بريطانيا تنهي الاتّفاق السرّي مع (الإرهابيين الاستخباريين) *** أعاد اعتقال الداعية البريطاني المتطرّف أنجم تشودري وإحالته إلى القضاء بتهمة الدعوة لدعم تنظيم (الدولة الإسلامية.. داعش) فتح ملف دوره في نشر (ثقافة التطرّف) بين الشباب المسلم في بريطانيا وعلاقته بجماعة (المهاجرون) وتنظيم (القاعدة) والأهمّ من ذلك علاقته السرّية بأجهزة الاستخبارات البريطانية. ورد اسم تشودري إلى جانب أسماء أبي قتادة الفلسطيني وأبي حمزة المصري وعمر بكري السوري في طيّات ما كُشف عن معلومات حول (ارتباط رموز التطرّف الإسلامي في بريطانيا بالاستخبارات البريطانية بموجب اتّفاق سرّي). وتُرجّح المعلومات المتوفّرة أن أجهزة الاستخبارات البريطانية توصّلت منذ تسعينيات القرن الماضي إلى مقاربة تقوم على أساس السّماح لقادة النشاط الإسلامي في بريطانيا وأبرزهم أبو قتادة وأبو حمزة وبكري وتشودري وآخرون بالعمل في الساحة البريطانية مقابل الالتزام ب (ميثاق أمني يقضي بعدم المسّ بأمن بريطانيا وسلامة مواطنيها). وقد كشفت مذكّرة صادرة عن مجلس العموم البريطاني في سبتمبر 2009 أن (دور الاستخبارات البريطانية والأمريكية في تسهيل أنشطة الشبكات المتطرّفة بشكل مباشر وغير مباشر أصبح واضحا بصورة ملحوظة). ونقلت المذكّرة عن مسؤولين كبار في الحكومة والاستخبارات البريطانية اعترافهم ب (الإشراف على تأسيس جماعة المهاجرين في العام 1996 وتوجيهها عن طريق جهاز الاستخبارات البريطانية الخارجية أم آي 16 لإرسال مجاهدين بريطانيين إلى كوسوفو بالتزامن مع المساعدات العسكرية الأمريكية والبريطانية التي كانت تُرسل الى ألبان كوسوفو). * اعتقال (أنجم تشودري) يكشف المستور وفقا لنائب المدير السابق ل (المجلس الوطني) في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية غراهام فولر فإن (الرعاية الانتقائية لجماعات القاعدة استمرّت بعد الحرب الباردة في منطقة البلقان وآسيا الوسطى بهدف إضعاف القوّة الروسية والصينية) ويضيف أن (سياسة دعم الإسلاميين ومساعدتهم ضد خصومنا عملت بشكل رائع في أفغانستان ضد الجيش الأحمر ومن الممكن مواصلة السياسة عينها لزعزعة ما تبقّى من القوّة الروسية ولمواجهة النفوذ الصيني في آسيا الوسطى). يتّفق ضابط الاستخبارات السابق والمدّعي العام بوزارة العدل الأمريكية جون لوفتوس مع كلام فولر بقوله إن (ثلاثة من كبار الشخصيات في جماعة المهاجرين وهم بكري وأبو حمزة وهارون رشيد أسود تمّ تجنيدهم من قِبل أم آي 16 في العام 1996 لتسهيل الأنشطة الإسلامية في البلقان بهدف زعزعة الجمهوريات السوفييتية السابقة وتهميش روسيا وتمهيد الطريق لخط أنابيب النفط عبر البلقان الذي يحميه حلف شمال الأطلسي). ويؤكّد الكاتبان شون أونيل ودانيال ماكغروري في كتابهما (مصنع الانتحار: أبو حمزة ومسجد فينسبري بارك) الصادر في العام 2010 أن (أبا حمزة وأبا قتادة وبكري ارتبطوا بالاستخبارات البريطانية باسم الميثاق الأمني الذي تعهّدوا فيه بعدم