❊ حماية المستهلك: تنامي الوعي قلّص من حجم الخبز المرميّ ❊ مؤسسة "متيجة نظافة": أعوان النظافة سجلوا رمي المأكولات والحلويات والخبز تحظى كل أنواع الخبز باهتمام كبير على موائد الجزائريين، سواء في الأيام العادية أو في المناسبات، فلا يكاد يخلو أي طبق سواء كان تقليديا أو عصريا، من مرافقة الخبز له. ورغم تحذيرات المختصين في الصحة من الاستهلاك المفرط لهذه المادة المحضَّرة من الفرينة البيضاء ناصحين بتعويضها بالخبز الكامل، إلا أن التخلي عنه يُعد من المستحيلات، لا سيما في شهر رمضان؛ حيث يجتهد الخبازون في إعداد أنواع مختلفة منه، يعجز الصائم عن مقاومة رائحتها الشهية، وأشكالها الجذابة، حيث تدفعهم حواسهم، حسب بعض الخبازين، إلى اقتناء مختلف الأنواع حتى لو لم يكن الغرض هو استهلاكها وإنما الاكتفاء بالنظر إليها، وهو السلوك الذي سعت مصالح التجارة للحد منه من خلال حملتها، الرامية إلى محاربة التبذير، والتأكيد على وجوب ترشيد الاستهلاك في مختلف المواد خاصة منها الخبز؛ حتى لا تُرمى هذه "النعمة" في المزابل. "المساء" من خلال هذا الروبورتاج تحدثت إلى عدد من المختصين والعاملين في مجال تحضير الخبز حول كل ما يتعلق بالسلوك الاستهلاكي للمواطن لمادة الخبز في شهر رمضان. وقفت "المساء" من خلال تواجدها في عدد من المخابز بولاية البليدة، على التنوع الكبير في أصناف الخبز المحضَّرة في شهر رمضان، حيث تباينت بين خبز السكوبيدو، والزيتون، والباغيت، والخبز الكامل، والشعير، والنخالة، والسميد، والمونيس، والبريوش، والخبز بالأعشاب، وخبز الزيت وغيرها من الأنواع المختلفة. وحسب صاحب مخبزة ببلدية العفرون، فإن الكميات المتعلقة ببعض الأنواع يزيد تحضيرها نتيجة الطلب الكبير عليها؛ مثل: خبز "الزيتون" و"المونيس" و"البريوش"، حيث يتم تحضير عشر سلال، كل سلة تحتوي على أكثر من 180 خبزة، لافتا الى أن كمية الخبز المنتجة مقارنة بالأيام العادية تتراجع؛ لأن المواطن يتناول وجبة واحدة فقط خلال رمضان، ولكن في المقابل، معدل الطلب يرتفع خاصة في الأيام الأولى من رمضان على بعض الأنواع بسبب اللهفة، موضحا أنه يتم شراء بعض الأنواع المحسَّنة، وسرعان ما يتم رميها في المزابل لعدم القدرة على استهلاكها، ليبحث، لاحقا، عن خبز ساخن وشهي. وحسبه، فإن معدل الشراء عند المواطن العادي يتراوح بين أربع وست خبزات يوميا. وقال: "قلّما نجد من يقتني خبزة واحدة، وهو عدد مرتفع، يعكس الاستهلاك الكبير لمادة الخبز"، مؤكدا أن عملية البيع تبدأ في الفترة الصباحية، وتستمر إلى ما قبل المغرب؛ حيث يكون الطلب كبيرا. وفي السياق أوضح المتحدث أن إلى جانب الطلب على الخبز، يتجه آخرون إلى اقتناء بعض أنواع الخبز التي تحضَّر في المنازل مثل المطلوع، والذي اختصت فيه بعض المخابز، حيث اختارت أن تحضر بعض أنواع الخبز التقليدي الذي يُعد في المنازل ويكثر عليه الطلب أيضا في رمضان، لافتا الى أن بعض المخابز حرصا منها على تذكير المواطنين بعدم تبذير الخبز وضرورة المحافظة على "النعمة"، كتبت