بعد ساعات من الآن نودّع سنة 2010 بأفراحها وأقراحها، بحلوّها ومرّها لنستقبل سنة أخرى يأمل الجزائريون أن تكون أفضل من سابقتها على مختلف الأصعدة، ويتمنّى الملايين أن تجد مشاكلهم انفراجا في السنة الجديدة، خصوصا بعد المؤشّرات الطيّبة التي حملتها السنة التي سنودّعها، ويبدو أن السكن والشغل مازالا في صدارة اهتمامات أغلب الجزائريين، إضافة إلى متطلّبات الحياة الأخرى· تميّزت الساحة الوطنية والاجتماعية في سنة 2010 بالعديد من الأحداث التي تركت بصماتها على المواطن الجزائري، سواء كانت في الاتجاه الإيجابي أو في الاتجاه السلبي، وزادت في أغلب الأحيان من الصعوبات التي يواجهها في حياته اليومية أهمّها تلك التي تعتبر ضرورة حتمية لتواصله في الحياة من مأكل ومسكن وغيرها. فالحديث عن الحليب في 2010 يعتبر من بين أكبر النقاط السوداء التي زعزعت استقرار العائلات، خاصّة منهم ذوو الدّخل الضعيف، بعدما أعادت إلى الأذهان ذكريات سنوات الثمانينيات التي وصفت بسنوات العجاف نظرا للأزمة الاقتصادية التي فتكت بالبلاد· وإن كان الحليب قد ترك بصمته في نفوس الجزائريين نظرا للنّدرة الحادّة التي عرفتها هذه المادة، فقد شهدت الفترة ذاتها العديد من الأزمات جعلت المواطن الجزائري يلهث ويجري وراء كلام الشارع نصفه شائعات ونصفه الآخر حقيقة، خاصّة مع بروز أزمات من نوع آخر أهمّها نقص السيولة البريدية التي أربكت أرباب العائلات، ناهيك عن اللّحم الهندي المستورد، والذي وجد نفورا كبيرا دون أن ننسى ارتفاع أسعار المواد الأكثر استهلاكا مقارنة بالسنوات الماضية وموسم الحجّ الموصوف بالأسوأ. وفي المقابل، سجّلت ذات الفترة تراجعا محسوسا في أزمة البطالة، ناهيك عن برامج السكن الموزّعة، والتي أعادت فرحة الاستقلال إلى نفوس العديد من العائلات التي ردّدت طوالا أن 2010 تعتبر فأل خير عليهم آملين أن تستقرّ الأوضاع وتسير نحو الأحسن في 2011· ** أزمة حليب حادّة في 2010 تميّزت سنة 2010 بأزمة حليب حادّة أعادت إلى أذهان الجزائريين فترة الثمانينيات التي كان كلّ شيء يشترى عن طريق الطوابير الطويلة العريضة وب المعرفة، وقد برزت الأزمة بشدّة نحر سنة 2010 بعدما عمّمت النّدرة على أغلب مناطق الوطن في الوقت الذي كان فيه الإشكال مسجّلا بولايات دون أخرى. غير أن الملاحظ هو تعميم النّدرة على جلّ التراب الوطني، ممّا جعل المواطنين في حيرة من أمرهم، فيما أدّى ذلك إلى الاستغناء عن هذه المادة نهائيا عند بعض العائلات الفقيرة التي أجّلت اقتناءها إلى غاية عودة المياه إلى مجاريها بعد حلّ الأزمة، خاصّة وأنها لا تقوى على شراء النّوعية الجيّدة الأخرى من الحليب التي لاتزال معروضة في السوق نظرا لغلاء سعره بسبب الجودة وتركه كاملا دون نزع منه الزبدة والمتوفّر داخل العلب، إلى جانب حليب الغبرة بالأكياس والمعروف لدى العامهة بحليب اللحظة الذي لايزال متوفّرا في الأسواق غير أنه لا يعرف إقبالا كبيرا من طرف المواطنين، حيث وصلت العلبة الواحدة منه إلى حوالي 280 دينار، وهي العلبة التي تعادل حوالي 5 أكياس من الحليب العادي المبستر بقيمة تصل إلى حوالي 120 دينار، أي بفارق 160 دينار، هي التكلفة التي تمكّن من اقتناء حوالي 6 أكياس من الحليب المعتاد اقتناءه من المحلاّت التي أضحى أصحابها لا يعرفون ما يردّون به على الزبائن إلاّ بالقول لهم إن مصانع التحويل تشهد إضرابا لتعود في الخدمة انطلاقا من الأيّام المقبلة، وهي الكلمات التي تردّدت طيلة تلك الفترة في أغلب