بقلم: عبد الحليم قنديل نعم، إما أن تختار فلسطين ، أو أن تختار داعش . ولا توجد منطقة وسطى بين جنة اختيار فلسطين، ونار اختيار داعش . اختيار فلسطين يعني حفظ الدين وصيانة الوطن وتكريم الإنسان، واختيار داعش يعني الكفر بالدين وتحطيم الأوطان والعصف بإنسانية الإنسان. وفي رسم كاريكاتيري معبر للفنان المصري الموهوب سعد الدين شحاتة، تجد حوارا بين داعش و حمار يضحك ساخرا، يقول الداعشي هنحرر العالم العربي.. وبعدين هنحرر القدس ، ويرد الحمار هازئا على الداعشي لا يا شيخ ، والمعنى مفهوم، فحتى الحمار يعرف الحكاية، وهي أن اختيار داعش والداعشين هو أعظم خدمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي، بينما اختيار فلسطين هو الذي يحطم إسرائيل ويحرر القدس. جذور داعش و داعش ليس مجرد تنظيم، ولا دولة خلافة أشبه بالخرافة، إنه طريقة مميتة في التفكير، اجتذب إليه أجيالا وراء أجيال من الشباب العربي، دفنت طاقتهم الحيوية في بئر الكفر باسم الإسلام، والبحث عن معنى للحياة بالتدمير الكامل لكل حياة، وهو الخيط الذي التقطته المخابرات الأمريكية منذ أواخر السبعينيات، وأدارت به حرب تعبئة مزيفة، جوهرها ترك الانشغال بفلسطين والمقاومة الفلسطينية، وتدبير عملية الهجرة إلى أطراف العالم الإسلامي، وبدعوى الجهاد ضد الاحتلال الروسي لأفغانستان، وترك الجهاد ضد إسرائيل، وهو ما فرح به العدو، ودعمته أموال وتسهيلات الحكومات الرجعية العربية، وشارك به مشايخ السلفيين والإخوان، وجندت له طاقات هائلة بدوافع بدت خيرية وإيمانية، ولم تكن النهاية تحريرا لأفغانستان، بل تدميرا للبلد الذي زعموا الذهاب لتحريره، ثم تحطيم جواره باكستان، واجتلاب الاحتلال الأمريكي بعد زوال الاحتلال السوفييتي، وانقلاب السحر على الساحر، وتكون جماعة القاعدة وأخواتها، ثم القفز من الدائرة الأبعد إلى الدائرة الأقرب، والبدء بتحطيم الحلقة الأقرب من دول العالم الإسلامي، المحيطة بفلسطينالمحتلة، وعلى نحو ما جرى ويجري في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، ثم على نحو ما يجري في سوريا، وحيث ولد تنظيم داعش كجماعة تحطيم أشرس من القاعدة وأخواتها، وباتباع السياسة الاستعمارية القديمة المتجددة، وهي سياسة فرق تسد ، وترك العداوة الجامعة لإسرائيل، وإحلال عداوة السنة للشيعة، وافتعال حروب الصراع بين ولاية الشيعة وخلافة السنة، وتفكيك النسيج الوطني، على نحو ما حدث في العراقوسوريا، والنيران الممتدة إلى لبنان الهش، وبعدها إلى الأردن، والتهديد بانتقال العدوى إلى دول الخليج واليمن، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الحروب والاحتقانات الطائفية، والتدمير الوحشي للمدن والقرى والبشر والحجر والحرث والنسل، وتمزيق الأمة إلى ألف أمة، وبأكثر مما حلمت به إسرائيل، وبأكثر مما سعت إليه دول جوار طامعة كتركيا وإيران، تسعى لبناء امبراطورياتها على أنقاض الكيان العربي، وبتفاهم تقليدي راسخ مع الأمريكيين والإسرائيليين في الحالة التركية، وتفاهم مستجد مع واشنطن في الحالة الإيرانية. وليست مصادفة، أن رصاصة واحدة من داعش وأخواته لم تذهب إلى إسرائيل، فهؤلاء الذين يقاتلون زورا باسم الإسلام لا يعرفون شيئا اسمه فلسطينالمحتلة، لا يطرأ على بالهم ولا يرد إلى خيالهم، فهم مشغولون بسبي النساء وجهاد الفراش، وبحربهم المقدسة المدنسة، وبالعمليات الانتحارية والسيارات المفخخة، وبقطع رؤوس العرب والمسلمين سنة وشيعة، وبنقل مسارح الدمار إلى حيث يوجد نفس لعربي، وعلى طريقة محاولاتهم البائسة للعبث في مصر القوية، أو محاولاتهم المتقدمة لإكمال تحطيم ليبيا المفرقة، وعلى نحو يهدد بانتقال النيران إلى تونس الديمقراطية بالذات، وبدعم مالي وفير من ذات الدوائر الرجعية العربية، وبصفقات