هذا ما يحدث يوميا في النقل الخاص: سرقات.. تحرشات واستغلال لكرامة المواطنين تعددت الأسماء والأوصاف التي أطلقت على وسائل النقل المشترك التابعة للناقلين الخواص، فهناك من يقول بأنها علب سردين حيث الأسماك شبه المهروسة متراصة فوق بعضها بعضاً، وهناك من يسميها (عنابر من حديد)، الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود. وفي زمن تبجيل المرأة واحترامها والحفاظ على مكانتها لأنها الأم والأخت والزوجة، تحولّت إلى مرتع للمكبوتين وملعب للمقهورين وحلبة للمأزومين. ومع الانفجار السكاني أصبحت هذه الوسائل معياراً لقوة التحمّل وصلابة الإرادة وعزيمة لا تلين تحت وطأة الاختناق أو ثقل التحرّشات أو ضغط الأجسام. خ. عمراني ما يجرى في الشوارع بفعل النقل المشترك الخاص لم يكن على البال أو الخاطر، إذ تحوّلت إلى غابات ترتع فيها وحوش ضارية وكائنات هائلة تتخذ من مركبات (هذه الخدمة العامة) وسيلة لفرض السطوة، وطريقة لبسط السلطة، ومجالاً للتعبير عن الكبت عبر قواعد تشغيل وقيادة، تعلن تلك المركبات مناطق محررة من مراقبة الدولة وإنفاذ القانون، بل ومن سطوة قوانين الطبيعة، التي تضرب بها عرض الحائط الغالبية العظمى من سائقي مركبات النقل المشترك تئن وتتوجع على مدار الساعة، ومعها ملايين من المواطنين المستخدمين لها على رغم أنوفهم وبغض النظر عن ظروفهم. قانون خاص يفرضه الناقلون الخواص عبر محطات النقل، بحيث يصبح المواطن فريسة سهلة المنال لديهم غير قادر على الاعتراض على التنكيل بكرامته وبسلامته، بحيث حياته أصبحت في خطر منذ ركوبه في حافلة النقل الخاص، فالناقل يجبره على تحمل السرعة الزائدة والتنافس مع بقية السائقين للوصول أولا إلى الموقف أو المحطة المنشودة، وعليه أيضا ان يتحمل استفزاز قابض التذاكر خاصة إذا كان واقفا فيجبر على الالتصاق بأجسام الركاب والتضييق أكثر ليركب المزيد منهم وليزيد ربح الناقل على حساب راحة وكرامة الراكب.. التقينا بالعشرات من الركاب على مستوى محطات العاصمة يشتكون من نفس الحالة التي يصفونها بالمزرية والتي باتت تجرح يومياتهم، والانتقاد يعرضهم في كل مرة إلى الشجار مع الناقلين، وعليه فإن السكوت والتجاهل تحوّل إلى أسلوب لديهم في مواجهة استغلال هؤلاء الناقلين الذين تجاوزوا كل الحدود.. والأخطر أن هذه الحافلات المستخدمة من طرف الناقلين الخواص تشهد حالة متقدمة من التدهور، بحيث رصدت (أخبار اليوم) العديد من هذه المشاهد على مستوى محطة بن عكنون وكذا محطة بن عمار بالقبة، فهناك حافلات أصبحت خطرا كبيرا على حياة المواطن خاصة في فصل الشتاء أين تتحول هذه الحافلات إلى ما يشبه الثلاجات، من خلال زجاجها المكسور والأبواب التي بالكاد تغلق.. لقد جابهت منظومة النقل المشترك أزمة النقل العام الحكومي، ويسّرت انتقال ملايين الجزائريين يومياً. لكنها في الوقت عينه فتحت أبواب عشوائية الشوارع وكوارث المرور ومآسي الطرق على مصراعيها، جنباً إلى جنب مع هامش هوايات تتراوح بين السرقة والتحرّش والتعدي، وعليه فإن تكثيف الرقابة في محطات النقل أصبح أمرا أكثر من ضروري تتطلبه سلامة ملايين المواطنين الخاضعين لسطوة النقل الخاص..