بقلم: فواز طرابلسي* في كذبته التي برأت هتلر وحمّلت الفلسطينيين المسؤولية عن المحرقة بحق ستة ملايين يهودي عاد بنيامين نتنياهو لتذكيرنا بأن دولته قائمة على الكذب وعلى إعادة اختراع الأكاذيب لتغطية كل مرحلة من مراحل استعمارها لفلسطين. كانت الكذبة الأولى إبان نشوء دولة إسرائيل هي اختراع أسطورة داوود وجالوت الراعي التوراتي الذي يَهزم بالمقلاع جالوت الجبار قائد الجيوش الجرارة. الكذبة ابنة الحرب العربية الإسرائيلية الأولى تصوّر حرباً غير متكافئة تقاوم بها دولة إسرائيل الوليدة هجوم ست دول عربية قصد (رمي اليهود في البحر) حسب العبارة التي سادت لاحقا. والمعادلة حسب ديفيد بن غويون رئيس وزراء إسرائيل حينها هي (700 ألف يهودي مقابل 27 مليون عربي). صحيح. ولكن هناك تفصيلا بسيطا: كان ال700 ألف يهودي يتمتعون بقوة عسكرية تفوق القوة العسكرية ل27 مليون عربي باكثر من ضعفين. إذ يفيد تقرير للسي آي إي في جوان 1948 أن عدد قوات الدولة اليهودية بلغت 110 آلاف و600 جندي في مقابل 46 ألف و800 جندي عربي من لبنان وسوريا والأردن ومصر والعراق. هذا حتى لا نتحدث عن التفوق الجوي والأسلحة التشيكية الثقيلة التي منحها الاتحاد السوفياتي للدولة التي كان أول دولة اعترف بإسرائيل في الأممالمتحدة. وغني عن القول أن التقرير حسم في أن الطرف الإسرائيلي سوف ينتصر في الحرب (انظر كتاب آيرين غندزير الجديد (Dying to Forget 2016). هكذا تشتغل الكذبة ينتصر جالوت الإسرائيلي على داوود الفلسطيني والعربي عسكريا ويجلي القسم الأكبر من سكان فلسطين عن أرضهم ويقدّم نفسه على أنه داوود المهدد من جالوت! الكذبة الثانية تتعلّق بالمحرقة. بالطبع ليست المحرقة النازية بحق اليهود كذبة إنها الحقيقة الأبشع في التاريخ المعاصر. الكذبة هي في اختراع سردية المحرقة التي بها تحوّلت إسرائيل إلى (دولة ضحية) بعد أن هَزَمت ثلاثة جيوش عربية مجتمعة في حرب الستة أيام الصاعقة في جوان 1967. وتعبير (الدولة الضحية) لنورمان فنكلستين مثله مثل مصطلح (صناعة الهولوكوست) الذي هو عنوان كتابه الشهير ( 2000). وسردية الهولوكوست كما يفيد فلكنستان اختراع إسرائيلي-أمريكي بعدما اكتشفت الولاياتالمتحدة جبروت إسرائيل العسكري في تلك الحرب فضّمتها إلى ترسانتها الاستراتيجية. تعددت وظائف تصنيع الهولوكوست. يمكن الاكتفاء بواحدة منها لا تزال مستمرة إلى الآن وهي إعفاء (الدولة الضحية) التي استكملت احتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية بعدما أن أطاحت بقرار التقسيم للعام 1947 بحيث لم يطبّق على الدولة المحتلة عمليا أي قرار من القرارات والمعاهدات الدولة المتعلّقة بالحرب وباحتلال دولة لأراض وشعب بلد آخر في آخر عملية استعمار واستيطان مستمرة بعد انقضاء عهد تصفية الاستعمار عبر العالم. ناهيك عن حرمان الشعب الفلسطيني مما تمنحه المواثيق والمعاهدات الدولية عن حق مقاومة الاحتلال ولو بالسلاح. تعايشت سردية الهولوكوست مع سردية داوود وجالوت لفترة. إلى أن جاءت الانتفاضة الأولى وقد انتقل خلالها مقلاع داوود فعليا لا أسطوريا من يد داوود التوراة إلى يد صِبية فلسطين وفتيانها. فها هو داوود العربي ذو المقلاع يتحدى الدبابة الإسرائيلية. ويقلب صورة داوود الإسرائيلي المهدد من جالوت رأسا على عقب. ما العمل لإنقاذ الكِذبة؟ هذا هو السؤال الذي طرحته ميشال روخاس-تاي مسؤولة علاقات عامة في المؤسسة التعليمية الإسرائيلية StayWithUs خلال اجتماع للترويج للدولة العبرية في سيدنيأستراليا: (كيف يمكن تحدي صورة فتى فلسطيني صغير يرجم دبابة إسرائيلية بحجر؟). بعبارة أخرى (كيف يمكن تحويل الميركافا الإسرائيلية إلى داوود والفتى الفلسطيني إلى جالوت؟). علماً أن (صورة) الميركافا نفسها سوف تهتزّ كثيرا أمام ضربات المقاومة الإسلامية خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف العام 2006. لعل كذبة نتنياهو الأخيرة هي الجواب على سؤال موظفة العلاقات العامة في ظرف جديد هو صعود الفاشية اليمينية الصهيونية والجواب على الهبّة الفلسطينية لفتيان فلسطينيين هم أصغر سنا من فتيان الانتفاضة الأولى. نعرف أن الحاج أمين الحسيني قابل هتلر في 28 نوفمبر 1941. وأن الزعيم النازي طلب منه المساعدة على تجنيد شباب مسلمين من البوسنة في الجيش الألماني وقد فعل. ما عدا ذلك هو موضع إنكار من إجماع مؤرخي النازية من كافة الاتجاهات. مع ذلك يسوق نتنياهو تهمته عن دور الحاج أمين في (الحل النهائي) منذ كتابه (سلام مستدام) (1993) وقد كرره العام 2012 في خطاب أمام الكنيست. كذبة نتنياهو الجديدة منقولة عن معلّمه مناحيم بيغن. استخدمها رئيس الوزراء الأسبق في رسالة شهيرة إلى رونالد ريغان يوم يوم 4 أوت الجهنمي خلال حصار جيشه لبيروت التي تقاومه. كتب بيغن لريغان: (إني أطارد في بيروت فلول الجيش الهتلري في برلين المحاصرة). علّقت حينها على الرسالة في يومياتي عن حصار بيروت (راعي بقر مهووس بمطاردة الهنود الحمر وقد لبسوا لبوس) الإرهاب الدولي وإرهابي بولوني يريد بيروت (ديكوراً) لفيلم عجز عن تمثيله في الحياة الحقيقية يتشاركان على إنتاج وإخراج هذا الفيلم الذي هو حلم العمر لأي مخرج وأي ممثل فيلم (السينما الحقيقة). ساعد في الإخراج: فيليب حبيب. البطولة لآرييل شارون والإنتاج الهوليوودي الضخم بمشاركة أموال نفطية عربية. وتحذيراً: كل شبه بين شخصيات هذا الفيلم وبين أشخاص حقيقيين مقصود مقصود مقصود!) (عن أمل لا شفاء منه 1984). الجديد في رواية نتنياهو هو هذا المزيج من تبرئة النفس من مذلّة تاريخية وتبرير مجازر استباقية في آن معا. من حسن الحظ أنه يوجد كتّاب بجرأة ماكس بلومنثال للبوح بالمكبوت: (إن قسما من السردية الصهيونية هو أن يهود أوروبا فشلوا في أن يقاوموا [النازية] وساروا مثل النعاج إلى المسلخ خلال الهولوكوست. وأن خَلاصهم قد جاء أخيرا عندما تسلّحوا حتى الأسنان في فلسطين التاريخية ليشكلوا حامية أو دولة أسبارطية أو (حصن آباتشي) على حدود صِدام الحضارات وليدافعوا عن أنفسهم ولو بالطاقة النووية ضد هولوكوست جديد). هذه هي الكذبة الأسطورية المناسبة لعهد أقصى اليمين الصهيوني وقطعانه من المستوطنين الفاشيين عهد يقود (الدولة الضحية) فيه رئيس دبلوماسية سابق يحرّض على إعدام الفلسطينيين بالفأس ووزيرة عدل مصصمة على تطبيق العدالة الإسرائيلية على الفلسطينيين بقتل الأمهات.