إن الثناء على الحبيب (محمد بن عبد الله) قد واكب حياته من أولها، وتناقلت كتب السيرة أخبار هذا المديح والثناء من الأولين للحبيب محمد .. فحين ولد حمله جده عبد المطلب وذهب به إلى الكعبة المشرفة وطاف به وهو يثني عليه قائلاً: الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام الطيب الأردان قد ساد في المهد على الغلمان أعيذه بالبيت ذي الأركان وعندما كبر الحبيب وعاش فى بيت عمه أبو طالب قال عنه : وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل ثم هاهو حسان بن ثابت يمدحه قائلاً : وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذ قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجلّه فذو العرش محمودٌ وهذا محمد البوصيري .. أشهر مداحي الحبيب مولاي صلي وسلم دائماً أبدا على حبيبك خير الخلق كلهم محمد سيد الكونين والثقلين والفريقين من عرب ومن عجمِ هو الحبيب الذي ترجى شفاعته لكل هولٍ من الأهوال مقتحم لم يشتهر أحد فى مجال مدح الحبيب محمد مثلما اشتهر الإمام البوصيري) محمد بن سعيد البوصيري (في قصيدته الرائعة) (البردة) أو قصيدة البُرأة أو الكواكب الدريَّة في مدح خير البرية، أحد أشهر القصائد في مدح النبي محمد، والتى كتبها في القرن السابع الهجري الموافق القرن الحادي عشر الميلادي وقد أجمع معظم الباحثين على أن هذه القصيدة من أفضل وأعجب قصائد المديح النبوي إن لم تكن أفضلها، حتى قيل: إنها أشهر قصيدة مدح في الشعر العربي، وقد انتشرت هذه القصيدة انتشارًا واسعًا في البلاد الإسلامية، حتى أنه في بعض البلاد يقرأها محبو رسول الله كل ليلة جمعة ويقيموا لها مجالس عرفت بمجالس البردة الشريفة أو مجالس الصلاة على النبي. وقد اشتملت البردة على جمل من صفاته ومعجزاته وسيرته وأخلاقه _ صلى الله عليه وسلم _ فكان لها عظيم الأثر في تعريف العامة به _ صلوات الله وسلامه عليه _ فحرص لذلك علماء الأمة على شرحها. وعنها يقول الدكتور زكي مبارك: (البوصيري بهذه البردة هو الأستاذ الأعظم لجماهير المسلمين، ولقصيدته أثر في تعليمهم الأدب والتاريخ والأخلاق، فعن البردة تلّقى الناس طوائف من الألفاظ والتعابير غنيت بها لغة التخاطب، وعن البردة عرفوا أبوابًا من السيرة النبوية، وعن البردة تلّقوا أبلغ درس في كرم الشمائل والصفات والخلال. وليس من القليل أن تنفذ هذه القصيدة بسحرها الآخاذ إلى مختلف الأقطار الإسلامية، وأن يكون الحرص على تلاوتها وحفظها من وسائل التقرب إلى الله والرسول). سبب كتابة البردة يقول البوصيري عن سبب كتابته لهذه القصيدة حينما سدت أمامه كل الأبواب إلا باب عشق رسول الله: فجأة أصابني مرض (الشلل النصفي) فأبطل نصفي وظللت في فراشي بلا حركة لمدة طويلة، ففكرت في عمل قصيدتي هذه فعملتها واستشفعت بها إلى الله في أن يعافيني، وكررت إنشادها، ودعوت.. وتوسلت .. ونمت .. فرأيت النبي فمسح على وجهي بيده المباركة، وألقى عليّ بردة (رداء)، فاستيقظت ووجدتُ فيّ رغبة للنهوض من فراشي، فقمت وخرجت من بيتي، ولم أكن أعلمت بذلك أحداً، فلقيني بعض الفقراء فقال لي: أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: أي قصائدي؟ فقال: التي أنشأتها في مرضك، وذكر أولها وقال: والله إني سمعتها البارحة وهي تنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأعجبته وألقى على من أنشدها بردة. فأعطيته إياها. وذكر الفقير ذلك وشاعت الرؤيا بين الناس ..). أجزاء القصيدة تقع قصيدة البردة في عشرة فصول هي بالترتيب الفصل الأول: في الغزل وشكوى الغرام الفصل الثاني: في التحذير من هوى النفس الفصل الثالث : في مدح سيد المرسلين الفصل الرابع: في مولده الفصل الخامس: في معجزاته الفصل السادس: في شرف القرآن ومدحه الفصل السابع: في إسرائه ومعراجه الفصل الثامن: في جهاد النبي الفصل التاسع: في التوسل بالنبي الفصل العاشر: في المناجاة وعرض الحاجات وهكذا فإن مدح الحبيب _ صلوات الله وسلامه عليه _ هو في حقيقة الأمر مدح للنبوة .. والثناء عليه ثناء على الرسالة وعلى من أرسله بها ... لذلك فقد كان النبي يفرح حين يمدح، لالشخصه ولكن لأن المدح لايصدر إلا من محب صادق ومؤمن كامل الإيمان.