بقلم: رشاد أبو داود* ليالي رمضان عامرة بالإيمان إنه شهر الرحمة والغفران. لكن كما تغيرت عادات وتقاليد وسياسات وحدود في العالم العربي تغيرت أيضا النظرة إلى رمضان فأصبح نهاره بالنسبة للكثيرين نوماً ولياليه شاشات فضائية يعرض على معظمها فن هابط إلى ما دون الحد الأدنى من القيم والأخلاقيات... والكثير من الإسفاف والتهريج. ربما يحدث ذلك انسجاما مع التراجع العربي في مجمل نواحي الحياة. فمن مسلسلات كانت هادفة ومسلية في الوقت نفسه رأفت الهجان بين القصرين درب الزلق وضحة وابن عجلان زقاق المدق راس غليص التغريبة صح النوم حمام الهنا...وغيرها. كان لكل رمضان مسلسل واحد يجذب الناس من كل منطقة عربية ثم أصبح مسلسلان ثم ثلاثة ثم..إلخ. من منا لا ترتبط طفولته أو صباه بحسينوه في درب الزلق ومن منا غاب عن مسامعه صوت قبقاب غوار الطوشة. الآن ليس ثمة ما يعلق ولا سمع ولا طاعة إلا لما يفرضه المتاجرون بالذوق العام على المشاهدين بحيث أصبح واحدنا (شاهد ما شافش حاجة). ليت الحال (المايل) ينحصر بالمسلسلات التلفزيونية فقط بل يتعداه إلى مسلسل داعش وداحس والغبراء وتقسيم المقسم والمقتول الذي يقتل القاتل والبوصلة التي ابتعدت عن فلسطين التي تُهوّد من أقصاها إلى أقصاها والقدس التي يُنتهك أقصاها يومياً من قبل متطرفين وحاخامات ووزراء يدعون علنا أن إسرائيل (فلسطين) دولة يهودية! الخبير في شؤون الاستيطان التهويدي في القدسالمحتلة خليل التفكجي قال الأسبوع الماضي إن التسارع في بناء المستوطنات الإسرائيلية ضمن مخطط إسرائيلي (القدس2020) سيوسع نطاق حدود بلدية الاحتلال وإقامة الدولة اليهودية.. ومن شأنه إلغاء مطار القدس في قلنديا. وأضاف التفكجي في تقرير له إن المشروع الإسرائيلي لتوسيع المستوطنات القائمة في الجزأين الشمالي والغربي من مدينة القدس هو لتنفيذ مخطط إسرائيل الكبير في تهويد المدينة المقدسة وتوسيع نطاق حدود بلديتها وصولا لإقامة الدولة اليهودية. وأوضح أن التسارع في بناء المستوطنات يأتي ضمن مخطط (القدس 2020).. والذي سيضم 58 ألف وحدة سكنية استيطانية مضيفاً إن إسرائيل تنفذ مشاريعها الاستيطانية في بناء وحدات سكنية بشكل تدريجي ومتسارع لتصل إلى أكثر من المعلن عنه. وأشار التفكجي إلى مشروع إسرائيلي خطير ببناء 15 ألف وحدة استيطانية جديدة في محيط قلنديا شمال القدس بهدف القضاء على مطار مدينة القدس المنتظر للدولة الفلسطينية المستقلة معتبرا المشروع مرحلة من مخطط التخلص من السكان العرب في المدينة المقدسة لرسم خارطة جديدة على أرض الواقع في القدسالمحتلة. وفي ظل انجراف إسرائيل نحو التطرف يتسلح جنود الاحتلال بأوامر صريحة تقضي بإطلاق النار من دون تردد على كل طفل أو امرأة تساورهم الشكوك بحيازته سكين مطبخ. ويتبارى قادة الاحتلال في اجتراح العقوبات الجماعية من هدم منازل العائلة إلى التشريد والإبعاد وصولاً إلى الأحكام القاسية بحق من هم دون سن الأهلية القانونية وانتهاء باقتراح العمل بعقوبة الإعمال ضد شبان الانتفاضة وفتياتها الذي تفتق عنه العقل العنصري لوزير الدفاع الإسرائيلي الجديد ليبرمان بمباركة من رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو. أمام وحشية الاحتلال وردود أفعاله غير المتناسبة أبداً مع حجم الفعل الفلسطيني المسلح تكتسب العمليات الفلسطينية تأييد قطاع واسع من الشعب الفلسطيني ويصبح الجدل حول جدوى هذه العمليات أو عدم جدواها محكوماً بشواهد مما تفعل إسرائيل وليس من زاوية الربح والخسارة فلسطينياً.. وبمنطق لا يخلو من الانفعال والابتزاز أحياناً تختفي معه الأصوات المطالبة بالمراجعة وإعادة النظر في أدوات الكفاح الأنسب في هذه المرحلة من مراحل نضال شعب فلسطين وتغلب على الجدل الفلسطيني العام صيحات الثأر والانتقام لكن على صعيد موقف القيادات الفلسطينية فثمة من يتمترس خلف (الحياة مفاوضات) ومن يربط مصير القضية بالتطورات الإقليمية وحسابات حصاد لا يتماشى مع البيدر الفلسطيني الذي تحرقه إسرائيل سنبلة سنبلة. يبدو أن الرهان معقود على الوعي الشعبي الجمعي للشعب الفلسطيني لا على جماعات تدعي تمثيله. فالشابان اللذان تناولا إفطارهما بمطعم في تل أبيب ثم سارا لتنفيذ عملية استشهادية فيها وهما مدركان أنهما سيقتلان لا محالة لم توجههما سلطة أو منظمة أو حكومة. وكما إن الاحتلال يقتل ويسجن ويقيد لكنه لا يستطيع أن يمنع الهواء عن الفلسطينيين ولا أن يجتث من صدورهم ولا من صدور العرب فلسطين. شاهدت برنامج مسابقات لإحدى القنوات يؤكد ما سبق أي بقاء فلسطين حية في الوعي العربي رغم كل هذا الدمار والموت. يأتي المذيع إلى أطفال يسألهم واحدا واحدا سؤالا بسيطا فيجيب الطفل. يقول المذيع للطفل:مبروووك. ربحت تذكرة سفر إلى إسرائيل مع إقامة في فندق سبع نجوم. يُصدم الطفل ويقول باستغراب. إسرائيل؟ لا ما بدي. يتقن المذيع الدور قائلاً: ليش؟ الإسرائيليون حبايبنا. يجيبه طفل: حبايبنا؟! هدول بيقتلوا الفلسطينيين شوف شو عملوا بغزة. آخر قال: ما بدي خللي التذكرة الك. طفلة قالت: هدول أعداءنا أخذوا فلسطين منا. ضحك المذيع وأنا بكيت. بكيت على أمة أطفالها أكثر حرصاً على قضاياها من كبارها !!