل بالقدرة الشرائية لفتت اللّجنة إلى أنه (وفي الوقت الذي تحوز فيه الجزائر على 190 مليار دولار من احتياطات الصرف يواجه غالبية الجزائريين الذين لا ينال 70 بالمائة منهم سوى مبلغ صاف لا يتجاوز 30 ألف دينار شهريا ارتفاعا مذهلا للأسعار وتدهورا في قدرتهم الشرائية(. وإزاء ذلك دعت اللّجنة إلى حوار وطني سياسي واقتصادي واجتماعي بغية ترشيد السياسات القائمة تراعى فيه المصالح العليا للبلاد)، كما تعرّضت في سياق مغاير لوضعية حقوق الطفل في الجزائر، حيث أبرزت عدم وجود هيئة وطنية لحماية حقوق الطفل أو آلية وطنية للإنذار أمام ارتفاع ظاهرة اختطاف الأطفال على الرغم من فداحة أعمال الاختطاف المسجلة منذ عدة سنوات. المرأة.. وضع أفضل أمّا فيما يتعلّق بترقية المرأة فقد لفت التقرير إلى أن (مجمل القوانين التي وضعت في هذا المجال جاءت متوافقة مع الدستور الذي يكرّس المساواة بين الجنسين). وقد اقتصر التقرير السنوي لعام 2013 في هذا الشقّ على استعراض الحقوق السياسية، وكذا الحقوق الاقتصادية للمرأة في الوسط الريفي وأوضاع تشغيلها). وحسب اللّجنة الوطنية فإن الحقوق السياسية للمرأة شهدت (تقدّما ملحوظا اعترفت به كبرى الدول)، كما أن التجربة الجزائرية في مجال ترقية الدور الاقتصادي للمرأة الريفية تعدّ (حديثة نسبيا ولا يمكن تقييم أثارها في الوقت الراهن، إلاّ أنها تمثّل مسعى مبتكرا بإشراك كافّة القطاعات والجمعيات). وبخصوص تشغيل المرأة لفت التقرير إلى أن عمل المرأة في الجزائر يمثّل (رهانا هامّا للاقتصاد والسلطات العمومية واعية بذلك)، وهو ما يعكسه (تسخيرها في الفترة ما بين 2009-2014 ل 10 ملايير دينار لمساعدة النّساء، لا سيّما في المناطق الريفية على الاندماج في الحياة المهنية). وبخصوص تعامل الأسلاك الأمنية الوطنية مع حقوق الإنسان سجّلت اللّجنة (ارتياحها للاهتمام الذي توليه قيادة الدرك الوطني لهذه المسألة والرغبة التي تبديها في أداء نشاطاتها المهنية في إطار الاحترام التام للحقوق الفردية والجماعية). وبالنّسبة للمديرية العامّة للأمن الوطني سجّلت اللّجنة أيضا (ارتياحها) لإدراج المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان في كافة مسارات التكوين، غير أنها دعتها إلى (مواصلة مراقبة مراكز الحبس الاحتياطي والقضاء على السلوكات السلبية أو التعسّف في استعمال السلطة من قِبل بعض أعوان الأمن). وفي الفصل الأخير الخاص بالديمقراطية ودولة القانون تمّ التأكيد على أن الإصلاحات السياسية التي بوشرت بالجزائر منذ سنة 2011 كان لها (صدى إيجابيا داخل البلاد وخارجها).