من صديق صدوق لأردوغان إلى ألد الأعداء *** تصفه الروائية التركية أليف ألاتلي بأنه (أخرق يدعي أنه المهدي) ومن المصابين (بالاكتئاب والهلوسة) وتضيف أنه لو كان يمتلك الحد الأدنى من العقل لأدرك استحالة عودته إلى تركيا بشكل مشابه لعودة الخميني إلى إيران في الثورة التي أسقطت شاه إيران. ق. د/وكالات يقود دولة (موازية) للدولة التركية أو كيانا موازيا وفقا لتعبير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتتمركز أدوات هذه الدولة الخفية في ما يعرف بحركة (حزمت/ أو الخدمة) الهلامية والفضفاضة التي تغلغلت في جميع أجهزة الدولة التركية. حركة بلا سجلات أو قيود عالم سري من العلاقات الشخصية القوية والتطوعية في شكل يعتمد على الأموال التي يقدمها متطوعون لا تعرف هوياتهم أو حتى أسماؤهم فجزء كبير منهم رجال أعمال وأثرياء بعضهم يؤمنون بفكر الرجل الذي يقف وراء جميع تفاصيل الكيان الموازي. فكر الرجل غامض تماما مثل تركيبة حركته وبنائها رغم أن زعيم (حزمت) فتح الله غولن المولود في محافظة أرضروم في أفريل عام 1941 تلقى تعليما دينيا في فترة مبكرة من حياته إضافة لعلم الفلسفة وغيرها كما أنه اطلع على الثقافة الغربية وأفكارها وفلسفاتها إلى جانب الفلسفة الشرقية. نشأ في أسرة متدينة وتعلم القرآن الكريم في شهر واحد اعتمادا على ما أفادت به أمه (رفيعة خانم) وفي أثناء دراسته تعرف على (رسائل النور) التي ألفها سعيد النورسي وهو أحد أبرز علماء الإصلاح الديني والاجتماعي في عصره وتأثر بكتاباته وسيرته الشخصية حتى إنه عزف عن الزواج تشبها به وتفرغا للدعوة رغم أن تلاميذ سعيد النورسي نفوا ارتباط غولن بالنورسي أو حتى تلمذته على يديه. وفي العشرين من عمره عُين غولن إمام جامع في مدينة أدرنة لكنه بدأ عمله الدعوي في مدينة إزمير وانطلق بعدها ليعمل واعظا يلقي الخطب والمواعظ في جوامع غرب الأناضول وعقد محاضرات علمية ودينية واجتماعية وفلسفية وفكرية. وكان غولن من الذين كونوا الجيل الثاني من الحركة النورسية بعد تفرقها منشئا ما سمي لاحقا ب(حركة الخدمة) وبالتركية (حزمت) أو (جماعة غولن) التي أسست رسميا في عام 1970 وانطلقت من مدينة إزمير معقل العلمانيين وربما يكون هذا السبب وراء تأثرها بالتيار العلماني. ويعرف عن غولن براعته في الخطابة إضافة إلى غزارة إنتاجه العلمي حيث إنه ألف أكثر من سبعين كتابا ترجمت إلى 39 لغة في مقدمتها العربية والإنجليزية والفرنسية والصينية والألمانية والألبانية. ورغم أن أغلب كتب غولن تدور حول التصوف في الإسلام ومعنى التدين والتحديات التي تواجه الإسلام اليوم إلا أن مواقفه تبدو منفصمة ومنفصلة عما يكتبه ومن مواقفه المستغربة في هذا الشأن موقفه المعارض لاحتجاجات الجماعات والحركات الإسلامية على حظر الحجاب في الجامعات التركية في ثمانينيات القرن الماضي.. غولن قال يومها: الحجاب ليس من أصول الإسلام بل هي قضية فرعية وطلب من الطالبات خلع الحجاب لمواصلة دراستهن. يرى غولن أن جماعته (فوق السياسة) ويرى