على واجهاتها عبارة "الخبز نعمة لا ترموه"، وأخرى دوّنت عبارة: "اشري قيسك حتى لا ترميه في المزابل". لهفة الأسبوع الأول على الخبز تفضحها المزابل أوضح خباز من ولاية سطيف تخصص في صناعة الخبز بولاية البليدة، أن الطلب على شراء الخبز في رمضان، يسجل إقبالا في الأيام الأولى فقط؛ حيث يكون الصائمون تحت تأثير اللهفة. ويشدهم التنوع الكبير من الخبز الذي يتفنن في تحضيره، موضحا أن الإقبال يكون، خاصة، على خبز الزيتون والمونيس، والجلجلان والسانوج. وفي الأيام العادية يتم تحضير الخبز على دفعتين؛ للغداء، وللعشاء، ولكن في رمضان وبعد انقضاء الأسبوع الأول، تتراجع عملية الشراء، خاصة أن المرأة البليدية تقوم هي الأخرى، بتحضير خبز المطلوع في المنازل، أو شرائه من صانعيه بالمنازل، لافتا إلى أن اللهفة التي عرفتها المخابز خلال الأيام الأولى، ترجمتها المزابل، التي شهدت استقبال كميات من الخبز، بعضها يتم رميه على حاله. ولم يتم استهلاك ولو جزءا منه، مؤكدا أنه يحاول تذكير المواطنين عند عملية الشراء، في إطار الحملة التي أطلقتها مديرية التجارة، باقتناء الخبز حسب الحاجة، وتجنب رميه في المزابل، وجمعه في المكان المخصص؛ حتى يتم استرجاعه من طرف بعض الشباب الذين يجمعونه. "مصائب قوم عند قوم فوائد!" أجمع الخبازون الذين تحدثت إليهم "المساء"، على اللهفة الكبيرة للمواطنين على مادة الخبز في الأيام الأولى من رمضان، والتي ظهرت جليا من خلال ما تم ملاحظته في المزابل، حيث تم رمي كميات منه، خاصة أن بعض المخابز تحضّره بنوعيات تفتقر إلى الجودة، ما يعني أنه يستحيل على المواطن استهلاكه في اليوم الموالي. وقد أنعش هذا الوضع نشاط جامعي الخبز، الذين استثمروا في هذه العملية، وهي حال عمي "محمد. ب" من العفرون، الذي يعمل في هذا النشاط لما يزيد عن 20 سنة، والذي أكد في دردشته مع "المساء"، أنه يلاحظ خلال رمضان رمي كميات كبيرة من مادة الخبز مقارنة بالأيام العادية، حيث يجد "المونيس" و"البريوش" وخبز الزيتون في أشكال مختلفة، بعضها دائري، وأخرى طويلة، وكذا كميات كبيرة من المطلوع المعَد في المنزل. والأدهى أن بعض الأنواع تُرمى كما تُشترى، ما يعني أن صاحبها اشتراها ولم يتناولها أصلا، ثم رماها مباشرة! وفي السياق، أوضح المتحدث أنه يجتهد في شهر رمضان خارج أوقات عمله الرسمية في الأحياء، لجمع ما أمكنه من الخبز الذي تعودت بعض العائلات على تحضيره له كل جمعة. أما آخرون فيرمونه إلى جانب الفضلات المنزلية؛ ما يتعذر عليه جمعه، مضيفا أنه يقوم بجمعه وإعادة بيعه لمربى الماشية، وهو نشاط، حسبه، رغم قلة العائد المالي فيه، إلا أنه يمكّنه من تلبية بعض احتياجات عائلته. ويساهم، من جهة أخرى، في حماية هذه "النعمة"، ورفعها من المزابل، معلقا: "إن الجزائري يصاب بحمى اللهفة، التي سرعان ما تظهر في المزابل!". مديرية البيئة لولاية البليدة: تدوير الخبز المتبقّي ساهم في تراجع التبذير أوضح مدير البيئة لولاية البليدة وحيد تشاشي في تصريح ل"المساء"، أن من خلال