بقلم: رشاد أبو داود* أن تواجه عدوك بنفس سلاحه فهذا أمر طبيعي. وأن توجه كل ما تملك من قوة باتجاهه فهذا هو المطلوب أما أن تواجه عدوك بابتسامة.. وهو يطبق بذراعيه على عنقك ليخنقك ويكبل يديك ويضربك وأنت تضحك تضحك بملء قهرك فهذا هو التحدي الأهم وهي الكف التي تقاوم المخرز والجرح الذي ينتصر على السكين. هذا ما يحدث هناك حول المسجد الأقصى في القدس وبيت لحم ونابلس وجنين والخليل وفي العفولة ومناطق فلسطينالمحتلة عام 1948. هذه هي الانتفاضة الفلسطينية الثالثة رغم حرص بعض المخدوعين والخانعين بعدم تسميتها انتفاضة مرة يسمونها هبّة ومرة حراكاً ومرات لا يريدونها لا انتفاضة ولا هبّة. لكنه تاريخ الشعب الفلسطيني الذي قام بثورات 1921 و1936 و1943 وخاض حرب 1948. لكأن قدر هذا الشعب أن ينجب لكل ثورة جيلاً ولكل انتفاضة أجيالاً ولكل جيل سلاحه فيما يبقى الهدف واحداً. فقد بدأت الانتفاضة الأولى يوم 8 ديسمبر 1987 وكان ذلك في جباليا في قطاع غزة. ثمّ انتقلت إلى كل مدن وقرى ومخيّمات فلسطين. يعود سبب الشرارة الأولى للانتفاضة لقيام سائق شاحنة إسرائيلي بدهس مجموعة من العمّال الفلسطينيّين على حاجز بيت حانون الذي يفصل قطاع غزة عن بقية أراضي فلسطينالمحتلة. هدأت الانتفاضة في عام 1991 وتوقفت نهائياً مع توقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993. وقد استشهد 1300 فلسطيني أثناء الانتفاضة الأولى بسلاح جيش الاحتلال الإسرائيلي كما قتل 160 إسرائيليّ على يد الفلسطينيين. فهل كان اتفاق أوسلو مصيدة للفلسطينيين بهدف تفريغ الشعب من شحنة المقاومة وبالتالي عدم منحهم دولة ولا استقلالاً بل (أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي) كما قال جيمس بيكر وزير خارجية أميركا أثناء مؤتمر مدريد 1991؟. الأرجح أن الأمر كان مصيدة بدليل أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية أو انتفاضة الأقصى اندلعت في 28 سبتمبر 2000 وتوقفت فعلياً في 8 فبراير 2005 بعد اتفاق الهدنة الذي عقد في قمة شرم الشيخ والذي جمع الرئيس الفلسطيني المنتخب حديثاً (آنذاك) محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل أرئيل شارون. مواجهات مستمرة تميزت الانتفاضة الثانية مقارنة بسابقتها بكثرة المواجهات المسلحة وتصاعد وتيرة الأعمال العسكرية بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي راح ضحيتها 4412 شهيد فلسطيني و48322 جريح. وأما خسائر جيش الاحتلال الإسرائيلي فبلغت 334 قتيل ومن المستوطنين 735 قتيل ليصبح مجموع القتلى والجرحى الإسرائيليين 1069 قتيل و4500 جريح وعطب 50 دبابة من نوع ميركافا وتدمير عدد من الجيبات العسكرية والمدرعات الإسرائيلية. ومرت مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة خلالها بعدّة اجتياحات إسرائيلية منها عملية الدرع الواقي وأمطار الصيف والرصاص المصبوب. كانت شرارة اندلاع الانتفاضة الثانية دخول شارون إلى باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه الأمر الذي دفع جموع المصلّين إلى التجمهر ومحاولة التصدي له فكان من نتائجه اندلاع أول أعمال المقاومة. لاحظ من وقع اتفاق أوسلو ومن كان شرارة الانتفاضة إنه المقبور شارون نفسه! ولاحظ من وقع إنهاء الانتفاضة الثانية ومن يحاول منع الانتفاضة الثالثة بدعوى المفاوضات!! ما يميز الانتفاضة الثالثة تطور سلاح المقاومة من الحجر إلى السكين وزيادة لمعان التحدي في عيون الأطفال والشبان الفلسطينيين وكذلك المشاركة الواسعة للمرأة الفلسطينية سواء من جهة المشاركة الفعلية والقيام بدورها كفتاة أو كأُم. كما تتميز بدخول شبكات التواصل الاجتماعي كسلاح فعال أتقن الفلسطينيون استخدامه. وقد نقلت شبكات التواصل عدة حكايات عن واقع الحال عبّرت عن العنفوان الوطني لدى الجميع ومنها الحوار التالي بين أم وابنها: * ألو... وينك يُما يا محمد من مبارح مش مبيّن - أيوة يا حجة.. أنا بالصيد يمّا * عزا شو بتصيد - قطعان المستوطنين يمّا * من الصبح بدور عالسكين مش لاقينها أخوك بيقوللي إنك كنت بالمطبخ وين السكين؟ - والله يا حجة طعنت فيها مستوطن ومعرفتش أطلعها من رقبته * عزا وبإيش بدي أفرم الملوخية. والله ما بترجع ع البيت إلا والسكينة معك - خلص يما خذي سكين من حدا من الجيران * والله يما ما خليت بيت مبيّن الشباب ماخذين كل السكاكين حكاية لها دلالاتها. وللانتفاضة الثالثة حكاياتها بعيداً عن (حل الدولتين) ومسخرة (الحياة مفاوضات)!!