شكلت المدارس الحرة سلاحا قويا في يد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للتصدي لسياسة الإدارة الفرنسية التي عملت منذ احتلالها للجزائر على طمس هوية الجزائريين وتكريس سياسة التجهيل. فمنذ تأسيسها سنة 1931, تمكنت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من إثبات وجودها كفاعل أساسي في الحركة الإصلاحية, فأنشأت المدارس الحرة ووحدت المناهج وطورت التعليم, بعد أن عمدت الإدارة الفرنسية إلى التضييق على ما تبقى من التعليم باللغة العربية, في إطار مشروعها القائم على محو الشخصية الجزائرية. وبهذا الخصوص, أوضح رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين, عبد الحليم قابة, في تصريح لوأج, أن الجمعية أدركت منذ البدء أهمية التعليم, فعملت على التركيز عليه في مقاومتها للاستعمار, حيث "تقرر فتح المدارس الحرة كرد على المقررات التي وضعتها الإدارة الفرنسية لخدمة مبادئها". كما ركزت الجمعية, في ذات المسعى, على التعليم في المدارس والمساجد والتجمعات من أجل "نشر الوعي الذي يحمي الجزائريين من الاستسلام للمحتل الفرنسي", يضيف السيد قابة, مذكرا بأن الأعضاء الرئيسيين للجمعية كانوا قد تقاسموا العمل منذ السنوات الأولى, فتكفل الشيخ عبد الحميد بن باديس بعمالة قسنطينة, والشيخ البشير الابراهيمي بعمالة وهران, والطيب العقبي بعمالة الجزائر. وعن الأثر الذي خلفه استحداث هذه المدارس, أشار السيد قابة إلى أن الجزائريين بادروا إلى تجهيزها والإقبال عليها, رغم لجوء الإدارة الفرنسية إلى مختلف الأساليب لصرف الناس عنها. وفي ظل ذلك الإقبال, أخذت المدارس الحرة في الانتشار على المستوى الوطني, فبرزت منها دار الحديث بتلمسان, مدرسة الفلاح بوهران, ابن خلدون بالشلف والتربية والتعليم بقسنطينة, كما برزت معها جهود العديد من المعلمين الساعين إلى تطويرها, وعلى رأسهم محمد الحسن الفضلاء, عبد القادر قداح واسماعيل العربي. وفي ذات المنحى, أكد رئيس مؤسسة عبد الحميد ابن باديس, عبد العزيز فيلالي, أن العلامة عبد الحميد بن باديس "لم يكن مجرد عالم أو مفكر فذ, بل كان رمزا للمقاومة الثقافية التي ناضل من خلالها في سبيل تحرير العقول من هيمنة المستعمر", حيث كان يشدد في كل محاضرة على أن "العلم أساس التحرر", معتبرا التعليم "السلاح الأقوى" لمحاربة الاستعمار بكل أشكاله. ومن هذا المنظور, شكلت "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" التي تأسست على يد الشيخ ابن باديس, "حجر الزاوية" في نشر التعليم باللغة الأم, في وقت كان فيه المستعمر يسعى بكل قوته إلى طمس الهوية الجزائرية", مثلما أوضحه السيد فيلالي الذي اعتبر المدارس التي أنشأها هذا العلامة "إشعاعا في محاربة الأمية". ويكشف التقرير السنوي للجمعية الخاص ب 1951 أن عدد المدارس الابتدائية التابعة لها بلغ 125 مدرسة, تضم 300 قسم, يقوم على مهمة التدريس بها 275 معلما. كما بلغ عدد التلاميذ المتمدرسين بها, 16.286 تلميذا متمدرسا في النهار, منهم 10.590 ذكورا, و5.796 إناثا, فيما بلغ عدد تلاميذ الأقسام الليلية المستحدثة لاستقبال أولئك الذين يتابعون دراستهم بالمدارس الفرنسية 20 ألفا. وقد عمل القائمون على إعداد مناهج ومقررات هذه المدارس على جعلها "معاصرة ومتوازنة", بجمعها بين مواد الشريعة واللغة العربية والتاريخ والجغرافيا, إلى جانب الحساب والهندسة والرسم, بهدف "تكوين جيل منسجم في تفكيره وعقائده وتكوينه العلمي والوطني". وبغية مواصلة تتبع مسار تعليم هؤلاء التلاميذ, خطط العلامة ابن باديس لإنشاء كلية لاستقبال من أنهوا دراستهم الابتدائية والمتوسطة, وهو ما تحقق من بعده, من خلال إنشاء معهد ابن باديس سنة 1947 وربطه رسميا بجامع الزيتونة. وفي ظل توسع تلك المدارس التي تجلت ثمارها في تكوين جيل واع, عمدت الإدارة الفرنسية إلى إصدار العديد من القوانين والقرارات المتعلقة بغلق المدارس البارزة واضطهاد المعلمين, منها منشور "ميشال" سنة 1933, القاضي بفرض رقابة مشددة على التعليم في المدارس الحرة, فيما قضى مرسوم "روني", سنة 1935 بمنع أي معلم من مزاولة نشاطه إلا برخصة وبشروط منها تعليم القرآن دون تفسيره. كما جاء قرار "شوتون" سنة 1938 ليكون الأشد في التضييق على هذه المدارس, من خلال منع المعلمين من مزاولة التعليم إلا بترخيص, مع اشتراط اتقان الفرنسية واعتبار اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر. وإزاء هذا التضييق, قال البشير الإبراهيمي: "بدأت دعوة المعلمين إلى المحاكمة ونحن نقدر أنها ستعمم .. وسنتلقى الأحكام بنفوس مطمئنة, وحسبنا شرفا أن يكون ذلك في سبيل ديننا ولغتنا وحسبنا فخرا أن تكون التهمة فتح مدرسة بدون رخصة".