القيام بأيّ نشاط من شأنه الإضرار بالأمن البريطاني في مقابل عدم مطاردة أجهزة الأمن لهم). وينقل الكاتبان عن مصدر رسمي قوله إن (أجهزة الاستخبارات البريطانية وقعت بعد هجوم 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتّحدة وتفجيرات 7 جويلية 2005 في لندن تحت ضغط تفسير العلاقة مع المتطرّفين). ونقل الكاتبان عن المصدر ذكره أن (الفرنسيين حذّرونا أكثر من مرّة وبشكل دوري من خطورة نشاط المتطرّفين واحتلالهم للعاصمة لندن وكنّا نتجاهل هذه التحذيرات ونعتبر أنها مبالغ فيها. في الحقيقة كنّا على خطأ وكانوا على صواب). من جهته يذكر الباحث نافيز أحمد في مقال بعنوان (السيرك: كيف ساهمت الاستخبارات البريطانية في الحرب على الإرهاب؟) أن (النشاط الظاهر لرموز جماعة المهاجرين في بريطانيا غالبا ما أثار حفيظة وتعجّب أجهزة أمنية في دول أخرى كانت تتساءل عن سرّ تجاهل الاستخبارات البريطانية لتقاريرهم التي تُحذّر من خطورة المتطرّفين الذين ينشرون ثقافة التطرّف ويستخدمون بريطانيا كملاذ آمن لأنشطتهم المتطرفة من لندن). وفي مقاله المنشور في موقع (هافينغتون بوست) في عام 2013 وصف أحمد العلاقة بين جهاز الاستخبارات الداخلية في بريطانيا وبكري وتشودري) ولفت إلى أن (أجهزة الاستخبارات كانت توفّر الحماية والتأمين لبكري في مقابل المعلومات التي كان يقدّمها وساعد بكري من خلال جماعة المهاجرين على كشف الكثير من المخططات الإرهابية). وأضاف أحمد أن (بكري وتشودري أسّسا جماعة المهاجرين بتمويل ودعم من الاستخبارات البريطانية بهدف تجنيد وتدريب بريطانيين للقتال في الخارج). ويُرجّح أن (تكون العلاقة بين بكري وتشودري مع الاستخبارات البريطانية تعود إلى عام 1990) وينقل عن محام في قضايا الإرهاب قوله إن (الرجلين اجتمعا مع الاستخبارات البريطانية الداخلية أم آي 5 أكثر من 20 مرّة منذ عام 1993 وحتى نهاية تسعينيات القرن الماضي وأن الكثير من القيادات الإسلامية في بريطانيا تعلم عن هذه الاجتماعات). ويلفت المؤرّخ مارك كورتس في كتابه (علاقة سرّية: تواطؤ بريطانيا مع الإسلام الراديكالي) إلى أن (بكري درّب مئات البريطانيين في معسكرات في بريطانياوالولايات المتّحدة وأرسلهم للالتحاق بالقاعدة والمنظّمات المرتبطة بها في البوسنة وكوسوفو والشيشان بعد شهر من هجمات سبتمبر). ويلقي كورتس في كتابه الصادر في العام 2010 الضوء على مختلف جوانب العلاقة بين الاستخبارات البريطانية وقيادات الجماعات المتطرّفة التي لجأت إلى بريطانيا تحت ذرائع مختلفة. ويقول الكاتب إن (تمكين أجهزة الاستخبارات من مراقبة واختراق الجماعات الإسلامية ربما كان وسيلة لإقامة علاقات مع قادة محتملين في المستقبل وهو ما يساعد على إعطاء البريطانيين النفوذ في السياسة الداخلية للدول العربية وغيرها). وحسب المؤلّف كانت لندن قاعدة للعديد من الجماعات الجهادية بما فيها (المجموعة الإسلامية المسلّحة في الجزائر) و(حركة الجهاد الإسلامي المصرية) و(القاعدة) التي