المساحات المخصّصة لبيع الحليب· المشكل هذا والذي أثّر بالسلب على وظيفة وحدات تحويل وتعبئة الحليب ال 118 الموزّعة على التراب الوطني كانت قد هدّدت مرارا بالتوقّف عن العمل في ظلّ استمرار الشحّ المطبّق من طرف الديوان الوطني للحليب بخصوص توزيعها مادة الغبرة أو المسحوق المستورد من الخارج، والذي كان قد قال بشأنه مسؤول بذات الديوان متحدّثا لإحدى القنوات الإذاعية الوطنية إن المشكل يكمن في قلّة المواد الأوّلية منها الغبرة والموجود منها لايزال في الموانئ ينتظر التحاليل المخبرية التي عادة ما تطبّق على كافّة المواد المستوردة الموجّهة للاستهلاك، إلى تذبذب في سلسة توريد المسحوق على مستوى السوق الدولية، وتحدّد في هذا الخصوص حصص محوّلي الحليب حسب الكمّية المستوردة· وكان الأمين العام للاتحاد الوطني للفلاّحين الجزائريين قد اقترح منح الحكومة مشاريع استثمارية للمنتجين قصد التشجيع على الإنتاج المحلّي للمسحوق، وأشار عليوي إلى أنه كان لزاما على الدولة عوض تخصيص مبالغ مالية للاستيراد استغلال ذلك في استيراد وتربية الأبقار التي تعود بالنّفع سوى من حيث توفير مناصب الشغل أو تزويد السوق الوطنية باللّحوم حتى تتخلّص الجزائر من هذه الأزمات بسبب التبعية هذه· ** نقص السيولة المالية يربك الجزائريين شهدت سنة 2010 مشهدا آخر من المعاناة التي أثّرت بشكل كبير على يوميات المواطنين الذين اختلطت عليهم الأوراق بعدما عجزوا عن قبض رواتبهم بالرغم من أدائهم لوظائفهم ومرور وقت طويل دون أن يتمكّنوا من صرف رواتبهم بسبب نقص أو انعدام السيولة النقدية في العديد من مراكز البريد عبر مختلف التراب الوطني، وهو المشكل الذي دام شهورا لتصبح القضية حديث العام والخاصّ بالنّظر إلى العوائق التي واجهت المواطن كلّما أراد استخراج راتبه الشهري الذي أضحى بالنّسبة له أمرا صعب المنال، خاصّة منهم الأشخاص المتقاعدون الذي أجبروا على النّهوض باكرا للاصطفاف يوميا أمام طوابير لا متناهية أمام مدخل المراكز علّهم يظفرون برواتبهم الشهرية لكن دون فائدة. هي الحالة التي ظلّت ترافق مختلف مراكز البريد قبيل الشهر الفضيل لتمتدّ إلى أكثر من شهرين أو ثلاثة، غير أنه لا شيء حرّك الجهات الوصية لإعادة النّظر في المشكل الذي أرهق كاهل المواطنين ودفع أغلبهم إلى الاستدانة· ** غلاء الأسعار واستيراد اللّحم الهندي عاشت الفترة ذاتها مشاكل من نوع آخر والمتمثّلة في التهاب الأسعار، خاصّة أسعار المواد الموجّهة للاستهلاك منها بوجه الخصوص الخضر والفواكه، إلى جانب زيت المائدة والسكر وغيرهما. حيث تشتدّ الزيادة كلّما حلّت مناسبة دينية مثل شهر رمضان المعظم الذي شهدت به الألواح المثبّتة فوق أعلى صناديق المعروضات تغيير الثمن إلى أعلى معدّلاتها بعدما لجأ التجّار إلى فرض قوانينهم على المواطنين بحجّة الغلاء الذي ميّزته أسواق الجملة. وبين تقاذف التّهم والحجج بين الطرفين عاش المواطن الجزائري، خاصّة منهم الفقراء وذوو الدّخل الضعيف حالة من اليأس والإحباط نتيجة ما حملته هذه المشاكل من مآسي للعديد من العائلات التي وجدت نفسها مجبرة على ترك أنواع مختلفة من المواد بسبب عدم قدرتها على اقتنائها شأن في ذلك اللّحوم الحمراء والبيضاء، حيث عزف أغلب المواطنين عن شرائها بعدما وصل سعر الكيلوغرام الواحد من اللّحم إلى حوالي 950 دينار، فيما قفز سعر الدجاج إلى 370 دينار بعدما لم يكن يتجاوز 200 دينار، ممّا أدّى بالحكومة إلى الاستنجاد باللّحم الهندي المجمّد كحلّ للقضاء