تسليح تنشط بها تركيا الأطلنطية، وبرضا ظاهر من المخابرات الأمريكية، وبسرور غامر من إسرائيل السعيدة بكل ما يجري، فقد كسبت وجودا لوحش إرهابي يبدو أنه يهدد العالم كله، ويلفت النظر عن جرائمها الاستيطانية، وابتلاعها اليومي للأرض الفلسطينية، فوق أنها لا تحس خطرا يدمي أياديها، فقد وجد داعش وأخواته، من نوع جبهة النصرة على حدود الجولان المحتل، ومن دون أن يطلقوا رصاصة على جنود الاحتلال، بل طلبوا المدد والعون الإسرائيلي في مواجهة الجيش السوري، ولم تتخلف إسرائيل عن نصرة النصرة و داعش ، ووجهت نيرانها وغاراتها إلى دمشق، ليس كراهة ببشار الأسد، بل حبا في داعش ، فالأخيرة تتصرف بما يخدم إسرائيل، وبطريقة أكفأ من كل ما يمكن أن تفعله إسرائيل، فقد حملت عن إسرائيل عبء السلاح والمال والدم اللازم لتدمير مدن العرب وقراهم، وتشريد ملايينهم إلى مخيمات البؤس، وقامت داعش بكل ما أملت فيه إسرائيل، وبطريقة التدمير الذاتي المتناسل تلقائيا، وباستخدام وصفة دمر نفسك بنفسك ، فبعد أن تقوم داعش بالواجب المحبب لأمريكا وإسرائيل، تدور الدوائر على الخلافة الوهمية، وينتهي داعش البغدادي، لتولد دواعش أخرى. وقد يقال لك إن داعش ولدت نتيجة قهر نظم ديكتاتورية طائفية، وهذا تفسير صحيح جزئيا في حالة نظامي الحكم ببغداد ودمشق، لكن التفسير ناقص ومعتل، فقد وقف داعش وأخواته ضد الثورات على الديكتاتوريات أيضا، وأصل العلة في طريقة تفكير اليمين الديني، أو حركات الإسلام السياسي بالتسمية الأمريكية المروجة، فهي حركات فاشية شمولية في جوهرها، لا تملك برنامجا سياسيا اقتصاديا اجتماعيا إصلاحيا ولا تغييريا، ولا تؤمن بالديمقراطية إلا على طريقة تصويت المرة الواحدة، التي تمكنها من السلطة، وحيث لا تدري ما تفعل، إن كانت لها الغلبة التصويتية، سوى التحول إلى الحكم بالعنف والإقصاء، وهو ما يخلق بيئة نفور طبيعي منها، ومن أصحابها، ويدمر شعبيتها الطارئة، وهو ما يدفعها إلى مزيد من العنف الهمجي الداعشي النزعة، وعلى نحو ما جرى ويجري في حالات عربية منظورة بعد الثورات، ربما باستثناء وحيد إلى الآن، وهو حركة النهضة في تونس، التي تقبلت خسارتها الشعبية برضا ظاهر وغضب مكتوم، ومن دون ضمان لاستمرار السلوك الأكثر نضجا، فالبيئة التونسية حبلى بإرهاب كامن، ويكفي أن تونس الديمقراطية هي المصدر الأول عربيا لإرهابيي الدواعش ، وقد تعود النار فتأكل تونس نفسها، وتدخلها في أفران التدمير الذاتي، الذي يغني ويلهي عن تذكر أي فضيلة إنسانية إسلامية أو قومية عربية، ويلغي من الذاكرة اسم فلسطين نفسها، ناهيك عن تذكر عذابها في قبضة الوحشية الإسرائيلية. وقد لا يستطيع أحد أن يتنكر لأدوار إسلاميين في تاريخ وحاضر حركة التحرير الوطني الفلسطينية، من أول دور الشيخ السوري عز الدين القسام، إلى دور كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس، إلى دور الحركة الإسلامية في أوساط عرب 1948، وكلها لعبت أدوارا مرموقة في استعادة الهوية الوطنية الفلسطينية، وبإدراك عميق لطبيعة العروة الوثقى بين الإسلام والقومية العربية، بل أن حركة فتح نفسها نشأت تاريخيا على يد مؤسسين، أغلبهم كانوا في السابق أعضاء بحركة الإخوان في فلسطين، لكن حركة فتح سرعان ما عبرت بهويتها إلى الطابع الفلسطيني الوطني العام، وهو ما كان يؤمل أن تتحول إليه حركة حماس التي ظلت على ولائها للإخوان، وعلى عكس حركة الجهاد الإسلامي التي جعلت من استعادة فلسطين جوهر قضية الإسلام والمسلمين، ولم تتورط في اشتباكات أهلية، ولا ساومت في رفض أوسلو، ووضعت قضية تحرير فلسطين وحدها فوق كل ما عداها. نعم، المسلم الحقيقي والعربي الحقيقي يعرف اختياره بلا تردد، واختياره لفلسطين أولى القبلتين ذروة الإيمان، ورفضه ل داعش رفض للكفر بدين الإسلام.