من المسلّم به لدى كلِّ مسلم مؤمن محسن أن ليس هناك مخلوق أحبَّ إلى اللّه الخالق من حبيبه ومصطفاه ومجتباه سيدنا ومولانا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ثمة فليس هناك أحب إلى المؤمن المحسن بعد خالقه من هذا الرسول الكريم والنبي الرحيم عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأزكى التسليمات. ولا غرو...! فهو الصادق المصدوق القائل ''أحِبّوا اللّه لما أسدى إليكم من نِعم، وأحبوني لحبّ اللّه''، وقال صلى اللّه عليه وآله وسلم ''واللّه لا يُؤمن أحدُكم حتى أكون أحبّ إليه من أهله وماله والنّاس أجمعين''. ولا مراء في أنّ محبته صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ينبغي أن تكون مشفوعة بمحبة آله الأطهار وصحابته الأخيار الذين وقفوا حيواتهم على محبته والذود على بيضة الإسلام بالنّفس والنّفيس، عليهم جميعًا سلام اللّه ورضوانه وقد تجلت هذه المحبة لدى بعضهم بأنّ غدوا شعراءه ومداحه أمثال سادتنا حسان بن ثابث، وعبد اللّه بن رواحة وكعب بن مالك رضي اللّه عنهم أجمعين، وقد سار على هديهم الكثير من التابعين وتابعي التابعين الممنون عليهم بفصاحة اللسان وامتلاك ناصية البيان، فكرسّوا أشعارهم لمدحه صلى الله عليه وآله وسلّم، وذِكر خصالِه وخِلاله، وفضائله وشمائله على غرار الولي الصالح الشهير سيدي البوصيري قدّس اللّه سرّه، الجزائري الأصل من بلدة دلس بولاية سيدي بومرداس رضي الله عنه وهو دفين الإسكندرية بمصر، وما تزال قصائده العصماء تتلى على مسامع المؤمنين في مختلف أرجاء المعمورة كالبردة والهمزية والمحمدية وغيرها كثير! ومن مداحي الحبيب المُصطفى صلّى اللّه عليه وآله وسلّم الذين تعتزُ بهم الجزائر المحروسة، سيدي لخضر بن مخلوف المستغانمي رضي اللّه عنه، والذي ما تزال كذلك مدائحه بالشعر الشعبي المُسمى ''الملحون'' يتغنى بها الفنانون سواء في الطرب الشعبي أو البدوي، والذي مازال ضريحه الشريف ومقامه المنيف مزارا يؤمه القاصي والداني للترحم عليه، والتبرك به، كما لا تزال تلك النخلة الباسقة علامة دالة على أن كرامات الأولياء لا ينكرها إلا كل جاحد حاقد والعياذ باللّه.هو سيدي لخضر ''المدعو لكحل'' بن عبد اللّه بن مخلوف وأمه ''كلّة'' بنت سيدي '' يعقوب الشريف'' من عشعاشة وهناك من اجتهد، استناداً إلى ما ورد في قصيدته ''الوفاة'' فذكر أن تاريخ ميلاده هو سنة 1492م وتوفي سنة 1613م، والمؤكد أنه ولد في أواخر القرن الثامن الهجري وتوفي في أوائل القرن العاشر الهجري إذ عاش 125 سنة.. وسيدي لخضر بن خلوف ينحدر من سلالة شريفة تمتد إلى ياقوتة الأنام مولاتنا فاطمة الزهراء رضي اللّه عنها، وسيدنا علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه ورضي عنه، وفي هذه السلالة الشريفة يقول: اللّه يرحم قايل لبيات لكحل واسم باباه عبد اللّه المشهور اسمه في الأنعات مغراوي جده رسول اللّه وأمه جات من القرشيات اليعقوبية لالّة كلّه وعند بلوغه سن الأربعين وقف بقية حياته على مدح الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وفي ذلك يقول: جوزت مية وخمسة وعشرين سنة حساب وزدت من ورا سنّي ست شهور منهم مشات ربعين سنة مثل السراب وما بقى مشى في مدح المبرور والمعلوم أنه قضى شبابه في ''مزغران'' بمستغانم للدراسة وطلب العلم، وشارك في صفوف الجيش الجزائري في عهد السلطان خير الدين، وخاض معه معارك ضارية ضد قوات الاحتلال الإسباني المتوجه صوب مستغانم. وقد خلد جهاده في صفوف المجاهدين الجزائريين ضد الإسبان في المعارك، أولاها تعرف ب''قصة شرشال'' بدايتها الجزائر شمالا مرورا بالبليدة والشلف ومستغانم ثم مزغران غربا، وثانيها معركة ''مزغران الشهيرة'' التي وقعت أحداثها في 22 أوت .1558 ونظرا لتفانيه وفنائه في حب المصطفى صلى اللّه عليه وآله وسلم، عملا بقوله تعال '' قل إن كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم الله'' الآية، فقد كان المولى عزّ وجل يجود عليه بنفحاته الربانية وإمداداته الصمادنية ومكاشفاته اللّدنية، منها إمتاعه برؤية الحبيب صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقظة ومناما، كما يقول: يكفيني صدقي ونية لخضر كيف يكون خاطي تسعة وتسعين رؤية والعاطي مازال يعطي فأنعم بها من عطايا وهدايا!! وطُوبى لسيدي لخضر بن مخلوف دنيا وأخرى! تُوفي رضي اللّه عنه عن خمسة أولاد أربعة ذكور وأنثى ''لالة حفصة'' من زوجته الشريفة ''لالة قلّو'' بنت سيدي عفيف الكائن ضريحه غرب مدينة سيدي علي رضي اللّه عنهما ودُفن في المكان الذي حدّده بوصيته: النخلة المثبتة من بعد اليبوس حذاها يكون قبري يا مسلمين ويُقام له كل سنة حفل ديني يُسمى بالطعم، تنشد خلاله وتُغَنَى قصائد من مجموع 130 قصيدة المعروفة عنه... فاللّهُم أفض على سيدي لخضر بن مخلوف وعلى جميع مدّاحي الحبيب المُصطفى صلّى اللّه عليه وآله وسلم، وعلى جميع الأولياء والعارفين من كرمك وجودك ما يُرضيهم وفوق الرّضى، وأعدّ علينا من بركاتهم كرامتهم وانفعنا بعُلومهم الظاهرة والباطنة. ؟ الأستاذ: بلقاسم أبو محمد