بقلم: أسامة أبو أرشيد* (قد يكون هذا أصعب وقت أن تكون مسلماً في أمريكا). هذا التقويم ليس من عندي وإنما هو خلاصة وصل إليها وزير العدل الأمريكي السابق إريك هولدر بناءً على معطيات توفرت لديه عندما كان على رأس عمله. وجاءت تلك الخلاصة في خطاب له أمام (رابطة مكافحة التشهير) اليهودية الأمريكية في أكتوبر 2009. وعلّل هولدر موقفه حينئذ بثلاثة أسباب: الأول أن المسلمين الأمريكيين كما بقية الأمريكيين رُوّعوا بهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وتألموا بسببها. والثاني أنهم حُمِّلوا مسؤوليتها من بعض شرائح المجتمع ومورس ضدهم التمييز. والثالث أنهم شعروا باستهداف الأجهزة الأمنية لهم وتمييزها ضدهم. وعلى الرغم من ذلك لم يستطع هولدر نفسه أو لم يكن راغباً في رفع التمييز ووقف الاستهداف الممنهج للمسلمين الذي تمارسه الأجهزة الأمنية التي كانت تحت إمرته (2009-2015). مناسبة الحديث في هذا الموضوع أحداث ثلاثة في الأسبوع الماضي. الأول وقع يوم الخميس (17/ 9) في تجمع انتخابي للمرشح الجمهوري الرئاسي الأبرز (إلى الآن) دونالد ترامب في مدينة روشستر في ولاية نيوهامبشير وذلك عندما خاطبه أحد مناصريه: لدينا مشكلة في هذا البلد... إنها المسلمون. نعرف أن رئيسنا الحالي واحد منهم ونعلم حتى أنه ليس أمريكياً. وأضاف: لدينا معسكرات تدريب تنمو حيث إنهم (المسلمون) يريدون قتلنا وهذا سؤالي. متى يمكننا التخلّص منها؟ وعلى الرغم من مزاعم ذلك الرجل غير الصحيحة سواء في ما يتعلق بديانة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وهو مسيحي أم بمزاعم وجود معسكرات تدريب للمسلمين في أمريكا فإن ترامب لم يقاطع الرجل ولم يرفض مزاعمه أبداً وهو ما جلب عليه حملة انتقادات من الديمقراطيين ومرشحين جمهوريين آخرين. ولم يكد يمضي يوم على الحدث السابق حتى كانت وسائل الإعلام الأمريكية تضج بقصة طفل أمريكي مسلم من أصول سودانية تقيم عائلته في مقاطعة إيرفينج في ولاية تكساس. أحمد محمد (14 عاماً) التلميذ في الصف التاسع وجد نفسه يوم الجمعة (18/ 9) محاطاً برجال شرطة وقد صُفِّدَتْ يداه بالأغلال وسيق كما المجرمين إلى التحقيق. أما جريمة أحمد فقد كانت أن إحدى مدرّساته ظنّت أن الساعة التي ابتكرها وصنعها في منزله قنبلة فكان أن بلّغت الشرطة التي جاءت واعتقلته فالمسلم في المخيال الجَمَعِيِّ الأمريكي اليوم أقرب إلى الإرهابي منه إلى الإنسان الناجح. وعلى الرغم من أن أحمد تلقى دعوة من أوباما لزيارة البيت الأبيض فإن تلك التجربة المريرة حفرت في ذاكرته كما في ذاكرة ملايين من المسلمين الأمريكيين معنى أن تكون مسلماً في أمريكا. هذه نظرتهم إلينا يتمثّل الحدث الثالث بتصريحات مرشح ثان عن الحزب الجمهوري للرئاسة جراح الأعصاب (المسلم في المخيال الجَمَعِيِّ الأمريكي اليوم أقرب إلى الإرهابي منه إلى الإنسان الناجح) المتقاعد بين كارسون وقال فيها يوم الأحد (20/ 9) إنه لا يجوز لأي مسلم أن يكون رئيساً للولايات المتحدة ذلك أن العقيدة الإسلامية تتعارض والدستور والمبادئ الأمريكية. اللافت هنا أولاً أن كارسون أسود أي من عرق عانى العبودية والإذلال في التاريخ الأمريكي. ولا زال أي العرق الأسود يعاني إلى اليوم في الولاياتالمتحدة من التمييز والتهميش. وثانياً أن التجربة السياسية التاريخية المريرة للسود تسجل أن (الرقيق) عوملوا حسابياً بموجب الدستور الأمريكي قرابة ثمانين سنة (1787-1865) على أن الفرد فيهم يساوي ثلاثة أخماس الأبيض. ولم يُلْغَ ذلك النص الدستوري إلا بعد الحرب الأهلية الأمريكية عام 1865. والدستور المعدّل الذي ضمن لكارسون وأمثاله الحرية في تعديله الثالث عشر هو الذي يضمن لكل أمريكي في مادته السادسة الحق في تولّي أي منصب من دون إخضاعه لامتحان ديني. المفارقة هنا أن كارسون ليس أسود فحسب بل هو من رعايا المذهب الكاثوليكي الذي عانى أتباعه تمييزاً تاريخياً طويلاً في الولاياتالمتحدة وصل إلى حد إصدار ولايات أمريكية تشريعات تمنع إقامتهم فيها. ولو لم تكن هناك مادة سادسة في الدستور تمنع اختبار دين أي مرشح لمنصب حكومي لما كان في إمكانه الترشح اليوم للرئاسة ولما كان في وسع الرئيس الراحل جون أف. كنيدي أن يصل إلى كرسي الرئاسة. (أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو الأمريكي عام 2014 أن أكثر من 41 بالمائة من الأمريكيين ينظرون بسلبية إلى الإسلام مقارنة مع 29 بالمائة عام 2002) بعض أعضاء الكونغرس عليهم. فضلاً عن التهميش والتمييز في الوظائف والعمل. دع عنك نظرة الريبة والشك التي تلاحقهم مجتمعياً. وتكفينا الإشارة هنا إلى استطلاع للرأي أجراه مركز بيو الأمريكي عام 2014 وأظهر أن أكثر من 41 بالمائة من الأمريكيين ينظرون بسلبية إلى الإسلام مقارنة مع 29 بالمائة عام 2002 أي بعد هجمات (11 سبتمبر) 2001. صحيح أن أفعال بعض المسلمين المسيئة والمهددة للأمن القومي الأمريكي ساهمت في تعزيز الصورة النمطية السلبية عن الإسلام والمسلمين لكن حصر المشكلة في ذلك فيه تبسيط مخلّ ذلك أنها تنفي الدور الفاعل والحاسم ل(صناعة الإسلاموفوبيا) القائمة على تشويه الإسلام وشيطنة المسلمين. ولهذه الصناعة مُمْتَهِنونَ كثر في الإعلام والسياسة والأمن والسينما والتيارات الدينية وبتحريض واضح من جماعات يمينية متطرفة ومن اللوبي الصهيوني ويقف وراءها تمويل منظّم بعشرات الملايين من الدولارات سنوياً. وتشتد حملة هذه الصناعة دائماً قبل أي انتخابات نصفية أو رئاسية. حسب أحدث استطلاع للرأي أجرته في سبتمبر الجاري (سي أن أن/أو أر سي) فإن 29 بالمائة من الأمريكيين يعتقدون أن أوباما مسلم في حين تبلغ هذه النسبة 43 بالمائة في صفوف الحزب الجمهوري و54 بالمائة بين مؤيدي ترامب. وقد رد البيت الأبيض والمرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون ومرشحون جمهوريون مثل جيب بوش وكريس كريستي أن أوباما مسيحي. لكننا لم نسمع هذه المرة رداً كالذي سمعناه عام 2008 من وزير الخارجية الأمريكي الأسبق الجمهوري كولن باول عندما أثيرت المسألة نفسها حول حقيقة ديانة أوباما عندما كان مرشحاً للرئاسة. حينها أجاب باول: (وماذا لو كان أوباما مسلماً؟ هل هناك ما يعيب في أن تكون مسلماً في هذه البلد؟ الجواب: لا هذه ليست أمريكا. هل هناك خطأ في أن يعتقد طفل أو طفلة يبلغان سبعة أعوام بأنهما قد يكونان يوماً رئيساً؟). الإجابة طبعاً لا غير أن الواقع من أسف غير ذلك ليس هنا في أمريكا فحسب بل حتى في كثير من بلادنا الإسلامية. ففي كثير من بلادنا لا نعرف نحن العرب والمسلمين معنى للمواطنة فهي مرهونة برضى السلطان. وهناك من يريد في الغرب (الديمقراطي) أن يستعير قيم أنظمة جور في بلادنا وفرضها علينا هنا في أمريكا.