هكذا (انتفض) الأبطال ضد تدنيس الأقصى *** تتصاعد حالة الغليان في المناطق الفلسطينية المحتلّة بوتيرة غير مسبوقة منذ سنوات حيث بات التنقّل بين المدن أمرا يحتاج إلى احتياطات وتدابير نظرا لاعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين ثأرا من عمليات المقاومة المتلاحقة في نابلس والقدس المحتلّة والتي أوقعت شهداء وإصابات في صفوف المقاومين المنفّذين. يأتي ذلك وسط تباين في خيارات الفلسطينيين ما بين قيادة ضد أيّ عمل مقاوم وفصائل ونشطاء يؤكّدون أن خيارهم الوحيد هو المقاومة. وفي حين يصعب التنبّؤ إن كانت موجة الغليان الحالية تنتهي عند حدّ معيّن أم أنها ستتطوّر إلى انتفاضة ثالثة على منوال انتفاضة الأقصى لتشتعل في جميع أنحاء الضفّة الغربية تُجمع أوسط سياسية ومحلّلون على أن اندلاع انتفاضة ثالثة يتطلّب إرادة للقيادة السياسية الفلسطينية وتحرّكا للشارع الفلسطيني في مجمله لا أن يقتصر الأمر على بعض فصائل المقاومة. * مئات الاعتداءات الصهيونية على المستوى الميداني رصد مركز (أحرار) لحقوق الإنسان 126 اعتداء قام بها المستوطنون الإسرائيليون منذ بداية شهر أكتوبر الجاري وبعد عملية بيت فوريك التي أدّت إلى مقتل مستوطنين اثنين وثّق المركز الاعتداء على 35 منزلا فلسطينيا وتحطيم 66 مركبة وحافلة فلسطينية إضافة إلى 25 حالة اعتداء جسدي مباشر من قِبل المستوطنين على الفلسطينيين بحماية كاملة من جيش الاحتلال الاسرائيلي والذي كان يرافق المستوطنين ويسهّل هجماتهم. وفي سياق الاعتداءات أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني رفع حالة الطوارئ إلى الدرجة الثالثة في الضفّة الغربية المحتلّة بما فيها القدس بعد تعرّض كوادرها وسياراتها لأربعة عشر اعتداء من قِبل قوّات الاحتلال ومستوطنيه خلال ال 72 ساعة الماضية معتبرة ذلك تصعيدا خطيرا في حقّ الجمعية وكوادرها والخدمات الإنسانية التي تقدّمها. وقال المتحدّث باسم وزارة الصحة الفلسطينية أسامة النجّار إن (آخر إحصائية تشير إلى أن المستشفيات الحكومية تلقّت خلال 48 ساعة الماضية 232 إصابة ما بين إصابات بالاختناق والرصاص الحي والمطاطي). فيما أكّدت مصادر طبّية (وصول نحو 20 إصابة بالرصاص الحي إلى مستشفيات الضفة الغربيةالمحتلة في الأيام الأربعة الماضية). * قوّات الاحتلال تقتحم الأقصى جدّدت قوّات الاحتلال اقتحاماتها لباحات المسجد الأقصى المبارك صباح أمس الإثنين لتأمين دخول المستوطنين إليه فيما دهمت منزل عائلة الشهيد مهند الحلبي بقرية سردا شمالي رام اللّه وهو منفّذ عملية القدس التي وقعت قبل يومين وقتل فيها اثنين من المستوطنين. وحسب (مركز معلومات وادي حلوة) فإن قوّات الاحتلال فرضت لليوم التاسع على التوالي حصارا خانقا على المسجد الأقصى ومنعت الدخول إليه لمن هم دون الخمسين عاما إذ أغلقت معظم بوّاباته ونصّبت حواجز حديدية على الأبواب المفتوحة. * ردود فعل غاضبة أمّا على المستوى السياسي فتمثّلت ردود الأفعال على صعيد قيادة السلطة الفلسطينية بمطالبة أمين سرّ اللّجنة التنفيذية صائب عريقات المجتمع الدولي بحماية دولية للشعب الفلسطيني مع تكرار عبارات الاحتجاج والاستنكار وتحميل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو المسؤولية عن التدهور الحاصل بسبب الاعتداءات المستمرّة وتحديدا على المسجد الأقصى. أمّا الفصائل الفلسطينية التي تتّهمها دولة الكيان بالوقوف وراء عمليات المقاومة وهي حركتا (حماس) و(الجهاد الإسلامي) بشكل خاص فوجّهت أصابع الاتّهام نحو السلطة الفلسطينية التي تناقض أقوال رئيسها محمود عباس في الأمم المتّحدة أفعال أجهزته الأمنية على الأرض والتي ما تزال مصرة على التنسيق الأمني ما يشكل إعاقة مفصلية لأيّ انتفاضة أو فعل مقاوم. وقال القيادي في حركة (حماس) وصفي