بدأت قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تشرئب إلى الرحاب الطاهرة في مكة المكرة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، وبدأ ضيوف الرحمن يتوافدون من كل فج عميق حاملين معهم آمالا وآلاما تعودوا على البوح بها للخالق جل في علاه في تلك الرحاب الطاهرة. فقبل عقود من الزمان كانت أخبار الحجيج تنقطع عن أهلهم وذويهم بمجرد مغادرتهم في رحلة الحج لعدم توفر وسائل اتصال، ويظل خبر الحاج منقطعا عن أهله حتى يعود إليهم إن لم تتخطفه يد المنون في تلك الرحلة، لكن مع التقدم التكنولوجي وثورة الاتصال في العقدين الأخيرين بدأت المسافات تختصر حتى باتت الكرة الأرضية كلها مجرد قرية صغيرة بإمكان سكانها التواصل مع بعضهم البعض على نافذة في شاشات الحواسيب أو الهواتف الذكية التي ربطت العالم ببعضه البعض، وأصبحت جزءا من حياة كل شخص مهما كانت فئته العمرية ومستواه العلمي. وفي ظل هذه المفاهيم وثورة الاتصالات يتساءل البعض عن الأفضل بالنسبة لحجاج بيت الله الحرام، استخدام تطبيقات الأجهزة الذكية والاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي فيما يخدم حجهم؟، أم الابتعاد عنها وغلق الهواتف والتفرغ للمهمة التي قدم الحجاج من أجلها واستغلال الفرصة التي قد لا تتكرر بالنسبة لغالبية المسلمين الذين يكابد أحدهم سنوات طويلة قبل حصوله على تأمين تكاليف الحج؟ والحقيقة -وبحسب تجارب ومشاهدات شخصية- فإن حجاج بيت الله الحرام ينقسمون في استخدام هذه المواقع وطريقة تعاملهم معها إلى قسمين. قسم يرى فيها إضافة حقيقية لتسهيل أمور الحج والتواصل مع الأهل في الوطن والاطمئنان على سلامتهم، والاستفسار عن كل حكم عارض يتعلق بأركان الحج أو سننه أو مندوباته، وبالتالي يستطيع الحصول على الأجوبة الشافية عن طريق كتابة سؤال والتغريد به، ليجد صاحبه الجواب عن طريق أصدقاء صفحته خلال دقائق معدودة، أو عن طريق الدخول إلى موقع إسلامي أو موقع عالم دين، فهذا النوع من الحجاج هم من يجب عليهم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لأنها بالنسبة لهم وسائل تعينهم على أداء المهمة التي قدموا من أجلها. تحذير خاص أما القسم الآخر فهم مجموعة من الشباب المدمنين على الأنترنت الذين لم يعد بإمكان أحدهم العيش _ولو لدقيقة- خارج ذلك العالم، والدردشة في غرف الشات والإبحار في مختلف المواقع، والتقاط الصور أمام الكعبة المشرفة وفي مختلف المشاعر وتحميلها لنيل أكبر قدر ممكن من الإعجاب بصوره على صفحته، فهؤلاء يفسدون أجر حجهم، ويستخدمون هذه الأجهزة استخداما سيئا في مثل هذه الأوقات التي ينبغي فيها على الحاج ملء كل فراغ بالطاعات والعبادات، لأن الحسنة _كما السيئة- تعظم بحسب الزمان والمكان، وهذه الأيام أجمع العلماء على أنها أفضل أيام السنة كلها، ناهيك عن حرمة المكان. لذا لا بد لحملات الحج والمسؤولين عن الوعظ والإرشاد المرافقين لتلك الحملات تنبيه الحجاج وتوعيتهم بإيجابيات وسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي، وحثهم على استخدامها في كل ما يفيد، والابتعاد عن استخدامها في أمور قد تختلس كثيرا من أجر الحاج فيما لو انجرف وراء عادته في الإدمان على الأنترنت، واستسلم لضعفه أمام مغريات عالم النت الزاخر. وغير هذا وذاك فإن سلطات الحج في المملكة العربية السعودية أدركت إيجابيات هذه المواقع ودخلت على الخط وبدأت في استخدامها لتوعية الحجاج بمتطلبات السلامة في الحج عبر تويتر وفيسبوك وقناة الدفاع المدني على موقع يوتيوب الناطقة بأربع لغات هي العربية والإنجليزية والفرنسية والأوردية، وتحتوي صفحات الدفاع المدني على مواقع التواصل الاجتماعي وقناة يوتيوب ما بين رسائل التوعية وإرشادات السلامة من المخاطر التي قد يتعرض لها الحجاج خلال الموسم، فضلا عن استعدادات الدفاع المدني لتنفيذ الخطة العامة لتدابير مواجهة الطوارئ.