إلغاء المادة 87 مكرّر يغيّر موازين الدخول الاجتماعي تعرف الجزائر عشية الدخول الاجتماعي حركية ودينامكية واسعة مسّت مختلف الميادين، حيث عاد الازدحام إلى حركة المرور وانتعشت مجدّدا النشاطات التجارية التي عرفت ركودا طيلة شهر أوت، خاصّة فيما يتعلّق بتجارة الملابس والأدوات المدرسية تحسّبا للدخول المدرسي، كما اغتنم تجّار الخضر والفواكه الفرصة لزيادة أسعار بعض المواد الأساسية، وانتهت أيضا أزمة الخبز بعودة الخبّازين إلى نشاطهم بعدما فضّل غالبيتهم شهر أوت لأخذ قسط من الراحة، خاصّة في ظلّ الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة. بالرغم من هذه الحركية يبدو أن الدخول الاجتماعي المقبل سوف يكون محموما، حيث عادت تهديدات الإضرابات والاحتجاجات إلى المشهد نظرا للجو المتوتّر السائد بين النقابات والوزارات الوصية، وهو ما جعل العديد من القطاعات تعيش ما يمكن وصفه بحالة الطوارئ عشية الدخول الاجتماعي. المادة 87 مكرّر في الواجهة لم يتمكّن قرار إلغاء المادة 87 مكرّر من قانون العمل 90/14 من فرض التهدئة بين كلّ الطبقات العمالية والجهات الوصية، لكنه استطاع في المقابل أن يخفّف من لهجتها التصعيدية وموافقة العديد من النقابات على التهدئة كحلّ بعد قرار الحكومة هذا المتعلّق بكيفيات حساب الحدّ الأدنى للأجور حتى لو لم يتحدّد بشكل واضح باعتبار أنه لم يتمّ إلى غاية الآن وضع تعريف جديد للأجر الوطني الأدنى المضمون، إلاّ أن الأكيد هو أن العدد وباتّفاق الخبراء والأطراف الاجتماعية والاقتصادية يفوق المليون عامل في القطاعين العمومي والخاص سيستفيدون من زيادات تصل إلى حدود 80 بالمائة، ما يساعد بشكل ملحوظ على تحسين القدرة الشرائية لآلاف العائلات الجزائرية. لم تتوقّف الحكومة عند إلغاء المادة 87 مكرّر التي كانت مطلبا مُلحّا لجميع النقابات، بل قرّرت عقد لقاء الثلاثية شهر سبتمبر الداخل بعد التصعيد الذي اعتمدته مختلف التنظيمات النقابية بما فيها قيادة الاتحاد العام للعمال الجزائريين التي ما تزال غاضبة ممّا تضمّنه المشروع التمهيدي لقانون العمل الذي لم يشمل اقتراحات الطرف الاجتماعي فيما يتعلّق بعقود التشغيل. ومن النقابات التي لم يؤثّر إلغاء المادة 87 مكرّر على قراراتها بالعودة إلى الحركات الاحتجاجية وقنبلة الدخول الاجتماعي على رأسها النقابة الوطنية لعمال البلديات بالدخول في حركات احتجاجية واسعة في الأيّام القليلة ردّا على سياسة (الصمت) وتنديدا بما أسموه سياسة التجاهل المنتهجة و(لا مبالاة) وزارة الداخلية التي ما تزال مُصرّة على تجاهل مطالب عمال القطاع وقيامها بغلق أبواب الحوار مع الشركاء الاجتماعيين بالرغم من تعليمات الوزير الأوّل عبد المالك سلاّل القاضي بتحريك الحوار الاجتماعي، حيث أكّدت النقابة أنها بصدد توحيد صفوف العمال عبر الوطن واستقبال ممثّلين جدد عبر مختلف بلديات الوطن تحضيرا لحركات احتجاجية واسعة وإضراب وطني. ويأتي هذا الإضراب بعد مجموعة المطالب التي رفعها عمال البلديات، على غرار مطلب مِنح أعوان شبابيك الحالة المدنية