"إذا أردتم فعلا أن تواجهوا الاكتساح الشيعي، فانصروا الإسلام السني الصحيح والدعاة والعلماء".. بهذه الكلمات رسم الفقيه المقاصدي د. أحمد الريسوني الخبير الأول بمجمع الفقه الإسلامي ما يراه "الطريق الصحيح" للمسؤولين في العالم الإسلامي السني عبر التمكين للعلماء والثقافة الإسلامية السنية، معتبرا في الوقت نفسه أن إيران لها "بريق آخر" غير النشاط المذهبي والطائفي، وهو "بريق إنجازاتها السياسية والصناعية الداخلية والخارجية". كلمات الريسوني اعتبرها فقهاء مغاربة "قوية" على مستوى الرؤية المقاصدية العامة في التعامل مع بلد إسلامي "يقاوم الطغيان العالمي"، لكنه يحتاج إلى التنبه إلى جوانبه العقيدية الشيعية ومدِّها. ويأتي تصريح الريسوني بعد أيام فقط على نشر موقع "ويكيليكس" وثيقة سرية أمريكية ذكرت أن المغرب قطع علاقته مع إيران بإيعاز من الرياض التي التزمت مقابل ذلك بضمان استمرار تدفق النفط للمغرب، وذلك بعد أن حاولت طهران توظيف سفارتها في المغرب من أجل نشر المد الشيعي في إفريقيا . آليات صد المد وقال الريسوني في حوار مع موقع "الإصلاح" -التابع لحركة التوحيد والإصلاح المغربية-: "من الناحية الفكرية والثقافية، يجب أن نقول للمسؤولين خاصة في العالم الإسلامي السني والعالم العربي تحديدا، إذا أردتم فعلا أن تواجهوا المد الشيعي، في إفريقيا أو في آسيا، فانصروا الإسلام الصحيح والإسلام السني والدعاة والعلماء". وأضاف: "مكنوا لهم وللثقافة والجامعات الإسلامية وللدعاة الإسلاميين السنة، أما إضعاف هؤلاء وإنهاكهم وعرقلة نشاطاتهم، أو ترك الحبل على الغارب، ثم نشتكي لماذا إيران فعلت كذا وتفعل كذا.. فإيران بالنسبة إلي أولى من التنصير واللادينية والنفوذ الإسرائيلي". وتابع الريسوني: "هذه الأنظمة التي تخشى من إيران، عليها أن تنصر الإسلام ودعوته في إفريقيا وغيرها بالمدارس والجامعات وإطلاق أيدي الدعاة والإعلام الإسلامي، وهذا هو المطلوب الذي لا يقومون به، ثم يقومون بشتم إيران والتخويف منها". بريق آخر وأشار الريسوني إلى أن إيران لها بريق آخر غير النشاط المذهبي والطائفي، وهو "بريق إنجازاتها السياسية والصناعية الداخلية والخارجية، فالعالم الإسلامي والشباب المسلم يتطلع إلى دولة فيها تقدم علمي وصناعي، ويتطلع إلى قيادات ذات مصداقية وذات استقلالية في القرار، وذات إنجازات". وأردف موضحا: "ففي القضية الفلسطينية مثلا، أهم الإنجازات الآن في لبنان وفي فلسطين يوجد فيها الإيرانيون بشكل واضح لا ينكره أحد، حتى إن معاداة حماس غربيا وعربيا في جزء منه سببه تعاملها مع إيران، إذن إيران حاضرة". واعتبر الريسوني أن التراجع العربي هو الذي أحوج الإسلاميين إلى إيران قائلا: "حماس طبعا، لو أغناها العرب بدعمهم السياسي والمالي، لكانت علاقتها بإيران أقل، ولكانت حاجتها إلى إيران أقل، فهذه أمور واضحة ولا خفاء فيها، فإذن لإيران مكاسب سياسية ومنجزات علمية وصناعية، ولها مواقف مبدئية، وكل هذه الأمور لها بريقها وجاذبيتها في انتشار التشيع، بالإضافة إلى النشاط المذهبي والفورة المذهبية التي تعيشها إيران منذ ثورة الخميني". البحث عن أرضية مشتركة الدكتور أحمد البوكيلي، أستاذ الفكر الإسلامي والحضارة بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، اعتبر موقف الريسوني من الناحية العلمية والرؤية المقاصدية "قويا" في توضيح الطريقة المثلى في التعامل مع المد الشيعي. وقال البوكيلي، في تصريح لشبكة «أون إسلام»: "مواجهة المد الشيعي لا يحل بالمنطق الأمني فقط، وإنما يواجه بالفكر والتحصين العقائدي للأمة، وليس توظيف المذاهب في الصراع الأيديولوجي والسياسي وتفكيك الجغرافيا السياسية للمذاهب، وتأكيد الريسوني على أن مواجهة النموذج الإيراني يكون بتقوية مؤسسة العلماء وفتح الباب للدعوة والتربية يبقى طريقة مثلى وقوية من الناحية العلمية". لكن البوكيلي استدرك قائلا: "غير أن مقولة الريسوني تحتاج إلى رؤية شمولية تنبني على ضرورة توفير أرضية أخلاقية مشتركة بين إيران والعالم العربي؛ فبدل ترك إيران للتوظيف الغربي السياسي، ينبغي تنظيم الاختلاف معها ضمن دائرة الاحترام المتبادل وفتح قنوات الحوار على أرضية أخلاقية تدرأ الفتن الطائفية وتحافظ على الخصوصية الحضارية للأمة". الأخذ بالإيجابي الرأي نفسه، يراه الفقيه بن سالم أباهاشم، بتأكيده على ضرورة التفريق بين الجوانب العقائدية والتعاون في المتفق فيه والاستفادة من الجوانب الإيجابية التي وصلت إليها إيران في الوقت الراهن. ويشير أباهاشم، في تعليقه على رأي الريسوني إلى "أن إيران دولة إسلامية بغض النظر عن مذهبيتها، وتتصدى للكفر والطغيان، فينبغي أخذ الأمور الإيجابية التي توصلت إليها وترك الأمور السلبية خاصة على مستوى العقيدة". وأضاف أباهاشم "لكن هناك مسائلَ لبعض فرق الشيعة يجب أن تصحَّح مثل سب الصحابة أو إعطاء مكانة تفوق منزلة الصحابة لأئمتهم الإثني عشر تصل إلى مرتبة العِصمة، ووجود فساد بالمسجد لا يدفعنا لهدمه، بل يجب إزالة ما فيه من فساد والإبقاء على المسجد قائما". ودعا أباهاشم علماء السنة إلى التقريب بين المذاهب وليس صد الأبواب، محذرا الشباب مما وصفه ب"الانجراف وراء بريق التقدم الشيعي"، كما دعا إلى التفريق بين أمور العقيدة الضالة والأخذ بمنهج التصدي للظلم والطغيان، الذي وصلت إليه إيران بإعطائها مكانة للإمامة، حيث لا يتخذ الرئيس قرارا إلا بمشورة أصحاب العمائم". * "مواجهة المد الشيعي لا يحل بالمنطق الأمني فقط، وإنما يواجه بالفكر والتحصين العقائدي للأمة، وليس توظيف المذاهب في الصراع الأيديولوجي والسياسي وتفكيك الجغرافيا السياسية للمذاهب، وتأكيد الريسوني على أن مواجهة النموذج الإيراني يكون بتقوية مؤسسة العلماء وفتح الباب للدعوة والتربية يبقى طريقة مثلى وقوية من الناحية العلمية".