بات استمرار تدني خدمات النقل يصنع الحدث في العاصمة، وجعلت الآلاف من الطلبة والموظفين يتخبطون في العديد من المشاكل ويغرقون في دوامة الهواجس والإرهاق، ما حوّل يوميات سكان المدينة الأولى في البلاد إلى جحيم لا يطاق. لمعرفة الواقع المر الذي بات ينغص الفرد في هذا القطاع، ارتأت «السلام» إجراء جولة استطلاعية عبر مختلف محطات الحافلات المتواجدة على مستوى العاصمة، والتي صوّرت لنا الوضعية الكارثية التي وصل إليها القطاع، وأدت به إلى التراجع بالرغم من التطور الحاصل في هذا المجال. وأكّد جميع من تحدثوا ل «السلام»، على اشتداد معضلة النقل التي ما تزال تؤرق معظم المواطنين، خاصة أولئك المفتقرين لسيارات تقلهم لعملهم أو وسيلة يقضوا بها أعمالهم ومسؤولياتهم، إذ بات الحديث عن تدني الخدمات ومستوى القطاع الحديث اليومي للمواطنين الذين يفتتحون يومياتهم بتذمر مضاعف جراء نوعية الحافلات التي تقلهم، على نحو جعل الأخيرة علبة مغلقة تشحن أفراد بطريقة غير مقبولة. ولا تزال العديد من الحافلات التابعة للقطاع الخاص تستوقف العديد من المواطنين الذين عبروا لنا عن غضبهم للحالة التي آلت إليها الحافلات، والتي أصبحت تشكل هاجسهم اليومي تخوفا من قدمها وتدهورها كليا، ناهيك عن المحركات التي يُسمع دويها من بعيد، ويتهيأ للفرد أنّ تلك المحركات ستتحطم في أية لحظة، نتيجة أنّ معظمها يعود لأكثر من نصف قرن من الخدمة في القطاع. وأكّد المسافرون أنّ الحافلات المستخدمة في محيط العاصمة تنعدم لأدنى متطلبات الرفاهية التي هي حق لكل مسافر، ومكانها كما صرح العديد منهم هي «المتاحف الوطنية» وليس محطات الحافلات فحسب، إضافة إلى انعدام النظافة في الكثير منها ما حوّلها إلى «اصطبلات» يتراكم فيها الغبار والنفايات ولا يكلف ملّاكها أنفسهم عناء تنظيفها، ناهيك على الفوضى التي تطبع معظم الحافلات. ولاحظنا على مستوى محطة الحافلات بساحة تافورة المتعددة الاتجاهات، أنّ وضع الحافلات هناك بات كارثيا دون تدخل الجهات المعنية لإيقافها من العمل أو تغيير مالكيها، في وقت اتهم جل المسافرين السلطات ومديريات النقل بعدم مراعاة الشروط الضرورية والمبادئ الرئيسية الخاصة بنوعية وشروط المركبات التي تعتبر الحافلات التي مرّ عليها أكثر من 30 سنة من العمل غير صالحة، إلاّ أنّ عدم تطبيق القانون بالنسبة لمالكي الحافلات أدى بالقطاع للحضيض، بمقابل اللهث المستمر لأصحاب المركبات وراء الربح السريع وجمع المال دون مراعاة لحقوق وكرامة زبائنهم. علب السردين تمتلئ كما أبدى لنا العديد من المسافرين عن انزعاجهم من تحول الحافلات في معظم الأوقات إلى مسرح لمناوشات حادة، يكون القابضون أبطالها بسبب طرائقهم وسلوكاتهم غير الحضرية الباحثة عن ملء الحافلات بأي ثمن، ضاربين عرض الحائط القوانين والأعراف الخاصة بتحديد عدد الركاب، فالمهم بأعين مالكي الحافلات جني الربح الوفير ناهيك عن الطريقة التي أصبح يعاملون بها الناس، وسط علب «سردين» لا تراعي حالة الركاب وسنهم وجنسهم. هذا الأمر الذي أدى في العديد من المرات إلى نشوب شجارات بين الركاب فيما بينهم أو مع السائقين والقابضين، وتتضخم المعاناة في فصل الصيف أين يصعب على الركاب تحمّل حدة الاكتظاظ داخل الحافلات والروائح الكريهة المنبعثة منها، والتي يفرزها الدخان المنبعث من الحافلات بحد ذاتها لقدم محركها أو لانعدام النظافة بداخلها. ولهذه الأسباب وأخرى، يبقى مستخدمو الحافلات في العاصمة هم الضحايا الأوائل لدفع ضريبة غياب لجان المراقبة وتمادي مالكي الحافلات في تطبيق المنشور الوزاري الذي ينص عن توقيف هذه الأخيرة عن العمل، بالرغم من تحجج هؤلاء بعدم مساعدة الدولة للخواص في هذا القطاع وغلاء سعر الحافلات من جهة أخرى.