* هل مسألة الجزية تجاوزها الزمن؟ أم أنها لا تختلف باختلاف الزمان؟ وما المقصود من فرضها على غير المسلمين من أهل الذمة؟ ** يجيب العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي بالقول: - الجزية غايةُ للقتال، (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) التوبة:29، ومعنى الصغار هنا: خضوعهم لدولة الإسلام، ودلالة ذلك: دفع هذا المبلغ الزهيد الذي يعبر عن إذعانهم لسلطان الدولة. وفي مقابله تقوم الدولة بحمايتهم والدفاع عنهم، والكفالة المعيشية للعاجزين منهم، كما فعل سيدنا عمر حين فرض ليهودي محتاج، ما يكفيه وعياله من بيت مال المسلمين. وقد كانت هذه الجزية بدلاً من فريضة الجهاد، وهي فريضة دينية تعبدية، فلم يُرِد الإسلام -لفرط حساسيته- أن يفرض على غير المسلمين ما يعتبره المسلمون عبادة وقربة دينية، بل أعظم القربات عند الله. ولقد طلبت قبيلة (تغلب) العربية الكبيرة من أمير المؤمنين عمر أن يسقط عنهم (الجزية) لأنهم قومٌ عرب يأنفون من قبول كلمة (جزية) وليأخذ منهم ما يشاء باسم الزكاة أو الصدقة، وقد تردد في أول الأمر، ثم قَبِل ذلك؛ لأن المقصود أن يدفعوا للدولة ما يثبت ولاءهم ومشاركتهم لها في الأعباء. ومن هنا رأى أن العِبرة بالمسميات والمضامين، لا بالأسماء والعناوين. وهو اجتهاد عُمَري يجب اعتماده في هذه القضية وفي أمثالها. وهو ما جعله رضي الله عنه، يغض الطرف عن هذا المصطلح الذي جاء في القرآن، ما دام قد حقق المقصود منه، فكيف بمصطلحات لم تجئ في قرآن ولا سنة؟! وقد قرَّر الفقهاء أن الذمي إذا شارك في الدفاع ومحاربة الأعداء سقطت عنه الجزية. واليوم بعد أن أصبح التجنيد الإجباري مفروضا على كل المواطنين في الدول الإسلامية -مسلمين وغير مسلمين- لم يعد هناك مجالٌ لدفع أي مال، لا باسم جزية، ولا غيرها.