بقلم: الياس خوري* ماذا لو لم تكن هناك حلول في الأفق؟ ماذا لو كانت كل هذه المؤتمرات والمبادرات الدولية والعربية مجرد إضاعة للوقت في الوقت الضائع؟ ماذا لو بقيت سورية تحتضر على إيقاع الحرب وبقي العراق مقسماً ولم ينتخب رئيس للبنان وظلت فلسطين في المراوحة؟ ماذا لو؟ لا يوجد أي وضوح في المعادلات بلى هناك مسألتان واضحتان الأولى هي أن إسرائيل ستضم الأرض بلا سكان وأن ضم المنطقة (ج) صار مسألة شكلية والثانية هي أن التفكك سيستمر في باقي الدول المحيطة بإسرائيل إلى ما شاء الله. ماذا لو كان الانسحاب الأمريكي من المنطقة الذي يجعل الساسة من تركيا إلى السعودية كالأيتام هو أفضل الخيارات لأن بديله المحتمل هو عنصرية فاشية أمريكية يعبّر عنها المرشح الجمهوري المليونير دونالد ترامب؟ ماذا لو كانت الدولة الإسلامية هي باب الغرب إلى فاشية تسدّ فراغ المعنى بالجنون العنصري؟ ماذا لو كنا نعيش في زمن النذالة الذي يفيض علينا بالأنذال الخارجين من شقوق الزمن المتصدّع؟ ماذا لو لم تعد الهجرة حلاً أو سراباً يوحي بحل وهمي؟ ماذا لو لم يعد البحث عن المهربين عبر قوارب الموت مجدياً بعدما صعد اليمين الفاشي الفرنسي ليشكل مع اليمين الإسرائيلي والأمريكي إيقاع هذا العالم؟ ماذا لو صار العالم العربي بلا أصدقاء؟ من أصدقاؤنا؟ الهند صديقة العرب التقليدية دخلت في شراكة مع إسرائيل والصين صارت نموذج الرأسمالية المتوحشة التي لا تسعى سوى إلى التوسع وروسيا تخلت عن البلشفية ولم تتخل عن الاستبداد والأحلام الإمبراطورية. ماذا لو صار المشرق العربي بأسره ساحة لتنفيس الاحتقان الدولي مثلما كان لبنان في الماضي ساحة لتنفيس الاحتقان العربي؟ تجربة لبنان يجب أن تعلّم الجميع أن تنفيس الاحتقان لا يجدي لأن الشرارة يمكن أن تحرق اللاعبين بها أيضاً. قد يتعلّم العالم درس لبنان لكن اللبنانيين لم ولن يتعلموا شيئاً. وحين أقول اللبنانيين فإنني أعني أسياد الطوائف وأمراء الحرب لأن آلة السلطة التي يتحكّم بها هؤلاء أخرجت اللبنانيين من اللعبة وإذا حاولوا العودة إليها مثلما حصل في التحرك الشعبي الأخير فإنهم سيواجهون بالقمع. هذه الأسئلة تحيرني وكان يجب عدم طرحها فالعاقل لا يطرح على نفسه أسئلة لا يستطيع الإجابة عليها. لكن حين نحاول قراءة حصاد العام الذي يمضي فإن الأسئلة التي لا نود طرحها على أنفسنا تصفعنا في وجوهنا. كل شيء مؤجل في المشرق العربي ما عدا الموت فالموت لا يحب الانتظار كما كتب محمود درويش مرة. فلسطين مؤجلة لكن الموت الفلسطيني مستمر. سوريا ليست سوى مجرد عناوين لحل تفاوضي لا يأتي لكن الموت السوري يحتل السماء. العراق في قبضة المجهول لكن المعلوم الوحيد فيه هو الموت. ولبنان على المفترق لكن المفترق لا يخبئ سوى الموت. كل شيء مؤجل حتى المهربون بوعودهم المخادعة اختفوا وصار العثور عليهم مستحيلاً بعدما انتهت اللعبة الإعلامية إلى توزيع 120 ألف لاجئ سوري في أوروبا فارتاح ضمير أوروبا قبل أن يموت تحت ضربات الصعود العنصري. المنتصر الوحيد حتى الآن هو الخليفة البغدادي لقد أكمل العراقي ما عجز السعودي عن إنجازه. صحيح أن أسامة بن لادن هو مؤسس الخراب الذي سمح بالصعود الأحمق للمحافظين الجدد الذين دمروا العراق وحولوه إلى أطياف طائفية لكن البغدادي نجح في غرس المذبحة في المشرق العربي وفي التلويح بتعميمها على العالم من خلال هجمات دموية تنشر الذعر والرعب وتساهم في صعود اليمين الفاشي. لكن الخليفة ليس المنتصر الوحيد فإلى جانبه وفي موازاته يقف منتصران: الوحش العنصري الإسرائيلي الذي يستخدم التفكك العربي من أجل استكمال المرحلة الثالثة من النكبة الفلسطينية والولي الفقيه الإيراني بأحلامه الإمبراطورية وبقدرته العجيبة على تفكيك المفكك العربي من خلال تأجيج الصراع السني- الشيعي وفي ظله يجلس المستبد السوري الصغير على خراب الأرض ودمار الناس. ثلاثة منتصرين يحملون راية الدين كي يغطوا بها المذبحة. ثلاثة منتصرين يلعقون سمّ الانحطاط العربي وينتصرون به على العرب! نعود إلى السؤال لكن ما هو السؤال؟ لن تستطيع اللغة أن تستقيم وتستعيد المعنى إلا إذا نجحت في طرح سؤال قادرة على الإجابة عليه. والمسألة كلها يمكن اختصارها في أننا نبحث عن سؤال!