نظرت إليه، وقد ضقت به ذرعاً، وأردت التخلص منه، وقلت له: أيها الذنب.. من أين أتيت؟ لا أريدك.. دعني.. اتركني، لم تلازمني؟ فأجابني بابتسامة صفراء، وقد أقبل ينظر إليَّ: أنسيت؟ أنت الذي بحثت عني.. أنت الذي جئت إليّ.. أنت الذي أردتني! ألم تطلق العنان لعينيك تنظران إلى ما حرم الله، ولأذنيك تسمعان ما نهى الله عنه، ولقدميك تسعيان إلى الفواحش والمحرمات؟! ألم تطلق لسانك يخوض في أعراض الناس، ويدك تعتدي على أبدانهم؟! حتى صرتَ أسيراً للشهوات، ثم تسأل: من أين أتيتُ؟ ألم يحذرك ربك من الشيطان قائلا : {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27]. أنذرك إلهك من خطوات هذا العدو الماكر: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة: 168]. وأخذ عليكم العهود والمواثيق: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس: 60]. ألم يخبرك ربك بأنك محاسب على ما جنت يدك، ومجازى على ما أحسنت فيه، فقال في قرآنه: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 37-41]. فنظرت إليه منكسراً، ثم نكست رأسي قائلاً: أيها الذنب، لقد ضقت بك، ذهبت لذتك، وبقيت حسرتك، ذهب بريقك، وبقي تبعتك. ظهرت الأمراض التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم: (لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا وفشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم). ومن تعبتك حرمان الرزق والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن العبد ليحرم من الزق بالذنب يصيبه). ومن ذلك حرمان العلم، وقد قال مالك رحمه الله للشافعي: إن الله ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بظلمة المعصية. إني أجد وحشة بيني وبين الصالحين، لا أستطيع أن أقترب منهم، أجد السيئة تتبعها سيئة مثلها، وذنب يجر إلى ذنب ومعصية تسلمني إلى معصية. أجد حرماناً من التوفيق في حياتي.. أجد اضطراباً في نفسي وخوفاً في قلبي، وزيغاً في بصري، وتشتتا في فكري.. بل أجد وحشة بيني وبين ربي! أيها الذنب أعترف بخطئي، وأنني من بحث عنك، وسعى إليك!! أعترف بذنبي، ولكني أعلم أن رحمة الله واسعة، وأنه يجبر المنكسرين ويعفو عن المذنبين {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه : 82] فدلني كيف الخلاص منك؟ وما السبيل إلى الفكاك من آثارك؟! فرد علي الذنب في نظرات حادة: إن تصدق الله يصدقك! ومن سار على الدرب وصل، ومن أدمن طرق الباب يوشك أن يُفتح له! قلت: دلني على الطريق! قال: أولاً حدد الهدف وكن صادقاً مع ربك. ثانياً: اعرف عدوك ثم احذر منه. إني ابتليت بأربع ما سُلِّطوا إلا لشدّة شقوتي وعنائي إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف الخلاص وكلهم أعدائي ثم استعن بالله عليهم، فهو القادر على أن ينجيك من شرورهم، ويعصمك من آثارهم، وقد جاء في الأثر أن الشيطان قال لربه: وعزتك وجلالك لأغوينهم ما دامت أرواحهم في أبدانهم. فقال الله عز وجل: (وعزتي وجلالي لأغفر لهم ما داموا يستغفرونني)، {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42]. * قف بباب مولاك وردد: بك أستجير ومن يجير سواك فأجرْ ضعيفاً يحتمي بحماك إني ضعيف أستعين على قِوى ذنبي ومعصيتي ببعض قِواك * تذكر حال أهل النعيم: {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة: 20-23]. وحال أهل الجحيم: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر: 47-48]. * وأخيراً فِرْ إلى الله، واهرع إليه، وقف ببابه، وتمسك بحبله، واطلب عونه، وأعرض عمن سواه {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات: 50]. وثق في قول مولاك: {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 54].