التي قالوا إنها ورغم صدورها في الجريدة الرسمية لم تطبّق إلى حد اليوم، إضافة إلى مطالبتهم برفع المِنح والتعويضات، إدماج المتعاقدين في مناصب عمل دائمة، توفير طبّ العمل وكذا احترام ممارسة العمل النقابي في الوسط المهني بعيدا عن التهديدات والمضايقات. عمال البريد أيضا هدّدوا بالإضراب عشية الدخول الاجتماعي، حيث أصدروا بيانا حدّدوا فيه نهاية شهر سبتمبر الجاري لشنّ حركة احتجاجية واسعة، شأنهم شأن بعض عمال قطاع التربية الذين لم ترتق ردود بن غبريط إلى ما كان مرجوا، بل زادتهم إجحافا على غرار المساعدين التربويين وعمال المصالح الاقتصادية والمصنّفين في الرتب الآيلة للزوال. وإن كانت هذه النقابات ما تزال مُصرّة على الإضراب فإن العديد من النقابات قبلت التهدئة كحلّ وخفّفت من لهجتها التصعيدية بعد قرار الحكومة بإلغاء المادة 87 مكرّر. اختناق مروري وفوضى في الأسواق بسبب الدخول الاجتماعي ككلّ دخول اجتماعي تعود الحركة إلى الطرقات بشكل مكثّف، ما يتسبّب في اختناق حادّ على مستوى الطرقات الرئيسية بسبب عودة العائلات إلى منازلها وحياتها الطبيعية بعد انقضاء عطلتها الصيفية، حيث تشهد العاصمة منذ اليومين الأخيرين عرقلة حركة المرور بشكل ملفت للنّظر، خاصّة في الطرقات السريعة التي كانت شبه خالية في الأيّام الماضية بسبب العطلة الصيفية باستثناء ساعات الدوام التي تعرف اختناقا، غير أنه بسيط مقارنة بباقي شهور السنة. كما شهدت الأسواق فوضى عارمة بسبب الباعة الموسميين الذين احتلّوا الأرصفة لبيع الأدوات المدرسية والمآزر التي أقبل عليها المواطنون بكثافة بسبب فارق السعر بينها وبين تلك المعروضة في المحلاّت التجارية، كما استغلّ البعض الفرصة لعرض سلع أخرى على غرار الملابس التي انتعشت تجارتها بعد ركود فرضه عليها عيد الفطر المبارك، حيث تفضّل العائلات اقتناء ملابس جديدة لاستقبال الدخول الاجتماعي وبالخصوص أبنائها المتمدرسين. ولا يخفى أن الدخول الاجتماعي تسبّب في ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية، على غرار الخضر والفواكه التي ارتفع سعرها بشكل مفاجئ كالبطاطا التي استقرّ سعرها عند 70 دينارا رغم توفّر احتياطي كبير من هذه المادة التي لا يستغني عنها الجزائريون. كما ارتفعت أسعار الجزر والطماطم والقرعة بنسبة قليلة، لكنها مسّت جيوب المواطنين، في الوقت الذي ما تزال فيه أسعار اللّحوم البيضاء مستقرّة عند 270 دينار بسبب الإقبال الجنوني عليها جرّاء العزوف عن اللّحوم الحمراء خوفا من وباء الحمّى القلاعية. عودة ميمونة للخبّازين بعد أزمة خبز شهدتها معظم البلديات خلال شهر أوت ها هي بوادر انفراجها تظهر جليا، خاصّة على مستوى أحياء بلدية باش جراح التي عرفت غلق جميع المخابز باستثناء مخبزة واحدة، حيث فضّل معظم الخبّازين قضاء عطلتهم الصيفية خلال شهر أوت بسبب ارتفاع درجة الحرارة، كما أن معظم العاملين بها يقطنون خارج العاصمة وفضّلوا قضاء موسم الصيف والأفراح مع ذويهم واغتنم مسيّرو المخابز الفرصة لإعادة ترميمها تحسّبا للجان المراقبة والنظافة.