على العجز المسجّل في المجال، غير أن عزوف المواطنين عن اقتنائه مايزال مستمرّا إلى غاية كتابة هذه الأسطر والدليل على ذلك قلّة المرتادين لمحلاّت اللّحوم المجمّدة التي تشهد ركودا تامّا منذ انطلاق شهر رمضان نظرا للعديد من الأسباب التي اعتبرها الشارع الجزائري أنه لا جدال فيها، خاصّة إذا تعلّق الأمر ببلد الهند الذي يمارس نصف سكانه من الهندوس والبوذيون طقوسا دينية غريبة تجعله يعبد البقر ويحرّم ذبح المواشي، ممّا جعل الأسر الجزائرية تتسابق نحو الأسواق المعروضة على الهواء الطلق لاقتناء كمّيات معتبرة من اللّحوم وبأسعار مقبولة، وبالتالي تجميدها لاستغلالها طيلة الشهر الفضيل. حدث هذا بالرغم من التطمينات التي قدّمها البيطريون بخصوص صلاحية اللّحوم الهندية المجمّدة وحصولها على علامة حلال، غير أن ذلك لم يجد نفعا، خاصّة وأن أذهان الجزائريين لاتزال تتذكّر جيّدا فاجعة تسويق لحوم الحمير منذ سنوات ليست بالبعيدة، والتي أثارت سخط العام والخاصّ، خاصّة وأن القضية حدثت في أوج شهر رمضان منذ أكثر من ستّ سنوات، ممّا جعل المخاوف تطفو من جديد إلى السطح· ** ضيوف الرحمان يصفون موسم حجّ 2010 بالأسوأ وصف ضيوف الرحمان الذين أدّوا مناسك الحجّ لعام 2010 بأنه الأسوأ في حياة من تعوّد على أداء هذا الركن من الإسلام دوريا بالنّظر إلى المشاكل والعقبات التي واجهتهم وسوء التنظيم الذي ميّز البعثة الجزائرية. حيث تكرّر سيناريو تأخّر وصول جلّ الطائرات المخصّصة لنقل الحجيج الجزائريين من البقاع المقدّسة نحو أرض الوطن، بنحو أكثر من 7 ساعات قضاها ضيوف الرحمان في مطار جدّة بالسعودية قبل أن يحين موعد ركوبهم الطائرة المخصّصة لنقلهم والتابعة للخطوط الجوّية الجزائرية التي تأخّرت عن موعد إقلاعها المبرمج، الأمر الذي أدّى إلى انتشار حالة من الغضب والتذمر في صفوف هؤلاء إزاء تجدّد أحداث تأخّر انطلاق الطائرات، وهو ما اعتبره هؤلاء إهانة لضيوف الرحمان، خاصّة وأنهم واجهوا مشاكل من نوع آخر في منن وعرفات بسبب نقص التأطير وسوء تنظيم البعثة. يذكر أنه تمّ تسجيل وفاة أكثر من 20 حاجّا جزائريا خلال موسم حجّ 2010، منهم ما يفوق 5 من الجالية بالمهجر· ** 12 ألف وحدة سكنية تحدث فتنة بالجزائر يبدو أن البرنامج الوطني للقضاء على البيوت الهشّة والقصديرية الذي انطلقت فيه السلطات المحلّية لولاية الجزائر منذ مارس من 2010 إلى غاية نهاية ديسمبر، قد أشعل نار الفتنة بين أولئك الذين تأكّدوا من أنهم مدرّجون ضمن البرنامج، غير أن ترحيلهم تأخّر إلى غاية السنة المقبلة، ممّا جعل العديد منهم يخرجون إلى الشارع وينتفضون للمطالبة بإدراجهم في القوائم الأولى للترحيل قبل حلول السنة الجديدة بالنّظر إلى المشاكل الكبيرة التي يواجهونها داخل السكنات التي يقطنوها، والتي تفتقد إلى أدنى شروط الحياة مثلما شهدته طيلة العملية العديد من الأحياء القصديرية والهشّة على مستوى العاصمة، على غرار الرغاية، حي بوبصيلة بالحرّاش ووادي الرملي، إلى جانب سكان حي الزعاطشة بسيدي امحمد الذين انتفضوا من أجل لفت انتباه السلطات كي تدرجهم ضمن قوائم الترحيل الأوّلية، ناهيك عن سكان ديار العافية وديار البركة ببرّاقي، إلى جانب القاطنين بحي النخيل بوادي أوشايح· ** أكبر عملية ترحيل منذ الاستقلال والعاصمة في المقدّمة شهدت سنة 2010 أكبر عملية ترحيل منذ الاستقلال عبر مختلف مناطق الوطن لتشمل بدرجة أكبر البنايات القديمة، الشاليهات والسكنات الهشّة التي يعود تاريخ إنشائها إلى