أنتجت أسامة بن لادن. * افعلوا ما شئتم.. اتركونا فقط من جهته أطلع النائب العمالي آندرو دزمور البرلمان البريطاني على أنشطة شركة بكري للأمن المعروفة باسم (سكينة للخدمات الأمنية) ولفت إلى أن (الشركة أرسلت مئات البريطانيين إلى الخارج للتدريب بالذخيرة الحيّة في معسكرات في باكستانوأفغانستان ومع أن الأجهزة الأمنية اقتحمت مكاتب الشركة وأغلقتها إلاّ أنها لم تتعرّض للقائمين عليها وهما بكري وأبو حمزة) وقد أقرّ بكري بذلك في مقابلة أجراها مع صحيفة (بيرمنغهام سانداي) في 12 ديسمبر 2000 معترفا بأنه (جاء إلى مدينة بيرمنغهام لتجنيد متطوّعين للقتال في كشمير وأفغانستان والشيشان) وأكّد أن (المتطوّعين يتلقّون تدريبا أوّليا للياقة البدنية في معسكرات أقيمت في بريطانيا قبل نقلهم إلى معسكرات للتدريب العسكري في جنوب إفريقيا ونيجيريا وأفغانستان وحتى الولايات المتّحدة). يُرجّح المحاضر في جامعة لندن نعمان حنيف أن (تكون علاقة بكري مع أجهزة الاستخبارات قد بدأت خلال ترؤسه لحزب التحرير في بريطانيا لمدّة ست سنوات كون استلامه لهذا المنصب من شأنه أن يُسهّل على الاستخبارات البريطانية مهمّة اختراق الحزب على نطاق واسع). وبالفعل كان حزب (التحرير) خارج بريطانيا موضوعا تحت مراقبة مكتب (أم آي 6) بسبب مستوى الدعم الذي يحصل عليه من الأردن وبسبب مستوى نشاطه الثابت ضمن مناطق في الشرق الأوسط منذ أكثر من خمسة عقود مع العلم أنه قبل تفجيرات لندن عام 2005 بفترة وجيزة أشار رون سوسكيند الصحفي المحقّق في صحيفة (وول ستريت جورنال) الفائز بجائزة (بوليتزر) إلى أن (مسؤولا كبيرا في الاستخبارات البريطانية أم آي 5 أخبره بأن بكري عمل كمخبر لفترة طويلة في الخدمة السرّية وساعد المكتب في العديد من تحقيقاته). ويضيف سوسكيند في كتابه (طريق العالم) أن (بكري اعترف على مضض بعلاقته مع الاستخبارات البريطانية في مقابلة له في بيروت لكن سوسكيند لم يعطِ أيّ مؤشّر على انتهاء علاقة بكري مع الاستخبارات البريطانية). كذلك كشفت القناة الرابعة البريطانية في 23 مارس 2004 نصّ قرار قضائي يتحدّث عن اتّصالات جرت بين أبي قتادة وضبّاط في الاستخبارات البريطانية في منتصف التسعينيات. وتضمّن القرار محاضر لقاءات تشير إلى أن (أبا قتادة مستعدّ لممارسة نفوذه على الإسلاميين في بريطانيا لمنع حصول اعتداءات على أراضيها). ويشير قرار القاضي إلى أن (أعضاء في جهاز الأمن أم آي 5 عقدوا ثلاثة لقاءات مع أبي قتادة في جوان وديسمبر 1996 وفيفري 1997). وتنسب المحاضر إلى ضابط جهاز الأمن قوله إنه (يُمكن أن يُبلّغ عن أيّ شخص يضرّ بمصالح هذه الدولة). وينسب القاضي أيضا إلى ضابط الاستخبارات أنه يتوقّع أن يمارس أبو قتادة نفوذه على الإسلاميين لضمان عدم وصول الإرهاب إلى شوارع لندن وإنه يقول إن الإسلاميين لن يضرّوا بأمن هذه البلاد ولن يعضّوا اليد التي أطعمتهم). واللاّفت هنا أن المحضر ينسب إلى أبي قتادة أنه (لا يكنّ حبّا لسياسات أسامة بن لادن).