قبها: (أمر مخز أن يكون هناك تنسيق أمني في ظل حالة الغليان واستهداف الاحتلال لكلّ الفلسطينيين بمن فيهم حركة فتح) واعتبر أن (ممارسات السلطة الفلسطينية تشكّل عائقا أمام أي انتفاضة فلسطينية) وأوضح أن (أجهزة الأمن الفلسطينية اعتقلت يوم الجمعة الماضي في مسيرة نصرة الأقصى في مدينة طولكرم 18 مشاركا وهي مسيرة لم تنطلق إلى نقاط التماس مع الاحتلال فكيف سيكون تصرف أجهزة الأمن لو وصلوا إلى نقاط التماس؟). ورأى قبها أن (هناك حالة غليان تراكمية وليست وليدة اللحظة ضد ممارسات الاحتلال وأجهزة الأمن الفلسطينية التي تنعكس سلبا على الشارع والمقاومة) لافتا إلى أن (إعلام الاحتلال أقرّ بأنه بعد عملية مقتل المستوطن وزوجته شرق نابلس قد ارتفع حجم التنسنق الأمني ما بين الاحتلال والأجهزة الأمنية بشكل أكبر) وقال إن (كلّ هذا يشكّل حالة تراكمية والسؤال متى ينفجر البركان؟ الجواب: لا أحد يعلم متى؟) وأكّد أن (حماس) قد حسمت خياراتها بالمقاومة موضّحا أنه (لا شكّ في أن حماس والجهاد تقودان المقاومة ويجب ألا نستثي حركة فتح فهناك قيادات وعناصر في فتح معتقلة في سجون السلطة الفلسطينية أيضا وباتت حالة اللاّ انسجام داخل الحركة واضحة). وشدّد قبها على أنه (كلّما زاد التضييق على حماس ازداد التحدّي والإصرار على الموقف المقاوم الذي كفلته الشرائع الدولية ما يعني أن كل الخيارات مفتوحة أمام الشعب الفلسطيني وتحديدا حماس والجهاد الإسلامي). * هل اندلعت الانتفاضة؟! إلى التصعيد وليس الهدوء تتّجه الأمور في الضفّة والقدس المحتلّتين منذ أيّام وسط ترقّب من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني للخطوات القادمة وتساؤلات حول إذا ما كان التصعيد الذي يعتبر الأعنف منذ سنوات يعني أن فلسطين قد دخلت انتفاضة جديدة بالفعل أم أن الأمر مجرّد هبّة شعبية لا أكثر. (لسنا أمام انتفاضة) يقول المحلّل السياسي عبد المجيد سويلم معتبرا أن ما يجري حراك وتفاعل نشط في وجه الهجمة الإسرائيلية على القدس المحتلّة وردّة فعل طبيعية في ظلّ انسداد أفق العملية السياسية. ويضيف سويلم ل (قُدس) الإخبارية أنه (يجب أن يتصرّف الشعب الفلسطيني بعقلانية وبعد نظر حيث يحاول الاحتلال جرّ الأوضاع إلى دوائر العنف بدلا من الحراك السلمي). ويختلف كلّيا رأي رئيس الحركة الإسلامية في الداخل المحتلّ رائد صلاح الذي يؤكّد في تصريح صحفي أن الانتفاضة بدأت فعلا دون أن يسبقها إعلان من أحد ولا يستطيع أحد أن يتوقّع مآلاتها. وجاء موقف عضو اللّجنة التنفيذية لمنظّمة التحرير واصل أبو يوسف وسطيا بين هذا وذاك فقد اعتبر أن المواجهات التي تشهدها الضفّة والقدس لم تصل إلى أن تكون انتفاضة لكنها قد تتطوّر لتكون انتفاضة جديدة مضيفا: (انفلات المستوطنين يتطلّب ردعا فلسطينيا خاصّة مع تهرّب نتنياهو من مسؤولياته وعرقلته للعملية السياسية). (الحالة الرّاهنة يمكن تسميتها بالموجة الثورية قد تشتعل في فترة وتضعف في فترة أخرى لكنها تؤسّس لتحوّلات عميقة في البنية الاجتماعية لتعالج الضعف التنظيمي والرّوحية في المجتمع الفلسطيني خلال السنوات الماضية) يقول علاء الريماوي المختصّ في الشأن الإسرائيلي ل (قُدس) الإخبارية. ويتوقّع الريماوي أن يستمرّ الحراك الثوري على الصعيد التنظيمي كما حدث في عملية نابلس التي أكّد الاحتلال أن خلية منظّمة تقف وراءها بالإضافة لإطلاق النّار على مستوطنتي (بيت إيل) و(بساجوت) وكذلك على صعيد العمليات الفردية كما حدث في عملية القدس التي نفّذها الشهيد مهنّد الحلبي. من جانبه يرى الكاتب خالد عودة اللّه أنه من غير المنطق أن نظلّ طوال الوقت أسرى المقارنات عند كلّ هبة مع الهبات والانتفاضات السابقة معتبرا أن الحركة الحالية إذا ما أحسن تنظيمها فستتحوّل إلى حالة دائم من الاشتباك مع الاحتلال.