أن الإسلام ليس أيديولوجية سياسية أو نظام حكم أو شكلا للدولة وفي الوقت ذاته تتحالف جماعة غولن مع الأحزاب السياسية وتتغلغل في مؤسسات الدولة بسرية وهدوء وفق مبدأ التقية السياسية التي تجيز لأعضائها التخلي عن بعض العبادات والشعائر لإخفاء هويتهم حتى لا يتم استبعادهم من أجهزة الدولة خصوصا الجيش والشرطة. الإخوان الجدد تأسست حركة غولن مثل الهرم: الأئمة يعطون الأوامر لأئمة المستوى الثاني الذين بدورهم يعطون الأوامر لأئمة المستوى الثالث ويسير الأمر على هذا النحو وصولا إلى القاعدة الشعبية وفقا لصحيفة نيويوك تايمز الأمريكية. مفهوم الدين لدى منتسبي الجماعة ملتبس فهي قد تسمح لأعضائها بتجاوز مفاهيم واضحة في الدين الإسلامي مقابل الاندماج في المجتمعات الغربية تحديدا. الإخوان الجدد كما يسمون موجودون في أكثر من 140 دولة وتشرح مجلة سلايت الأمريكية في نسختها الناطقة بالفرنسية أن تسمية الإخوان الجدد أطلقها السياسي برتراند بادي وذلك لما لاحظه في الحركة من طابع ديني متجذر في التقاليد التركية الإسلامية الصوفية مع تمسكها بالانفتاح على العالم والقيام بالأنشطة المدنية الاجتماعية وهي التسمية الأنسب لوصف الحركة. وتشير وسائل إعلام غربية إلى الرابط الأيديولوجي الذي يربط حركة غولن واليمين الأمريكي وهذا ما أكده الأستاذ الجامعي جون فرانسوا بيارت في كتابه (الإسلام الجمهوري على منصة باريس) إذ إنه شرح في أحد فصوله العلاقة التي تربط حركة غولن بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه). استفادت حركة غولن من الانقلاب العسكري الذي وقع عام 1980 وبدأت في إنشاء المدارس خارج تركيا وتكوين وقف الصحفيين والكتاب الأتراك وتوسعت لتدير أكثر من 1500 مؤسسة بمختلف مراحل التعليم إضافة إلى 15 جامعة منتشرة في أكثر من 140 دولة في مختلف أنحاء العالم وأهم ملامح هذه المؤسسات التعليمية أنها تتفق مع علمانية تركيا. وتمتلك الحركة في قطاع الإعلام على سبيل المثال مؤسسات إعلامية عدة منها وكالة جيهان للأنباء ومجموعة سامانيولو التي تضم قنوات تلفزيونية وإذاعات عدة ولها بث خاص بأمريكا وأوروبا ودول آسيا الوسطى باللغات التركية والإنجليزية والألمانية والأذرية كما أنها تمتلك مجموعة زمان الإعلامية التي تصدر جريدتي زمان التركية ونسختها الإنجليزية تودايز زمان وتمتلك الحركة بنك آسياط الذي يُعد أكبر بنك إسلامي بتركيا. بدأت المشاكل بين غولن والدولة التركية في منتصف عام 1999 ليغادر بعدها إلى الولاياتالمتحدة واشتد الصراع بعد أزمة الفيديو الذي ظهر فيه غولن وهو يقول إنه سيتحرك ببطء لتغيير النظام التركي من علماني إلى إسلامي ما أثار غضب الجيش التركي. وبسبب تصريحات أخرى لغولن حدثت أزمة كبيرة بين تركيا وأوزبكستان استدعت تدخل رئيس الوزراء التركي حينها بولنت أجاويد. وتراجع كثيرا تأثير هذه الحركة داخل الدولة ووسائل الإعلام وأوساط رجال الأعمال بعد الحملة الواسعة التي شنتها السلطات التركية ضدها. وأنهى الخلاف بين أردوغان