الحقبة الاستعمارية. حيث تشهد العاصمة على سبيل المثال كونها حازت على أكبر نسبة من البرامج السكنية عمليات ترحيل ضخمة لمختلف العائلات التي تضرّرت من تهديم منازلها وإسكانها في بيوت جاهزة إثر الزلزال الذي ضرب ولايتي بومرداس والعاصمة في 21 ماي من سنة 2003 وخلّف حينها العديد من الخسائر المادية والبشرية· وكان مدير السكن لولاية الجزائر محمد إسماعيل قد صرّح بأن عملية الترحيل التي انطلق فيها في 2010 والمستمرّ برنامجها سنة 2011 تأتي في إطار مواصلة تنفيذ برنامج إعادة الإسكان الذي تمّ إطلاقه في مارس الماضي، والذي أقرّته الدولة لفائدة آلاف العائلات، موضّحا أن عمليات الترحيل شملت 50 في المائة من العائلات التي كانت تسكن المنازل الجاهزة إثر الزلزال، إضافة إلى كلّ من مناطق برج البحري، درفانة، برج الكيفان وعين طاية، وهي المناطق التي تضرّرت كثيرا بفعل تلك الكارثة التي أسفرت عن مقتل أكثر من ألفي شخص وتشريد أكثر من 10 آلاف عائلة. كما أشار المتحدّث نفسه إلى أن العملية شملت أيضا ترحيل سكان البنايات القديمة المتهالكة التي يعود بناؤها إلى الفترة الاستعمارية، علما أن هذه العمليات ستتواصل أيضا خلال سنة 2011، فضلا عن القضاء على 40 ألف بيت قصديري. هذا، وقد سخّرت للعملية التي تضمّ هذا البرنامج الضخم ولاية الجزائر أكثر من ثمانية آلاف من أفراد الشرطة والحماية المدنية لتسهيل عمليات الترحيل على مدار الأيّام التي شملتها العملية التي امتدّت إلى ولايات أخرى بالوطن، على غرار وهران، قسنطينة، عنابة، تيبازة، جيجل، برج بوعريريج وغيرها· ** تراجع البطالة في 2010 إلى أدنى مستوياتها منذ 20 عاما بالمقابل، شهدت سنة 2010 قفزة نوعية في مجال التشغيل، حيث تراجعت نسبة البطالة في الجزائر إلى أدنى مستوياتها منذ 20 عاما لتصل إلى 10.2في المائة وذلك بعدما وصلت إلى 11.3 في المائة عام 2008، ويقدّر عدد العاطلين عن العمل بأكثر من 1.72 مليون شخص· وتسعى الحكومة وفق مخطّطاتها ومشاريعها التنموية للفترة الممتدّة إلى غاية عام 2014 إلى القضاء على البطالة عبر عدّة مراحل وبلوغ مستوى أقلّ من 6 في المائة عبر توفير مليوني منصب عمل ودعم الاستثمارات الخارجية وتشجيع مبادرات الشباب بإنشاء المؤسسات المصغّرة وتسهيل منح القروض البنكية· وكانت نسبة البطالة في الجزائر قد تجاوزت ال 27 بالمائة حتى عام 1999 بسبب تبعات الأزمة الاقتصادية التي شهدتها الجزائر ما بين عامي 1986 و1999· ** ماذا نريد من 2011؟ بناء على ما تقدّم، فإن الجزائريين يأملون في أن تحمل سنة 2011 التي سيتقبلونها كغيرهم من سكان المعمورة بعد غد السبت أخبارا سارّة لهم على كلّ الأصعدة، حيث يتمنّون أن يعثر مسؤولوهم على حلول للمشاكل المستعصية، خصوصا في مجال التشغيل والسكن، وأن لا تعود مشاهد الطوابير على الحليب ونقص السيولة المالية إلى واقعهم مرّة أخرى· ويأمل الجزائريون أيضا أن تنجح السلطات في تعزيز الإنجازات المحقّقة في كثير من المجالات، سواء على مستوى البنية التحتية أو في ميدان السكن أو التشغيل أو غيرها، خصوصا وأن المخطّط الخماسي 2010 2014 يحمل برامج ضخمة من شأنها تغيير وضع الجزائر والجزائريين نحو الأفضل· ولا تقتصر آمال الجزائريين على شأنهم الداخلي، حيث يتمنّون أن يكون وضع الأمّة العربية والإسلامية أفضل، ويدعون اللّه بكرة وعشية بتحرير فلسطين، ويأملون في تمكين الصحراويين من حقّهم في تقرير المصير، ويرجون وضعا أفضل للشعب العراقي الشقيق وكلّ العرب والمسلمين·