بقلم: ضياء الحكيم* ليس معيباً أن معظم قادة دول كبرى وزعماء دول عربية وإسلامية انضموا إلى العمل السياسي الوطني دون خبرة سابقة بالعلاقات الدولية. وليس معيباً أن معظم قادة العراق السياسي انضموا إلى حركات وطنية سياسية للمشاركة في إنشاء وقيام نظام سياسي دستوري تعددي ديمقراطي انتخابي مع أن غالبيتهم لايمتلكون شهادة أكاديمية في العلاقات الدولية، إلا أن المعيب، كما أراه شخصياً، تسلق المناصب القيادية دون الخبرة العملية والمعرفة بالعلاقات الدولية ومفهوم تهديد مصالح دول أو على الأقل الخلفية الموثقة في عمل المنظمات وتدريس العلوم السياسية التي تعني في أبسط مفاهيمها، فن المفاوضات ودبلوماسية الحوار وقراءة نصوص الاتفاقات والتحالفات الدولية وطرقها والوعي بحقول ألغامها، والأزمات وحدها تُعرّفك على الصديق وتمييزه عن العدو في العراق، تستطيع تسمية الحاجة للحصول على السلاح بما تحب وكما تبغي، مع أن المسؤولية الأكبر لاستعماله في الحرب تقع على الدولة، وتستطيع تسمية التحالف بأنه تحالف مع دول صديقة وأخرى شيطانية معادية. لكن لاتنسى ماحصل لدول عربية عديدة في وقت الأزمات، من خراب ودمار بميلها للتحالف بلا نظرة واعية كما هي الحالة الممتدة جغرافياً من ليبيا في شمال أفريقيا إلى حامي البوابة الشرقية في العراق. فعم الخراب وحصل ما حصل. فوضى السلاح الحاجة للسلاح كما تراه الإدارة الأمريكية في مطاليب زوار العراقلواشنطن هو للقتال عند البوابة الشرقية أو الشمالية أو في محافظة نينوى أو الأنبار أو حماية العشائر العراقية من القاعدة أو جرائم داعش أو المليشيات غير الشيعية غير المنضبطة، أو إقليمياً الكويت أو إسرائيل وتجميل عمليات جراحية لفصل العراق إلى ثلاث دول كما يطالب بها زوار واشنطن من العراقيين الهاربين. فشراسة الحرب آخذة بالتصاعد بين المؤمنين بوحدة العراق والباعة من زوار واشنطن المؤمنين بتقسيمه إلى ثلات دول وأسمائهم المعروفة. زوار واشنطن يتحدثون في العاصمة الأمريكية وكأنهم يمثلون أهل العراق مع علمهم بأنهم غير مخولين بالحديث عن مكون مذهبي لايعترف بهم أو بتنويب أنفسهم عنه. الأمر ليس له علاقة بجدوى الأمن والسيادة والاستقرار بالحصول على السلاح وتوزيعه عشائرياً وفئوياً وقومياً دون ثقافة وتربية وطنية، وإنما التمهيد لعشائرهم وأحزابهم ومواليهم لتجزئة العراق وتقسيمه وهو مافهمه من لايمتلك الخلفية السياسية المتزنة المؤهلة للتصريح والكلام والخطابات التحريضية للتفرقة بين مواطن وآخر. بعد أن سقطت محافظاتهم الموصل والأنبار بيد داعش بدأَ محافظ نينوى مع نائب وزراء سابق لبس قبعة سياسية جديدة هي تقسيم العراق إلى ثلاث دول (سُنية وشيعية وكردية) ولا يعرف أحد غرابة سلوكية الشخصين وارتمائهما في أحضان معهد أبحاث أمريكي للترويج للفكرة. فما علاقة معهد بروكنز المتخصص في البحوث والدراسات الإستراتيجية في واشنطن وحضورهما من أربيل لإلقاء كلمة خطابية فيه ويطلب فيها أثيل النجيفي من الحضور الاستماع إلى تذمره وشكواه والحديث عن مستقبل العراق بدلاً من حضوره رئاسة مجلس النواب بين نوابه وأنصاره في بغداد؟ فقد نشر المكتب الإعلامي لمحافظ نينوى يوم 9 مارس 2015 أنه قدِمَ إلى العاصمة الأميركية واشنطن في زيارة غير رسمية لبحث وضع العرب (السنة) في العراق وأهمية المصالحة الوطنية. ألم ينبهه أحد أن معهد بروكنز ليس منظمة لتشيّد دولة أو محكمة دولية، فهو مركز دراسات والحضور عادةً أساتذة وطلاب لهم أبحاث وكراسات عن دراسات دولية مفصلة توزع للحصول على درجة علمية في الماجستير والدكتوراه؟ اجتمع اثيل النجيفي محافظ نينوى في (واشنطن مع عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي. هل تسمي هذا اجتماع؟ وعندما يتعلق الأمر بالأمن الوطني وامتحان الشجاعة في العراق كنا نتصور أن مواطناً عراقياً يطرح وجهة نظره بين أبناء شعبه وعلى الأقل بين مكونه المذهبي، لكن زوار العاصمة واشنطن خروجاً على كل التقاليد والأعراف يشذّون عن الطريق ويتحدثون ((من فنادق واشنطن وأروقته إلى عضو كونغرس أمريكي خارج مكتبه بعد تقديم التماس لمقابلته بأنهم يشكلون معارضة)) وأنهم يمثلون أهل العراق مع علمهم بأنهم غير مخولين بالحديث عن أي مكون مذهبي لا يعترف بهم وبتنويب أنفسهم واعتقاداً منهم أن عضو الكونغرس تهمه مصلحة العراق، وبين الحين والحين يصل ممثلو الدعوات الانفصالية إلى واشنطن لتعميم وترويج أجواء الكراهية وتجميل الانفصال وتوسيع رقعته بالتآمر والإدعاء لموظفي الإدارة الأمريكية بسعيهم إلى غلق الأبواب المفتوحة لدخول الإرهاب الإيراني وتبريره لاستجداء الدعم السياسي والدعم المالي والأسلحة الثقيلة، والأشقى من ذلك لا تأخذهم هفواتهم وأخطاؤهم وماارتكبوه من تخريب هيكل الدولة وتخريب قواتها المسلحة في محافظاتهم المؤتمنة إدارياً في أيديهم إلى مراجعة أنفسهم والاعتراف بسوء إدارتهم والاعتذار عنها إلى مكونهم وعما سببوه من مآسٍ لشعبنا، فمثل هذه التربية الوطنية لم تصل بعد.