اللجنة المشتركة التي انطلق برنامجها منذ بداية شهر رمضان بهدف رفع الوعي بأهمية تفادي عملية تبذير مختلف المنتجات الغذائية خاصة الخبز، كانت نتائج إيجابية. وقال في هذا السياق :" لاحظنا وجود نسبة من الوعي منتشرة في مختلف الأوساط الاجتماعية، والتي يترجمها اقتناء كميات قليلة من مادة الخبز، انعكست على المفارغ، التي شهدت تراجعا في كمية الخبز المرمي في نقاط الجمع، حيث تم تسجيل كميات قليلة من مادة الخبز المرمي". وأوضح المصدر أن من بين العوامل التي ساهمت في التقليل من رمي الخبز في المزابل، الثقافة الجديدة التي تبنتها بعض العائلات، والتي كانت معروفة في ما مضى، والمرتبطة بإعادة تدوير واستخدام مادة الخبز لتحضير بعض الأطعمة، حيث يتم تجفيف الخبز، واستغلاله في تحضير بعض الوصفات الغذائية. وهي، حسبه، العملية التي كان لها، أيضا، دور في التوقف عن رمي الخبز، والاحتفاظ به في المنازل لإعادة تدويره، لافتا إلى أن من حيث الحملة التحسيسية التي تقوم بها مختلف المصالح لفائدة عامة الناس، كانت نتائج ملموسة، عكست تنامي الوعي بأهمية ترشيد الاستهلاك، خاصة في ما يتعلق بالخبز الذي يُعد من المواد الاستهلاكية المدعمة، إذ تطمح الدولة إلى بلوغ الاكتفاء الذاتي في القمح، ما يتطلب من المواطن المشاركة الفعالة في إنجاح الحملة، والمشاركة في بلوغ مسعى الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مادة الخبز؛ بتفادي تبذيره من خلال تجنب شراء ما يزيد عن حاجته في كل المواد الاستهلاكية، خاصة الخبز. مؤسسة "متيجة نظافة" تتجند لإنجاح الحملة تنامي الوعي بأهمية فرز الخبز عن باقي النفايات قالت المكلفة بالاتصال بمؤسسة "متيجة نظافة" لولاية البليدة، سعاد صياد، إن مصالحها تقوم بحملة تحسيسية واسعة منذ حلول شهر رمضان حول ظاهرة التبذير الغذائي، والحث على الاستهلاك العقلاني للمواد الغذائية بالتنسيق مع مديرية التجارة ومديرية البيئة عبر مختلف الأسواق الجوارية لفائدة المستهلك البليدي. وقد سجلت نفس المصالح، حسب المتحدثة، من خلال العمل الميداني لعمال النظافة على مستوى ولاية البليدة، درجة وعي بنسبة 30 ٪ في ما يخص عدم رمي مادة الخبز، وكذا فرزها عن النفايات المنزلية بعدما كانت تُخلط بالنفايات المنزلية؛ الأمر الذي يتعذر معه فرزها. وحسبها، فإن أعوان "متيجة نظافة" عند قيامهم بعملية الجمع عبر عدة قطاعات وشوارع، استحسنوا تنامي الوعي، لا سيما في ما يتعلق بعملية الفرز؛ الأمر الذي يسهل عليهم عملية جمعه، وموضحة في السياق، أن مؤسسة "متيجة نظافة" لاتزال تسجل بعض السلوكات السلبية. ولعل أهمها الاستهلاك بطريقة غير عقلانية، ما يؤدي إلى رمي الحلويات والمأكولات، وفي مقدمتها مادة الخبز، عشوائيا، ما يتطلب في إطار الحملة التي تم إطلاقها من وزارة التجارة، العمل أكثر مع كل شرائح المجتمع؛ لرفع الوعي، وحثّ المواطن على استغلال هذه المادة، وعدم شراء كمية كبيرة تزيد عن الحاجة، لتنتهي بها الحال في المزابل. المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك تراجع تبذير الخبز في السنوات الأخيرة حملت "المساء" سؤال: هل هناك تراجع في سلوك التبذير مقارنة بالسنوات الماضية؟ وتوجهت إلى المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، فقال وحيد بن راجع، عضو بهذا التنظيم، إن ظاهرة تبذير مادة الخبز عرفت تراجعا في السنوات الخمس الأخيرة، وهو ما تم ملاحظته من خلال النشاط الجواري مع مؤسسات النظافة. وقد أرجع المتحدث سبب تبذير هذه المادة الضرورية على الموائد، إلى كونها من السلع الاستهلاكية المدعمة، وبالتالي فإن الكثيرين يقتنونها بكميات كبيرة، ولا يعرفون قيمتها. وحسب المتحدث، فإن ما يعكس تنامي استهلاك مادة الخبز في شهر رمضان بما في ذلك المطلوع المعد منزليا، هو اللهفة، موضحا: "لاحظنا إقبالا كبيرا من طرف ربات البيوت على شراء مادة الفرينة خاصة من الأسواق التضامنية، حيث تقتني كل سيدة أكثر من 20 كلغ من مادة الفرينة. ونفس الأشخاص يقتنونها بصورة متكررة، من أجل تحضير المطلوع أو غيره من المعجنات للبيع؛ ما يرفع كمية الاستهلاك، وزيادة مادة الخبز". من جهة أخرى، فسّر المتحدث التوجه إلى التنويع في مادة الخبز على مائدة رمضان، بالقدرة الشرائية التي تمنعه من التنويع في بعض المنتجات الغذائية الأخرى، خاصة ما تعلق منها بالأسماك وبعض أنواع اللحوم، فيقوم بتعويضها بمختلف أنواع الخبز، التي يبرع الخبازون في تحضيرها في شهر رمضان. والنتيجة اقتناء ما يزيد عن حاجته، ومن ثم رمي الفائض منها، لافتا إلى أن اقتناء الخبز بمختلف الأنواع، يكون بصورة تلقائية؛ استجابة للهفته، ورغبة في إرضاء النفس في التنويع في هذه المادة الغذائية. وقال المتحدث: "رغم اللهفة على اقتناء الخبز بشكل كبير في الأيام الأولى من رمضان، إلا أن هذا لا يعني ارتفاع كمية الخبز الذي يُرمى؛ لأنه لا يمكن حصر الظاهرة على الأسبوع الأول، الذي يُعرف بتغير السلوك الاستهلاكي الذي تميزه اللهفة، ولأن هذا السلوك سرعان ما يتراجع، وهو ما تم ملاحظته في السنوات الأخيرة"، مؤكدا تراجع كميات الخبز الذي يتم رميه. وعلى الرغم من عدم وجود أرقام و إحصائيات واضحة، إلا أن العمل الميداني ومرافقة أعوان النظافة، أفاد بتراجع كمية تبذير مادة الخبز، مرجعا ذلك إلى عاملين أساسيين، هما: القدرة الشرائية من جهة، والحملات التحسيسية التي تبادر بها الجهات المعنية، والتي آتت أكلها. وقال: "لمسنا نوعا من الوعي الاستهلاكي لتنامي الشعور بالمسؤولية الأخلاقية تجاه هذه المادة الاستهلاكية"، لافتا إلى أن بعض المخابز يتحمل أصحابها أيضا، جزءا من مسؤولية تبذير الخبز، بسبب عدم تقدير الكميات التي يتم إنتاجها في الأيام الأولى من رمضان، ناهيك عن افتقارها للجودة، والتي يوجه الفائض منها إلى المزابل، فضلا عن موائد الإفطار التضامنية، التي تستقبل كميات كبيرة من مادة الخبز. وما يبقى يتم رميه، ما يعني أن تبذير مادة الخبز لا يتحمل مسؤوليته المواطن فقط، وإنما تتدخل عناصر أخرى تشارك فيه؛ مثل التجار، وبعض المؤسسات التضامنية.