إنّ كل متناول للمخدرات يدرك أنّ طريقها هي الموت إن كان موتا بطيئا، أو موتا مفاجئا، مثلما يحدث لهؤلاء الذين يضاعفون من جرعتهم يوميا حتى تودي جرعة مضاعفة بحياتهم فتقتلهم· مصطفى مهدي كثيرا ما نسمع عن شبان يموتون بجرعات مضاعفة، وليس الأمر غريبا، فالمخدرات سم قاتل، ولو أنها تمهل الإنسان أحيانا بعض سنين يعيشها إلاّ أنها في النهاية لابدّ مهلكته، في صحته وماله وحتى علاقاته الاجتماعية، فالذي يدمن على المخدرات أيا كان نوعها، ولكن بدرجات متفاوتة، يجد نفسه، وفي كل مرة لايكتفي بالجرعة التي اعتاد عليها، فيتناول جرعات زائدة في كل مرة، وقد تكون إحداها قاتلة· توفي مؤخرا شاب من عين البنيان بسبب جرعة زائدة، فاتجهنا إلى حيه، لكننا قوبلنا بالصمت، فالأمر يعتبر (طابو) لايمكن الحديث فيه، وعندما سألنا عنه، قيل إنه توفي بسبب إصابته بمرض في القلب، وفقط، أمّا الحقيقة والتفاصيل فالجميع تكتم عليها، وعندما طرقنا الموضوع مع جماعة من الحي أعطونا معلومات عامة عن ظاهرة الموت بسبب جرعات زائدة، واكتفوا بأن استنكروا الظاهرة، والتي تحصد أرواحا لأتفه الأسباب، كما قص علينا سليم، 39 سنة ما وقع لشاب يعمل معه قبل سنوات، فقال: كان يعمل معي شاب في العشرين من عمره، أي في مقتبل العمر، لكنه توفي بجرعة زائدة، فحزنا لذلك، وعندما أخذناه إلى الإمام رفض أن يصلي عليه وقال إنّه، وبالإضافة إلى كونه لا يصلي فهو مات عاصياً لربّه، وقد استاء أهل الشاب من الأمر فنقلوه إلى إمام آخر فصلى عليه، ففعل كهذا يجعل الشاب يخسر دنياه وآخرته كذلك، قال سليم هذا وبقي الآخرون متكتمين على الظاهرة وعلى ابن الحي فذهبنا· اتجهنا هذه المرة إلى لافونتوم وهو حي ببوزريعة، وفيه الكثير من باعة المخدرات، ذلك أنه حي منعزل، وأنّ الشبان فيه لايجدون شيئا يتلهون به إلاّ المخدرات، والتي قتلت في سنتين ثلاثة من أبناء الحي، عندما اتجهنا إليهم لم يكونوا متكتمين ولكن كانوا حذرين فقال لنا رضا، 26 سنة: الكل مدمن هنا، ما إن يبلغ السادسة عشر أو حتى قبل يدمن على المخدرات، ليس لنا شيء آخر نفعله غير تعاطي هذه السموم القاتلة، وفي حينا توفي ثلاثة أشخاص كنت أعرفهم بجرعات زائدة، أحدهم متزوج وله طفلان وقد راح يتناول تلك المخدرات بشكل مفرط بعد أن أوقف عن العمل، وكان يجلس هناك، وأشار لنا إلى قبو واسع في عمارة كسّر بابها، ثم واصل يحكي متأثرا: أكاد أراه وأتذكر صورته عندما كان يجلس ويلف سجائر الحشيش ويتناول من حين لآخر الحبوب المهلوسة، حتى استيقظنا فوجدناه جثة هامدة، وهناك أيضا مراهق في الثامنة عشرة سنة توفي أيضا بجرعة زائدة، وآخر لم يتجاوز سنه الخامسة والعشرين، كلهم ماتوا في ظرف سنتين، وهو أمر مؤسف حقا· في الأحياء الشعبية تكثر هذه الظاهرة، إذ يكثر الإدمان على المخدرات حتى يتحول أحيانا إلى شيء عادي، فتجد أبناء الحي كلهم من المدمنين، إلاّ من رحم ربي، وحتى الكبار فيهم لايقدرون على نهي الصغار لأنّهم هم كذلك مدمنون، ووسط الفراغ لايجد الشاب إلاّ المخدرات يملأ بها وقته، وعن أسباب أخذ تلك الجرعات الزائدة ونتائجها اتجهنا إلى الطبيب سيد علي سنيرة المختص في أمراض القلب والذي قال لنا: الجرعات الزائدة تسبب توقف القلب، وبالتالي موت صاحبها إن لم يتم إسعافه في الحين، ورغم أنّ الظاهرة ليست منتشرة كثيرا، أو على الأقل ليس هناك ضحايا الجرعات يوميا، إلاّ أنه ومجرد أن نسمع بحالة واحدة يجب أن نحقق في الأمر، فهناك من يفعل ذلك متعمدا، أي أنه ينتحر، وآخر يفعل عن جهل، فيبقى يتناول كميات من المخدرات لايحتملها قلبه فيموت، وعن أنواع المخدرات الأكثر خطورة، أو الأكثر مسببة للظاهرة يقول: كل أنواع المخدرات يمكن أن تكون قاتلة ولكن بدرجات، لعلّ أخطرها الكوكايين والهيروين ولكنها غير منتشرة في بلادنا، ولايتعاطاها إلاّ الأثرياء نظرا لارتفاع أسعارها، وهناك الحبوب المهلوسة بل وحتى أدوية أخرى مثل المنومات التي يستعملها المرض منوم، ولكن آخرين يخدرون أنفسهم بها، كل تلك الأدوية المخصصة للمرض يمكن أن تهلك الإنسان الصحيح وترمي به في غرفة الإنعاش وقد تقتله·