وغولن تحالفا دام سنوات عدة وبشكل خاص في انتخابات عام 2002 التي كان الهدف منها تعزيز سيطرة الدولة على مقاليد الحكم في البلاد وإعادة الجيش إلى الثكنات والحد من سلطته. وشكل عام 2012 نقطة فاصلة في العلاقة بين حزب العدالة والتنمية الذي كان يتزعمه أردوغان حينها وبين جماعة غولن ليبدأ بعدها منحنى العلاقة بالهبوط ويتحول الصديق إلى خصم ثم عدو. واضطراب علاقة الحليفين القويين جاء بعد محاولة جماعة غولن التأثير في قرارات حزب العدالة والتنمية ومواقف حكومته من عدد من القضايا. وأول مواجهة بين الطرفين كانت في ملف التحقيق مع رئيس الاستخبارات التركية حاقان فيدان المقرب من أردوغان بعد توليه منصبه في عام 2010 الذي كانت الحركة تتصور أنه سيعبد لها الطريق للوصول أكثر إلى قلب مؤسسات الدولة ليحدث العكس تماما. بداية الانقلابات وكان مدخل الهجوم على حاقان هو اتهامه بالتخابر مع حزب العمال الكردستاني وذلك بعد الكشف عن تسجيلات صوتية لمفاوضات سرِّية في أوسلو مع حزب العمال تحت إشرافه في إطار مسعى الحكومة لحل القضية الكردية. واستدعى المدعي العام رئيس جهاز الاستخبارات وبعض مساعديه للتحقيق في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجمهورية التركية ويرفض فيدان المثول أمام المدعي العام وتضطر الحكومة التركية لاستصدار قانون يحصن رئيس جهاز الاستخبارات من التحقيق معه إلا بموافقة خطية من رئيس الوزراء. ثاني مواجهة بين الطرفين كانت في أحداث (جزي بارك) فبعد اندلاع احتجاجات ميدان تقسيم في وسط مدينة إسطنبول وبعد قيام المتظاهرين بغلق أكثر الميادين حيوية هاجمت وسائل الإعلام التابعة ل(جماعة غولن) أردوغان شخصيا ونددت بطريقة تعامل حكومته مع الأحداث. وبعد فوز أردوغان قال غولن تعقيبا على نتائج الانتخابات: إن حزبي الحركة القومية والشعب الجمهوري حاولا كثيرا الإطاحة بأردوغان لكنهما لم ينجحا في ذلك. أما القشة التي قصمت ظهر البعير فقد كانت قضية معاهد التحضير للامتحانات الجامعية فقد أعلنت الحكومة نيتها تغيير نظام الامتحانات وتحويل هذه المعاهد إلى مدارس خاصة ضمن مشروع تطوير النظام التعليمي. ولأن الحركة تستحوذ على ما يقرب ربع المعاهد وتستفيد منها ماليا بشكل كبير فقد شكل الأمر خطا أحمر للجماعة لترفض القرار وتدخل في مواجهة مع الحكومة مجددا. وكان آخر الفصول قبل محاولة الانقلاب الفاشلة حين صنفت الحكومة في ماي الماضي جماعة غولن منظمة إرهابية وتعقب أعضائها. وبعد محاولة الانقلاب الأخيرة اتهم أردوغان الجماعة بالوقوف وراءها وبين أن المحاولة الانقلابية نفذتها عناصر محدودة من الجيش تتبع ل(الكيان الموازي) وبتخطيط خارجي لأن غولن أقل أهمية من التخطيط لمثل هذا الانقلاب وفقا لأردوغان. ولم يتردد أردوغان في الطلب من الإدارة الأمريكية تسليم غولن وجدد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم طلبه للولايات المتحدة بتسليم غولن قائلا: (الدولة التي تحمي فتح الله غولن لن تكون دولة صديقة ولكنها دولة معادية).